إسرائيل تقتل غزة بالجوع .. حين يسقط الخبز من قائمة الأمل
نيسان ـ نشر في 2025-07-19 الساعة 12:30
x
نيسان ـ “لا أحد يموت جوعًا”.. عبارة كانت تُقال كثيرًا في قطاع غزة، ليس من باب الترف أو المبالغة، بل تعبيرًا صادقًا عن قدرة سكان هذا الشريط الصغير على الصمود والتأقلم مع أشدّ الظروف قسوة، بما فيها الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 18 عامًا.
لكنّ هذه المقولة، التي كانت تشبه تعويذةً في مواجهة الجوع، انهارت تحت وقع المجاعة الكاملة، وصار الموت جوعًا في غزة حقيقة تُكتب على شواهد القبور.
منذ آذار/ مارس الماضي، أطبقت إسرائيل حصارًا خانقًا على قطاع غزة، بإغلاق جميع المعابر ومنع دخول أي مساعدات غذائية أو دوائية أو وقود، ضمن سياسة عقابية جماعية غير مسبوقة.
وقد تسببت هذه الإجراءات، وفق تقارير أممية، في انهيار سبل الحياة، واندلاع مجاعة شاملة، بدأت تحصد أرواح الأطفال أولاً.
أطفال يموتون بصمت
في أحد مراكز النزوح شمال مدينة غزة، ترقد الطفلة “لينا سمير” (7 أعوام) على قطعة إسفنج مهترئة، جسدها الهزيل بالكاد يتحرك، وعيناها غائرتان كأنهما تنظران إلى الداخل، لا الخارج.
تقول والدتها المكلومة: “لم تأكل منذ يومين. لا يوجد شيء نطعمه لها، نحاول تهدئتها ببعض الماء والسكر، لكن حتى السكر لم يعد موجودًا”.
تتقاسم لينا هذا العذاب مع شقيقيها، سامي (9 أعوام) وداليا (11 عامًا)، الذين أنهكهم الجوع، وباتوا غير قادرين على الوقوف.
تقول الأم إنهم اعتادوا على الجوع في السابق، “لكن الآن لا توجد أي وسيلة للصمود، لا مساعدات، لا طحين، ولا حتى أمل”.
ورغم الجوع، فإن القصف لا يتوقف، مما يضاعف منسوب الرعب والموت، وتضيف الأم بصوتٍ منكسر: “نجونا من الصواريخ، لكن من ينقذنا من الجوع؟”.
بحسب إحصائيات رسمية من وزارة الصحة الفلسطينية، فقد استشهد 69 طفلًا حتى الآن بسبب الجوع وسوء التغذية الحاد، فيما يواجه أكثر من 650 ألف طفل تحت سن الخامسة خطر المجاعة خلال الأسابيع القادمة.
دواء مفقود وألم بلا حدود
لا تقتصر المعاناة على الجوع فقط، بل تتفاقم عند من يعانون أمراضًا مزمنة، لا سيما الأطفال.
يقول “سليم عبد الرحمن”، والد الطفلة “أروى” (10 سنوات)، إن ابنته كانت قد شُخّصت قبل بدء الحرب بورم في الدماغ، وكانوا في بداية مشوار العلاج.
لكن الحرب لم تمهلهم، فقد دُمّر المستشفى الذي كانت تُتابع فيه حالتها، ومنذ ذلك الوقت توقفت الفحوصات والعلاج، وباتت نوبات الصداع تطحن رأس الصغيرة كل يوم.
“كنا نعطيها مسكنًا مهدئًا وصفه الطبيب، لكنه انتهى منذ شهور”، يقول الأب، وهو يحاول أن يمنع دموعه من السقوط.
ويضيف: “الآن تعاني من نوبات إغماء متكررة، ونزف من الأنف أحيانًا. أراها تموت أمامي ببطء، ولا أستطيع أن أفعل شيئًا. لا دواء، لا غذاء، ولا حتى سرير في مستشفى”.
القطاع الصحي في غزة انهار بالكامل وفق منظمة الصحة العالمية، بعد أن خرج أكثر من 80% من المستشفيات عن الخدمة، فيما تواجه المرافق المتبقية عجزًا تامًا في الأدوية والمستلزمات الطبية.
كسر إرادة الحياة
الحصار المفروض على غزة منذ مارس لم يكتف بمنع الغذاء والدواء، بل قطع كذلك الوقود والكهرباء، ما أدى إلى توقف شبكات المياه ومحطات الصرف الصحي، وانتشار الأمراض المعدية وسوء التغذية. آلاف العائلات نزحت من منازلها، فقط لتجد نفسها في خيام بلا طعام أو أمان.
في إحدى تلك الخيام، يروي “نائل يوسف” (41 عامًا)، كيف فقد والدته المسنّة قبل أيام بسبب الجوع. يقول: “كانت مصابة بالسكري والضغط، واعتادت على تناول 4 أنواع من الأدوية يوميًا، لكن منذ أسابيع لم تجد شيئًا. بدأت تفقد وعيها شيئًا فشيئًا، ثم توقفت عن الكلام، وماتت بين يدي”.
ويتابع: “دفناها بلا كفن ولا جنازة. هذا ليس موتًا طبيعيًا، هذا قتل ببطء، أمام عيون العالم”.
مجاعة منظمة
تقارير متعددة لمنظمات حقوقية، من بينها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، وصفت ما يجري في غزة بأنه “مجاعة منظمة”، تهدف إلى إخضاع السكان عبر حرمانهم من أبسط مقومات الحياة. وأكدت أن الجوع لا يصيب فقط الأطفال والمرضى، بل يمتد ليهدد نحو مليوني إنسان، أغلبهم نازحون، ويعيشون دون مياه نظيفة، أو مرافق صحية، أو طعام كافٍ.
وبحسب إحصاءات حديثة، فإن 4% من ضحايا العدوان على غزة هم من كبار السن، الذين دفعوا ثمنًا باهظًا لانعدام الرعاية، وفقدان الدواء والغذاء، وضعف القدرة على الحركة.
انهيار أخلاقي عالمي
وفي ظل هذا المشهد المأساوي، لا تزال أصوات العالم الرسمي خافتة أو غائبة، باستثناء بعض الإدانات الشكلية. وبدلاً من التدخل لوقف الكارثة، تواجه القوافل الإغاثية عراقيل إسرائيلية متكررة، ويتم منع دخول المساعدات عبر المعابر.
إنها مجاعة القرن الحادي والعشرين، تُبث على الهواء مباشرة، ويُوثّقها الأطفال بأجسادهم النحيلة، والآباء بعيونهم الممتلئة بالقهر، والأمهات بصمت يختزن وجع البشرية كلها.
غزة اليوم لا تحتاج فقط إلى طعام، بل إلى ضمير عالمي يستفيق.
لكنّ هذه المقولة، التي كانت تشبه تعويذةً في مواجهة الجوع، انهارت تحت وقع المجاعة الكاملة، وصار الموت جوعًا في غزة حقيقة تُكتب على شواهد القبور.
منذ آذار/ مارس الماضي، أطبقت إسرائيل حصارًا خانقًا على قطاع غزة، بإغلاق جميع المعابر ومنع دخول أي مساعدات غذائية أو دوائية أو وقود، ضمن سياسة عقابية جماعية غير مسبوقة.
وقد تسببت هذه الإجراءات، وفق تقارير أممية، في انهيار سبل الحياة، واندلاع مجاعة شاملة، بدأت تحصد أرواح الأطفال أولاً.
أطفال يموتون بصمت
في أحد مراكز النزوح شمال مدينة غزة، ترقد الطفلة “لينا سمير” (7 أعوام) على قطعة إسفنج مهترئة، جسدها الهزيل بالكاد يتحرك، وعيناها غائرتان كأنهما تنظران إلى الداخل، لا الخارج.
تقول والدتها المكلومة: “لم تأكل منذ يومين. لا يوجد شيء نطعمه لها، نحاول تهدئتها ببعض الماء والسكر، لكن حتى السكر لم يعد موجودًا”.
تتقاسم لينا هذا العذاب مع شقيقيها، سامي (9 أعوام) وداليا (11 عامًا)، الذين أنهكهم الجوع، وباتوا غير قادرين على الوقوف.
تقول الأم إنهم اعتادوا على الجوع في السابق، “لكن الآن لا توجد أي وسيلة للصمود، لا مساعدات، لا طحين، ولا حتى أمل”.
ورغم الجوع، فإن القصف لا يتوقف، مما يضاعف منسوب الرعب والموت، وتضيف الأم بصوتٍ منكسر: “نجونا من الصواريخ، لكن من ينقذنا من الجوع؟”.
بحسب إحصائيات رسمية من وزارة الصحة الفلسطينية، فقد استشهد 69 طفلًا حتى الآن بسبب الجوع وسوء التغذية الحاد، فيما يواجه أكثر من 650 ألف طفل تحت سن الخامسة خطر المجاعة خلال الأسابيع القادمة.
دواء مفقود وألم بلا حدود
لا تقتصر المعاناة على الجوع فقط، بل تتفاقم عند من يعانون أمراضًا مزمنة، لا سيما الأطفال.
يقول “سليم عبد الرحمن”، والد الطفلة “أروى” (10 سنوات)، إن ابنته كانت قد شُخّصت قبل بدء الحرب بورم في الدماغ، وكانوا في بداية مشوار العلاج.
لكن الحرب لم تمهلهم، فقد دُمّر المستشفى الذي كانت تُتابع فيه حالتها، ومنذ ذلك الوقت توقفت الفحوصات والعلاج، وباتت نوبات الصداع تطحن رأس الصغيرة كل يوم.
“كنا نعطيها مسكنًا مهدئًا وصفه الطبيب، لكنه انتهى منذ شهور”، يقول الأب، وهو يحاول أن يمنع دموعه من السقوط.
ويضيف: “الآن تعاني من نوبات إغماء متكررة، ونزف من الأنف أحيانًا. أراها تموت أمامي ببطء، ولا أستطيع أن أفعل شيئًا. لا دواء، لا غذاء، ولا حتى سرير في مستشفى”.
القطاع الصحي في غزة انهار بالكامل وفق منظمة الصحة العالمية، بعد أن خرج أكثر من 80% من المستشفيات عن الخدمة، فيما تواجه المرافق المتبقية عجزًا تامًا في الأدوية والمستلزمات الطبية.
كسر إرادة الحياة
الحصار المفروض على غزة منذ مارس لم يكتف بمنع الغذاء والدواء، بل قطع كذلك الوقود والكهرباء، ما أدى إلى توقف شبكات المياه ومحطات الصرف الصحي، وانتشار الأمراض المعدية وسوء التغذية. آلاف العائلات نزحت من منازلها، فقط لتجد نفسها في خيام بلا طعام أو أمان.
في إحدى تلك الخيام، يروي “نائل يوسف” (41 عامًا)، كيف فقد والدته المسنّة قبل أيام بسبب الجوع. يقول: “كانت مصابة بالسكري والضغط، واعتادت على تناول 4 أنواع من الأدوية يوميًا، لكن منذ أسابيع لم تجد شيئًا. بدأت تفقد وعيها شيئًا فشيئًا، ثم توقفت عن الكلام، وماتت بين يدي”.
ويتابع: “دفناها بلا كفن ولا جنازة. هذا ليس موتًا طبيعيًا، هذا قتل ببطء، أمام عيون العالم”.
مجاعة منظمة
تقارير متعددة لمنظمات حقوقية، من بينها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، وصفت ما يجري في غزة بأنه “مجاعة منظمة”، تهدف إلى إخضاع السكان عبر حرمانهم من أبسط مقومات الحياة. وأكدت أن الجوع لا يصيب فقط الأطفال والمرضى، بل يمتد ليهدد نحو مليوني إنسان، أغلبهم نازحون، ويعيشون دون مياه نظيفة، أو مرافق صحية، أو طعام كافٍ.
وبحسب إحصاءات حديثة، فإن 4% من ضحايا العدوان على غزة هم من كبار السن، الذين دفعوا ثمنًا باهظًا لانعدام الرعاية، وفقدان الدواء والغذاء، وضعف القدرة على الحركة.
انهيار أخلاقي عالمي
وفي ظل هذا المشهد المأساوي، لا تزال أصوات العالم الرسمي خافتة أو غائبة، باستثناء بعض الإدانات الشكلية. وبدلاً من التدخل لوقف الكارثة، تواجه القوافل الإغاثية عراقيل إسرائيلية متكررة، ويتم منع دخول المساعدات عبر المعابر.
إنها مجاعة القرن الحادي والعشرين، تُبث على الهواء مباشرة، ويُوثّقها الأطفال بأجسادهم النحيلة، والآباء بعيونهم الممتلئة بالقهر، والأمهات بصمت يختزن وجع البشرية كلها.
غزة اليوم لا تحتاج فقط إلى طعام، بل إلى ضمير عالمي يستفيق.