وطن الطحين
نيسان ـ الدستور ـ نشر في 2025-08-02 الساعة 10:06
نيسان ـ خلود الواكد
الشيء الدائري الذي تدفع البشرية ثمنه من دمها وكرامتها، هذا الشيء الذي يدعى رغيف، القمح الذي طحن وسحق ليصير طحيناً ثم رغيفاً، أي حكاية وطن هذه التي يرويها رغيف، وقد لا يكون رغيفاً طازجاً، بل رغيفاً مضى أيام على خبزه. وقد يكون جافًا قاسيًا يصلح ليكون قوت لكائنات الأرض أو السماء.
إذن الحكاية ليست إن كان طازجاً أو لا، بل كل الحكاية أنه رغيف خبز وحسب، قوت الضعفاء ومسلوبي الحقوق والأوطان، لعل تاريخ الخبز يعود لحضارات بعيدة في عمق التاريخ، كما ذكره القرآن الكريم في قصة يوسف عليه السلام، في حلم الفتى المسجون مع يوسف، وكأننا اليوم نفسر هذه الرؤيا. هذا الشعب يُعذب ويُصلب ويُعلق على مقصلة الجوع، وتأكل الطيور أجساد الموتى الذين لم يجدوا قبوراً تستر أجسادهم بعد أن عراها الجوع.
قداسة الخبز لم تتغير عبر الأزمنة، وحضوره على موائد الأغنياء والفقراء على حد سواء، حضور الحياة في الأرض، إن غاب غابت الحكايات والتاريخ والحضارات. قيل «أكرموا الخبز، فإن الله عز وجل أنزله من بركات السماء وأخرجه من بركات الأرض.» واليوم لم يعد ينزل من السماء ولا يخرج من زرع الأرض، اليوم ينتظره الجوعى كمعجزة إلهية. لن تنزل المائدة من السماء التي طلبها الحواريون من عيسى عليه السلام، انتهى زمن المعجزات، والحواريون الذين صاموا ثلاثين يوماً أكرمهم الله بمائدته، واليوم ما من مائدة، أحلامُ الجياع برغيف خبز مائدةٌ باتت من المعجزات البائدة.
في أرض اللبن والعسل، لم يكن العذاب من أجل الحصول عليهما، بل كان من أجل الرغيف، في زمن الحروب الراية الوحيدة التي تستحق أن نحارب من أجل أن نرفعها يجب أن تكون مصنوعة من كيس طحين، راية بيضاء، لا راية استسلام بل راية حياة.
«إنا نحب الورد لكنا نحب الخبز أكثر.. ونحب عطر الورد لكن السنابل منه أطهر.»
لعل محمود درويش يرى أن الخبز له قيمة أسمى من الورد، وأن الحياة تأخذ صورة واحدة هي الرغيف. الخبز كالأم والوطن والمطر والحياة.
يُقال في بعض الكتب أن الفراعنة أول من صنعوا الخميرة لتهيئة الخبز، وكأنّ التاريخ يُخبرنا أننا وطن الرغيف وأهله الأصليون، وأننا أولى البشر في الموت من أجل الحصول عليه، فهو رمز الحياة والبقاء.
إن كانتْ حرب الجوع تلك التي نعيشها اليوم، فإننا جوعى منذ زمن بعيد من دون أن ندرك. الجوع ليس فراغ البطون، بل ألا نمتلئ حريةً وكرامة.
الجوع هو غياب الخبز، لا غياب اللبن والعسل أو غياب الأفوكادو، «الحقيقة، بعض البشر يحبون الأفوكادو كثيراً، لكنهم لا يفتقدون في الحروب شيئاً مثلما يفتقدون ربطة الخبز، أليست هذه واحدة من المفارقات؟! الغريب أنني لم أرَ إنساناً يمكن أن يضحي بحياته للحصول على حبة أفوكادو، ولكنه يضحي بها بسهولة من أجل هذه الدائرة الصغيرة التي تسمّى الرغيف، إنه يغادر مربعه الآمن من أجل الحصول عليها ولو كان الثمن حياته. هل رأيتهم كيف يتدافعون إلى الأفران؟» ما جاء في كتاب مأساة كاتب القصة القصيرة لإبراهيم نصر الله، حقيقة الصراع من أجل الرغيف.
أصبحنا في زمن نكتب عن الطحين. لم يعد الحب والعشق والورد يغوينا لنكتب. دموع الجياع وأصوات بطونهم الخاوية كبئرٍ قفر، كافية ليس لأن نكتب، بل لأن نخجل من كلماتنا؛ كلمات لا تغني ولا تسمن من جوع، لذا لم تعد الأقلام مطواعة: حتى هي طالها الجوع.
الشيء الدائري الذي تدفع البشرية ثمنه من دمها وكرامتها، هذا الشيء الذي يدعى رغيف، القمح الذي طحن وسحق ليصير طحيناً ثم رغيفاً، أي حكاية وطن هذه التي يرويها رغيف، وقد لا يكون رغيفاً طازجاً، بل رغيفاً مضى أيام على خبزه. وقد يكون جافًا قاسيًا يصلح ليكون قوت لكائنات الأرض أو السماء.
إذن الحكاية ليست إن كان طازجاً أو لا، بل كل الحكاية أنه رغيف خبز وحسب، قوت الضعفاء ومسلوبي الحقوق والأوطان، لعل تاريخ الخبز يعود لحضارات بعيدة في عمق التاريخ، كما ذكره القرآن الكريم في قصة يوسف عليه السلام، في حلم الفتى المسجون مع يوسف، وكأننا اليوم نفسر هذه الرؤيا. هذا الشعب يُعذب ويُصلب ويُعلق على مقصلة الجوع، وتأكل الطيور أجساد الموتى الذين لم يجدوا قبوراً تستر أجسادهم بعد أن عراها الجوع.
قداسة الخبز لم تتغير عبر الأزمنة، وحضوره على موائد الأغنياء والفقراء على حد سواء، حضور الحياة في الأرض، إن غاب غابت الحكايات والتاريخ والحضارات. قيل «أكرموا الخبز، فإن الله عز وجل أنزله من بركات السماء وأخرجه من بركات الأرض.» واليوم لم يعد ينزل من السماء ولا يخرج من زرع الأرض، اليوم ينتظره الجوعى كمعجزة إلهية. لن تنزل المائدة من السماء التي طلبها الحواريون من عيسى عليه السلام، انتهى زمن المعجزات، والحواريون الذين صاموا ثلاثين يوماً أكرمهم الله بمائدته، واليوم ما من مائدة، أحلامُ الجياع برغيف خبز مائدةٌ باتت من المعجزات البائدة.
في أرض اللبن والعسل، لم يكن العذاب من أجل الحصول عليهما، بل كان من أجل الرغيف، في زمن الحروب الراية الوحيدة التي تستحق أن نحارب من أجل أن نرفعها يجب أن تكون مصنوعة من كيس طحين، راية بيضاء، لا راية استسلام بل راية حياة.
«إنا نحب الورد لكنا نحب الخبز أكثر.. ونحب عطر الورد لكن السنابل منه أطهر.»
لعل محمود درويش يرى أن الخبز له قيمة أسمى من الورد، وأن الحياة تأخذ صورة واحدة هي الرغيف. الخبز كالأم والوطن والمطر والحياة.
يُقال في بعض الكتب أن الفراعنة أول من صنعوا الخميرة لتهيئة الخبز، وكأنّ التاريخ يُخبرنا أننا وطن الرغيف وأهله الأصليون، وأننا أولى البشر في الموت من أجل الحصول عليه، فهو رمز الحياة والبقاء.
إن كانتْ حرب الجوع تلك التي نعيشها اليوم، فإننا جوعى منذ زمن بعيد من دون أن ندرك. الجوع ليس فراغ البطون، بل ألا نمتلئ حريةً وكرامة.
الجوع هو غياب الخبز، لا غياب اللبن والعسل أو غياب الأفوكادو، «الحقيقة، بعض البشر يحبون الأفوكادو كثيراً، لكنهم لا يفتقدون في الحروب شيئاً مثلما يفتقدون ربطة الخبز، أليست هذه واحدة من المفارقات؟! الغريب أنني لم أرَ إنساناً يمكن أن يضحي بحياته للحصول على حبة أفوكادو، ولكنه يضحي بها بسهولة من أجل هذه الدائرة الصغيرة التي تسمّى الرغيف، إنه يغادر مربعه الآمن من أجل الحصول عليها ولو كان الثمن حياته. هل رأيتهم كيف يتدافعون إلى الأفران؟» ما جاء في كتاب مأساة كاتب القصة القصيرة لإبراهيم نصر الله، حقيقة الصراع من أجل الرغيف.
أصبحنا في زمن نكتب عن الطحين. لم يعد الحب والعشق والورد يغوينا لنكتب. دموع الجياع وأصوات بطونهم الخاوية كبئرٍ قفر، كافية ليس لأن نكتب، بل لأن نخجل من كلماتنا؛ كلمات لا تغني ولا تسمن من جوع، لذا لم تعد الأقلام مطواعة: حتى هي طالها الجوع.


