لوموند: هكذا يتعرض البدو في الضفة الغربية لطرد صامت
نيسان ـ نشر في 2025-07-23 الساعة 12:46

نيسان ـ قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن القرى الواقعة عند سفوح وادي الأردن، حيث تقيم عائلات من الرعاة منذ عقود، تتعرض لهجمات متكررة من قبل متطرفين يهود، ما أدى إلى إفراغها واحدة تلو الأخرى من سكانها.
تحولت قرية المعرجات، وهي قرية تقع في الضفة الغربية، وكانت تضم 75 عائلة بدوية ترعى الأغنام منذ عقود، إلى قرية أشباح.
حسن مليحات: تُستخدم هذه الحيلة المسماة “مزرعة المستوطنين” ليظهر الأمر وكأنه مجرد نزاع محلي، وليس سياسة ممنهجة للاستيلاء على الأراضي
يوم الأحد 20 يوليو، وتحت شمس حارقة في سفح جبل قاحل بوادي الأردن، تبدو الحظائر خالية، والمنازل مهجورة، والمسجد صامتًا. يقول سليمان، البالغ من العمر 34 عامًا، وهو يراقب المكان الذي عاشت فيه أسرته لأكثر من خمسة وأربعين عامًا من فوق تلة تبعد سبعة كيلومترات: “أحرقه المستوطنون”.
وكغيره من 25 عائلة بقيت حتى اللحظة الأخيرة، اضطر زعيم المجتمع إلى الرحيل في 3 يوليو الجاري.
في صباح ذلك اليوم، – تتابع “لوموند” – وبعد أسابيع من المواجهات اليومية، اقتحم نحو خمسين مما يُعرف بـ“شباب التلال”، وهم مستوطنون يهود متطرفون وعنيفون، يحمل بعضهم بنادق هجومية من طراز M-16 القرية. ووفقًا لسليمان، قام المهاجمون بـ“دهس” عدة أغنام بسياراتهم رباعية الدفع، وسرقوا حوالي ستين منها. ولإهانة السكان المحليين، تبول بعضهم أمام منازل البدو، وهددوهم: إما الرحيل أو القتل.
اضطر آخر من تبقّى من السكان إلى المغادرة، حاملين فقط بطاقات هويتهم، والقليل من النقود، وبعض الأثاث القابل للنقل. ومنذ ذلك الحين، لم يتمكن أي شخص من العودة لاستعادة بقية ممتلكاته. وتعرض كل من حاول الرجوع لإطلاق نار من قبل المستوطنين المتمركزين على التلال وداخل القرية، توضّح الصحيفة الفرنسية.
سياسة الافتراس
ومضت “لوموند” موضّحةً أن المجتمعات البدوية الواقعة على أطراف وادي الأردن تُعدّ الخط الأمامي لعملية الضم الزاحف للضفة الغربية التي يقودها مستوطنون متطرفون بدعم شبه رسمي من الائتلاف الحاكم في إسرائيل. فالخطة معروفة: إقامة بؤرة استيطانية زراعية قرب القرية وتحميها قوات الاحتلال، ثم يقوم المستوطنون برعي ماشيتهم في أراضي الفلسطينيين، ما يؤدي إلى سلسلة من الاستفزازات والعنف، فيُجبر السكان على مغادرة أراضيهم.
وتنقل “لوموند” عن حسن مليحات، مدير منظمة “البيدر” المعنية بحقوق البدو، قوله: “تُستخدم هذه الحيلة المسماة “مزرعة المستوطنين” ليظهر الأمر وكأنه مجرد نزاع محلي، وليس سياسة ممنهجة للاستيلاء على الأراضي”.
تُعد القرى البدوية، الواقعة وسط عدد من المستوطنات، بمثابة “عقبات” أمام إقامة “دولة المستوطنين” في المنطقة (ج)، التي تشكل %60 من الضفة الغربية وتخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة. ويضيف حسن مليحات: “ما يحدث الآن ليس إلا البداية”. ووفقًا لإحصاءات منظمة “البيدر”، تم إفراغ 64 موقعًا للبدو بالقوة في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر، منها 18 موقعًا في منطقة الحدود مع الأردن فقط، تُشير “لوموند”.
بعد 7 أكتوبر: تصعيد مفاجئ
بالنسبة للمعرجات، – تتابع “لوموند” – كما لباقي مناطق الضفة الغربية المحتلة، تغيّر كل شيء بعد المجزرة التي نفذتها “حماس” داخل إسرائيل. خلال أسابيع فقط، تحولت الشتائم التي يطلقها المستوطنون إلى اعتداءات جسدية. ففي أواخر عام 2023، تعرض معلم في مدرسة القرية لعدة هجمات بالحجارة أثناء قيادته لسيارته. ومع بداية عام 2024، اقتحم مستوطنون صفّه الدراسي أثناء الدرس، وهم يحملون العصي.
وعندما استنجد الطاقم التعليمي بالجيش الإسرائيلي، لم يُعتقل المعتدون، بل تم اعتقال المعلم. ومع تفاقم الوضع، بدأت العائلات باتخاذ تدابير احترازية: نقلوا الماشية إلى مناطق أخرى، ثم النساء والأطفال. أما نقل الأثاث الذي كان مقررًا كخطوة أخيرة، فلم يتم، إذ كان المستوطنون قد سيطروا على القرية.
محاولة بناء مستقبل جديد
تم تهجير العائلات إلى منطقة البلقاء، الأبعد قليلاً في الوادي، لكن معاناتهم لم تنتهِ بعد، توضّح “لوموند”، مُضيفةً أنهم يسكنون اليوم في خيام مؤقتة، لا تصلح للعيش في ظل درجات الحرارة المرتفعة. ويتناوب الرجال على الحراسة لمنع المستوطنين من الاقتراب. كما يراقبون تحركات قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، التي أخبرتهم أن الأرض التي أقاموا عليها تعود لمؤسسات دينية، وأن عليهم العودة إلى المعرجات، رغم المخاطر. تقول علياء مليحات (28 عامًا): “يبدو أنهم يفضلون أن نُقتل هناك، على أن نبقى هنا”.
ناشطة إسرائيلية: “عندما نكون موجودين، يكون المستوطنون أكثر حذراً وأقل عنفاً
علياء، – توضّح “لوموند” – وهي طالبة علاقات دولية في جامعة أريحا، اعتادت تصوير المواجهات مع المستوطنين لصالح منظمة “بتسيلم” الحقوقية الإسرائيلية. وتأسف لغياب الدعم الأمني والنفسي من السياسيين الفلسطينيين لأهالي القرية. رغم ذلك، تؤكد الشابة أنها لن ترحل. قرب الملجأ الخرساني الصغير الذي تعيش فيه مع عائلتها وابنها وبعض الدواجن، رسمت حدود منزلها المستقبلي. وعلى التلة الصخرية المجاورة، المُطلة على البحر الميت من بعيد، تطمح علياء لإعادة بناء مسجد المجتمع.
شكاوى بلا نتائج
في محيط المعرجات والبلقاء، – تتابع “لوموند” – تحاول مجتمعات بدوية أخرى الصمود. ففي رأس عين العوجا، وهي قرية مستهدفة من قبل المستوطنين، يحصل السكان على دعم من ناشطي منظمة إسرائيلية تُدعى “ميستاكليم”، أو “انظروا إلى الاحتلال في عينه”. هؤلاء الناشطون من اليسار الإسرائيلي يتناوبون على حراسة القرى ليلاً ونهارًا، لمنع الهجمات.
تروي سيدة منهم للصحيفة الفرنسية: “عندما نكون موجودين، يكون المستوطنون أكثر حذرًا وأقل عنفًا”. في صباح الأحد 20 يوليو، – تواصل “لوموند” – توجهت هذه السيدة، وهي ممرضة من تل أبيب، في الساعة الخامسة صباحًا إلى جبال أريحا لحراسة القرية، ومعها كاميرا صغيرة معلقة على سروالها. ومع ذلك، سُحبت الكاميرا بأمر من الشرطة الإسرائيلية. قبل أسبوعين، تم اعتقالها بزعم أنها “اعتدت” على أغنام المستوطنين بسيارتها. أما الشكاوى التي قدمها الناشطون بعد تعرضهم لهجمات بالحجارة، فتم إغلاقها دون متابعة.
وبحسب الصحافة الفلسطينية، في 18 يوليو، في شمال غور الأردن، قُتل 117 رأسًا من الأغنام طعنًا بالسكين وبالرصاص في سلسلة هجمات نفذها مستوطنون مسلحون، تُشير “لوموند”.
تحولت قرية المعرجات، وهي قرية تقع في الضفة الغربية، وكانت تضم 75 عائلة بدوية ترعى الأغنام منذ عقود، إلى قرية أشباح.
حسن مليحات: تُستخدم هذه الحيلة المسماة “مزرعة المستوطنين” ليظهر الأمر وكأنه مجرد نزاع محلي، وليس سياسة ممنهجة للاستيلاء على الأراضي
يوم الأحد 20 يوليو، وتحت شمس حارقة في سفح جبل قاحل بوادي الأردن، تبدو الحظائر خالية، والمنازل مهجورة، والمسجد صامتًا. يقول سليمان، البالغ من العمر 34 عامًا، وهو يراقب المكان الذي عاشت فيه أسرته لأكثر من خمسة وأربعين عامًا من فوق تلة تبعد سبعة كيلومترات: “أحرقه المستوطنون”.
وكغيره من 25 عائلة بقيت حتى اللحظة الأخيرة، اضطر زعيم المجتمع إلى الرحيل في 3 يوليو الجاري.
في صباح ذلك اليوم، – تتابع “لوموند” – وبعد أسابيع من المواجهات اليومية، اقتحم نحو خمسين مما يُعرف بـ“شباب التلال”، وهم مستوطنون يهود متطرفون وعنيفون، يحمل بعضهم بنادق هجومية من طراز M-16 القرية. ووفقًا لسليمان، قام المهاجمون بـ“دهس” عدة أغنام بسياراتهم رباعية الدفع، وسرقوا حوالي ستين منها. ولإهانة السكان المحليين، تبول بعضهم أمام منازل البدو، وهددوهم: إما الرحيل أو القتل.
اضطر آخر من تبقّى من السكان إلى المغادرة، حاملين فقط بطاقات هويتهم، والقليل من النقود، وبعض الأثاث القابل للنقل. ومنذ ذلك الحين، لم يتمكن أي شخص من العودة لاستعادة بقية ممتلكاته. وتعرض كل من حاول الرجوع لإطلاق نار من قبل المستوطنين المتمركزين على التلال وداخل القرية، توضّح الصحيفة الفرنسية.
سياسة الافتراس
ومضت “لوموند” موضّحةً أن المجتمعات البدوية الواقعة على أطراف وادي الأردن تُعدّ الخط الأمامي لعملية الضم الزاحف للضفة الغربية التي يقودها مستوطنون متطرفون بدعم شبه رسمي من الائتلاف الحاكم في إسرائيل. فالخطة معروفة: إقامة بؤرة استيطانية زراعية قرب القرية وتحميها قوات الاحتلال، ثم يقوم المستوطنون برعي ماشيتهم في أراضي الفلسطينيين، ما يؤدي إلى سلسلة من الاستفزازات والعنف، فيُجبر السكان على مغادرة أراضيهم.
وتنقل “لوموند” عن حسن مليحات، مدير منظمة “البيدر” المعنية بحقوق البدو، قوله: “تُستخدم هذه الحيلة المسماة “مزرعة المستوطنين” ليظهر الأمر وكأنه مجرد نزاع محلي، وليس سياسة ممنهجة للاستيلاء على الأراضي”.
تُعد القرى البدوية، الواقعة وسط عدد من المستوطنات، بمثابة “عقبات” أمام إقامة “دولة المستوطنين” في المنطقة (ج)، التي تشكل %60 من الضفة الغربية وتخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة. ويضيف حسن مليحات: “ما يحدث الآن ليس إلا البداية”. ووفقًا لإحصاءات منظمة “البيدر”، تم إفراغ 64 موقعًا للبدو بالقوة في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر، منها 18 موقعًا في منطقة الحدود مع الأردن فقط، تُشير “لوموند”.
بعد 7 أكتوبر: تصعيد مفاجئ
بالنسبة للمعرجات، – تتابع “لوموند” – كما لباقي مناطق الضفة الغربية المحتلة، تغيّر كل شيء بعد المجزرة التي نفذتها “حماس” داخل إسرائيل. خلال أسابيع فقط، تحولت الشتائم التي يطلقها المستوطنون إلى اعتداءات جسدية. ففي أواخر عام 2023، تعرض معلم في مدرسة القرية لعدة هجمات بالحجارة أثناء قيادته لسيارته. ومع بداية عام 2024، اقتحم مستوطنون صفّه الدراسي أثناء الدرس، وهم يحملون العصي.
وعندما استنجد الطاقم التعليمي بالجيش الإسرائيلي، لم يُعتقل المعتدون، بل تم اعتقال المعلم. ومع تفاقم الوضع، بدأت العائلات باتخاذ تدابير احترازية: نقلوا الماشية إلى مناطق أخرى، ثم النساء والأطفال. أما نقل الأثاث الذي كان مقررًا كخطوة أخيرة، فلم يتم، إذ كان المستوطنون قد سيطروا على القرية.
محاولة بناء مستقبل جديد
تم تهجير العائلات إلى منطقة البلقاء، الأبعد قليلاً في الوادي، لكن معاناتهم لم تنتهِ بعد، توضّح “لوموند”، مُضيفةً أنهم يسكنون اليوم في خيام مؤقتة، لا تصلح للعيش في ظل درجات الحرارة المرتفعة. ويتناوب الرجال على الحراسة لمنع المستوطنين من الاقتراب. كما يراقبون تحركات قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، التي أخبرتهم أن الأرض التي أقاموا عليها تعود لمؤسسات دينية، وأن عليهم العودة إلى المعرجات، رغم المخاطر. تقول علياء مليحات (28 عامًا): “يبدو أنهم يفضلون أن نُقتل هناك، على أن نبقى هنا”.
ناشطة إسرائيلية: “عندما نكون موجودين، يكون المستوطنون أكثر حذراً وأقل عنفاً
علياء، – توضّح “لوموند” – وهي طالبة علاقات دولية في جامعة أريحا، اعتادت تصوير المواجهات مع المستوطنين لصالح منظمة “بتسيلم” الحقوقية الإسرائيلية. وتأسف لغياب الدعم الأمني والنفسي من السياسيين الفلسطينيين لأهالي القرية. رغم ذلك، تؤكد الشابة أنها لن ترحل. قرب الملجأ الخرساني الصغير الذي تعيش فيه مع عائلتها وابنها وبعض الدواجن، رسمت حدود منزلها المستقبلي. وعلى التلة الصخرية المجاورة، المُطلة على البحر الميت من بعيد، تطمح علياء لإعادة بناء مسجد المجتمع.
شكاوى بلا نتائج
في محيط المعرجات والبلقاء، – تتابع “لوموند” – تحاول مجتمعات بدوية أخرى الصمود. ففي رأس عين العوجا، وهي قرية مستهدفة من قبل المستوطنين، يحصل السكان على دعم من ناشطي منظمة إسرائيلية تُدعى “ميستاكليم”، أو “انظروا إلى الاحتلال في عينه”. هؤلاء الناشطون من اليسار الإسرائيلي يتناوبون على حراسة القرى ليلاً ونهارًا، لمنع الهجمات.
تروي سيدة منهم للصحيفة الفرنسية: “عندما نكون موجودين، يكون المستوطنون أكثر حذرًا وأقل عنفًا”. في صباح الأحد 20 يوليو، – تواصل “لوموند” – توجهت هذه السيدة، وهي ممرضة من تل أبيب، في الساعة الخامسة صباحًا إلى جبال أريحا لحراسة القرية، ومعها كاميرا صغيرة معلقة على سروالها. ومع ذلك، سُحبت الكاميرا بأمر من الشرطة الإسرائيلية. قبل أسبوعين، تم اعتقالها بزعم أنها “اعتدت” على أغنام المستوطنين بسيارتها. أما الشكاوى التي قدمها الناشطون بعد تعرضهم لهجمات بالحجارة، فتم إغلاقها دون متابعة.
وبحسب الصحافة الفلسطينية، في 18 يوليو، في شمال غور الأردن، قُتل 117 رأسًا من الأغنام طعنًا بالسكين وبالرصاص في سلسلة هجمات نفذها مستوطنون مسلحون، تُشير “لوموند”.