اتصل بنا
 

الجوع كسلاح حرب

كاتب صحافي

نيسان ـ نشر في 2025-07-24 الساعة 09:06

نيسان ـ يجلس طفلٌ في حضن أمّه وقد انكمشت بطنه إلى الداخل كأنّ الهواء نفسه تخلّى عنه. سوادُ عينيه يشبه ليل غزّة حين تُطفأ المولّدات ويصير القصف هو الضوء الوحيد. لا هو قادرٌ على البكاء من شدّة الإرهاق، ولا أمُّه قادرةٌ على الغناء كي تُنسيه صرير الجوع. في الأزقّة تتحوّل كسرةُ الخبز إلى كنزٍ يُقاتَل عليه، وتغدو رائحة الطهو البعيد مجرّد ذاكرةٍ تُثير الدوار. هذا المشهد لم يعد استثناءً؛ إنّه الصورة اليومية لقطاعٍ يُحاصَر بخطّةٍ معلَنة: اتركهم يضعفون، لعلّهم يرفعون الراية البيضاء.
الضمير العالمي ، يبدو كمسافرٍ ضلّ الطريق بين شاشات الأخبار وبين قاعات المؤتمرات؛ يسمع الصرخات ثم يضبط مكبّر الصوت على وضع «كتم». بيانات الاستنكار تُكتب بلغةٍ باردة، تُوزَّع في نشراتٍ أنيقة، ثم تُنسى حين يصل أول بريدٍ إلكتروني عن مكسبٍ جديدٍ في سوق السلاح. كلّما انحنى طفلٌ فوق ترابٍ يفتّش عن حبة قمحٍ سقطت من شاحنةٍ محروقة، ينحني معه ما تبقّى من إنسانيتنا، ولكن العالم يقف منتصب القامة كأنّ الانكسار لا يعنيه.
ما يفعله هذا الكيان ليس «أضرارًا جانبيّة» كما يُقال في نشرات العسكر؛ بل هو استخدام الجوع كأسلوب حرب: إغلاق المعابر، قصف المخازن، ومطاردة من يحاولون الوصول إلى المساعدات. ثم يبرّر الفعلَ بأنّ الطرف المُحاصَر هو السبب في معاناته! من جهةٍ أخرى، ترفع منظماتٌ قضائيةٌ دولية أصابع الاتهام، لكن الأصابع وحدها لا تفتح بوابةً واحدةً لعبور الدواء والطعام.
وفي الوقت الذي يذوب فيه لحم الصغار أمام أعين آبائهم، يواصل «الكيان» عرضَ قوّته كأنّ حشر الشعب في زاوية العطش والجوع بطولة عسكرية. أمّا نحن، سكان هذا الكوكب، فما زلنا نختبر حدود الصمت: إلى أي مدى يمكن أن نشاهد طفلًا يذبل ثم نتحدّث عن «توازن المصالح»؟
ليس هناك ترفُ الحياد في مواجهة المعدة الخاوية. واجبُنا أن نقلب هذا الصمت إلى صراخ: افتحوا الطرق، ارفعوا القيود، اوقفوا القصف. فالحياة حقٌّ لا يُعطَى بترخيص، والجوع جريمةٌ لا يليق بها التعليق البيروقراطي. إنْ سكتنا الآن، فلن يبقى سوى ضحكة طفلٍ كانت ممكنة واختنقت؛ وحينها سنكتشف أنّ الضحية الأخيرة كانت ضميرنا نحن.

نيسان ـ نشر في 2025-07-24 الساعة 09:06


رأي: كامل نصيرات كاتب صحافي

الكلمات الأكثر بحثاً