الوعي في زمن الإغراق السردي
رمزي الغزوي
رمزي الغزوي أديب وإعلامي أردني عربي
نيسان ـ نشر في 2025-07-23 الساعة 08:52
نيسان ـ لم يعد من السهل أن نجيب عن سؤال يبدو بسيطا: ما الحقيقة؟ ليس لأنها اختفت، بل لأن طوفانا من السرديات يغمرنا كل يوم، يخلط الواقعي بالافتراضي، والحدث بالعرض، والفعل بالإعلان. يغمرنا حتى كدت أكره كلمة سردية. نحن لا نعيش في عالم يخفي الحقيقة، بل يغرقها بتعدد النسخ حتى يصبح الوصول إليها مرهقا إن لم يكن مستحيلا.
دون أن ننتبه، دخلنا زمن «الهيبنوقراطية»، وهي كلمة تجمع بين «التنويم المغناطيسي» و»السلطة»، تعبر عن نظام جديد يحكم بالتأثير عبر إغراق العقول بالسرديات، لا بتقديم الحقيقة ولا بفرض الكذب. هذه السلطة لا تقمع التفكير لكنها تشوشه، تملأه بما يعيق التمييز ويشغل الانتباه.
هذا النموذج لا يقتصر على الأنظمة الشمولية، بل يمارسه كل من يملك أدوات صناعة الواقع عبر المنصات الرقمية. هؤلاء لا يقنعون بل يبهرون، لا يبنون الحقيقة بل يعيدون تشكيل الانتباه الجماعي حتى يُستهلك الوهم وكأنه واقع. وهكذا، نجد أنفسنا جميعا أسرى لحكم مغناطيسي يوجه وعينا.
الأخطر مما يحدث خارجنا هو ما يجري في عقولنا. عندما نقرأ فكرة عميقة أو نصا مؤثرا، ثم نكتشف أن كاتبه مجرد برنامج ذكاء اصطناعي مدعوم بتدخل بشري، تنهار الثقة بمصدر المعرفة. من يكتب؟ ومن يفكر؟ هل الإنسان يؤلف أم ينسق ما تنتجه الآلة؟ هنا يتحول السؤال من كونه تقنيا إلى سؤال وجودي يمس تعريف التأليف والهوية والذكاء.
لربما تبدو صدمة كثيرين حين يكتشفون أن نصوصا هزتهم ليست من إنسان حقيقي صدمة قاسية لكنها ضرورية. المشكلة ليست فقط في المصدر، بل في وعينا نحن: كيف نقرأ؟ ولماذا نصدق؟ متى نتوقف عن التلقي السلبي لنبدأ المساءلة؟
العصر لا يستمع لمن يلوح بالخوف، بل لمن يمتلك وعيا ومناعة معرفية، عقلا يتقن الشك الخلاق والانفصال التكتيكي عن الضجيج دون الانفصال عن الواقع. نحن بحاجة إلى بناء قدرة جديدة على الانتباه لا تنخدع بسهولة ولا تنجرف بسذاجة.
معركتنا القادمة لن تحسم بالقوة ولا بالحقيقة وحدها، بل بالقدرة على التمييز وسط الطوفان ورؤية ومضات النور لتفكيك الزيف. السؤال لم يعد: ما الحقيقة؟ بل: كيف نحافظ على إنسانيتنا ووعينا في عالم يعيد تشكيلنا كل لحظة؟ وكيف نبني إدراكا جديدا في زمن تمت خصخصته وتسويقه وتغليفه بلمعان زائف؟
ربما لا نملك كل الأجوبة، لكننا نملك الحق في السؤال والقدرة على الشك والعزم على المقاومة. وهذا، في زمن الهيبنوقراطية، فعل لا يستهان به.
دون أن ننتبه، دخلنا زمن «الهيبنوقراطية»، وهي كلمة تجمع بين «التنويم المغناطيسي» و»السلطة»، تعبر عن نظام جديد يحكم بالتأثير عبر إغراق العقول بالسرديات، لا بتقديم الحقيقة ولا بفرض الكذب. هذه السلطة لا تقمع التفكير لكنها تشوشه، تملأه بما يعيق التمييز ويشغل الانتباه.
هذا النموذج لا يقتصر على الأنظمة الشمولية، بل يمارسه كل من يملك أدوات صناعة الواقع عبر المنصات الرقمية. هؤلاء لا يقنعون بل يبهرون، لا يبنون الحقيقة بل يعيدون تشكيل الانتباه الجماعي حتى يُستهلك الوهم وكأنه واقع. وهكذا، نجد أنفسنا جميعا أسرى لحكم مغناطيسي يوجه وعينا.
الأخطر مما يحدث خارجنا هو ما يجري في عقولنا. عندما نقرأ فكرة عميقة أو نصا مؤثرا، ثم نكتشف أن كاتبه مجرد برنامج ذكاء اصطناعي مدعوم بتدخل بشري، تنهار الثقة بمصدر المعرفة. من يكتب؟ ومن يفكر؟ هل الإنسان يؤلف أم ينسق ما تنتجه الآلة؟ هنا يتحول السؤال من كونه تقنيا إلى سؤال وجودي يمس تعريف التأليف والهوية والذكاء.
لربما تبدو صدمة كثيرين حين يكتشفون أن نصوصا هزتهم ليست من إنسان حقيقي صدمة قاسية لكنها ضرورية. المشكلة ليست فقط في المصدر، بل في وعينا نحن: كيف نقرأ؟ ولماذا نصدق؟ متى نتوقف عن التلقي السلبي لنبدأ المساءلة؟
العصر لا يستمع لمن يلوح بالخوف، بل لمن يمتلك وعيا ومناعة معرفية، عقلا يتقن الشك الخلاق والانفصال التكتيكي عن الضجيج دون الانفصال عن الواقع. نحن بحاجة إلى بناء قدرة جديدة على الانتباه لا تنخدع بسهولة ولا تنجرف بسذاجة.
معركتنا القادمة لن تحسم بالقوة ولا بالحقيقة وحدها، بل بالقدرة على التمييز وسط الطوفان ورؤية ومضات النور لتفكيك الزيف. السؤال لم يعد: ما الحقيقة؟ بل: كيف نحافظ على إنسانيتنا ووعينا في عالم يعيد تشكيلنا كل لحظة؟ وكيف نبني إدراكا جديدا في زمن تمت خصخصته وتسويقه وتغليفه بلمعان زائف؟
ربما لا نملك كل الأجوبة، لكننا نملك الحق في السؤال والقدرة على الشك والعزم على المقاومة. وهذا، في زمن الهيبنوقراطية، فعل لا يستهان به.
نيسان ـ نشر في 2025-07-23 الساعة 08:52
رأي: رمزي الغزوي رمزي الغزوي أديب وإعلامي أردني عربي


