ما بين مؤتمرٍ وآخر...
محمد المحيسن
كاتب وصحافي أردني
نيسان ـ نشر في 2025-08-03 الساعة 07:28
نيسان ـ لا يكاد يمر اسبوع دون أن نسمع عن مؤتمر هنا، أو ندوة هناك، فما إن يسدل الستار على هذا حتى يفتح الستار على ذاك. وكما قال أحد الأصدقاء خفيفي الظل: "بين المؤتمر والمؤتمر مؤتمر... وبين الندوة والأخرى ندوة أو ورشة عمل"
وعلى هامش هذه المناسبات المستنسخة والمجترة المتناسلة، ترفرف أوراق البرامج، وتلقى خطب مطنبة، وتدار جلسات عصف ذهني، وعصف فكري، وعصف لا نعلم إن كان سيجعل غبارنا الفكري أكثر وضوحًا أو مجرد غبار يضاف إلى ركام الحلم العربي بالانعتاق والتحرر.
لا اريد ان أكون متشائما، ولكن التجارب التي عايشنها خلال عشرات من السنوات الماضية كفيلة بان لا نثق باي مؤتمر او ندوة او حتى تصريح يخرج الأمم المتحدة، التي باتت كالحاضر الغائب ومجرد أداة للتعبير عن القلق.
فهل يخرج مؤتمر حل الدولتين والسلام في الأمم المتحدة الذي انتهت اعمال فبل أيام عن سياق القلق الى سياق اخر يؤدي بالفعل الى رفع الظلم والقهر عن شعب يتعرض لإبادة منذ ثمانية عقود.
اللافت هذه الأيام أن اسم غزة والضفة والدولة الفلسطينية المستقلة عادت من جديد ليتصدر عناوين المؤتمرات كما كان دائما. لكن الفرق أن غزة اليوم لا تحترق فقط بل تمحى. أكثر من 70 ألف شهيد، عشرات الآلاف من الجرحى، مدن تقصف حتى اُصبح مجرد أسماء، فيما جثث الشهداء تنتشل من تحت الركام كأنها تفاصيل هامشية.
وسط هذه الكارثة، يعود البعض لينظم مؤتمرات لنصرة غزة، أو للتضامن مع فلسطين، أو للاحتفال "بالاعترافات الدولية" الأخيرة بدولة فلسطين. ومع كامل الاحترام لصدق مشاعر البعض، إلا أن الواقع يقول إن كل تلك المؤتمرات غالبًا ما تنتهي بلا شيء، لا وقف عدوان، ولا فتح معبر، ولا حتى مستشفى ميداني ولا ادخال مساعدات مجرد وعود باقامة دولة مقابل تسليم السلاح.
المئات من المشاريع، والآلاف من التوصيات، ورؤى واستراتيجيات لا تصل حتى إلى الصحف، وإن وصلت، فيبقى تنفيذها محكومًا عليه بالموت السريري في لحظة الميلاد.
ومع كل هذا، لا يزال الوطن العربي ينفق الملايين على مؤتمرات لا تتجاوز صدى جدران الفندق الذي عقدت فيه. لولا الصخب الإعلامي المصاحب لما علمنا بوجودها.
المؤتمرات التي عقدت باسم فلسطين منذ عقود، ماذا بقي من أثرها؟ كم قرارًا صدر؟ كم وعدًا أُطلق؟ وكم منها ترجم إلى فعل؟ الجواب واضح: غزة وحدها ظلت تدفع الثمن، دمارًا ومجازر وتهجيرًا.
ومع ذلك، لا تزال المؤتمرات تنعقد، والمنصات ، والسجاد الأحمر يُفرش، لاصحاب الياقات البيضاء والكلمات تُلقيها وجوه نعرفها أكثر من وجوه أبطالنا الشهداء. وفي النهاية، قرارات مسطرة بحبر لا يقاوم أول موجة تعنت الصهيوني قرارات تضيع فور مغادرة القاعة.
لهذا السبب يتمادى الاحتلال اجتياحاته للأرض والتاريخ بل وكبريائنا القومي، لأنه أصبح يعرف بدقة منسوب ردود الأفعال، ويعرف جيداً الثمن الذي يدفعه. ردود الأفعال محفوظة عن ظهر دبابة لا عن ظهر قلب.
يقول أحد المواطنين العرب: "ما يثير السخرية أن كل مؤتمر يحمل اسم القدس أو فلسطين أو سوريا، لكنك تعلم مسبقًا أن قراراته لا تتجاوز الورق. تسميات كبرى لنتائج صغرى".
ويُضيف آخر: "أليس من المضحك المبكي أن بعض المؤتمرات العربية تتفاخر بأنها 'جددت الالتزام بالقضية الفلسطينية' وكأننا بحاجة إلى تجديد نية؟ أليس الدم كافيًا؟".
اليوم، بعد أن اعترفت دول أوروبية كإسبانيا وإيرلندا بدولة فلسطين، وبينما يتزايد الدعم الشعبي العالمي، تُطرح الأسئلة الصعبة:
هل سيبقى دورنا الرسمي محصورًا في اللجان والتحضيرات والبيانات الختامية. ام الى صحوة تلغي كل ما سبق.
ما تحتاجه غزة ليس مؤتمرًا جديدًا، بل ضميرًا عربيًا قديمًا، ضمير لم يداخله الصدأ، ولا يقاس بعدد الخطب، بل بعدد الأفعال.
وعلى هامش هذه المناسبات المستنسخة والمجترة المتناسلة، ترفرف أوراق البرامج، وتلقى خطب مطنبة، وتدار جلسات عصف ذهني، وعصف فكري، وعصف لا نعلم إن كان سيجعل غبارنا الفكري أكثر وضوحًا أو مجرد غبار يضاف إلى ركام الحلم العربي بالانعتاق والتحرر.
لا اريد ان أكون متشائما، ولكن التجارب التي عايشنها خلال عشرات من السنوات الماضية كفيلة بان لا نثق باي مؤتمر او ندوة او حتى تصريح يخرج الأمم المتحدة، التي باتت كالحاضر الغائب ومجرد أداة للتعبير عن القلق.
فهل يخرج مؤتمر حل الدولتين والسلام في الأمم المتحدة الذي انتهت اعمال فبل أيام عن سياق القلق الى سياق اخر يؤدي بالفعل الى رفع الظلم والقهر عن شعب يتعرض لإبادة منذ ثمانية عقود.
اللافت هذه الأيام أن اسم غزة والضفة والدولة الفلسطينية المستقلة عادت من جديد ليتصدر عناوين المؤتمرات كما كان دائما. لكن الفرق أن غزة اليوم لا تحترق فقط بل تمحى. أكثر من 70 ألف شهيد، عشرات الآلاف من الجرحى، مدن تقصف حتى اُصبح مجرد أسماء، فيما جثث الشهداء تنتشل من تحت الركام كأنها تفاصيل هامشية.
وسط هذه الكارثة، يعود البعض لينظم مؤتمرات لنصرة غزة، أو للتضامن مع فلسطين، أو للاحتفال "بالاعترافات الدولية" الأخيرة بدولة فلسطين. ومع كامل الاحترام لصدق مشاعر البعض، إلا أن الواقع يقول إن كل تلك المؤتمرات غالبًا ما تنتهي بلا شيء، لا وقف عدوان، ولا فتح معبر، ولا حتى مستشفى ميداني ولا ادخال مساعدات مجرد وعود باقامة دولة مقابل تسليم السلاح.
المئات من المشاريع، والآلاف من التوصيات، ورؤى واستراتيجيات لا تصل حتى إلى الصحف، وإن وصلت، فيبقى تنفيذها محكومًا عليه بالموت السريري في لحظة الميلاد.
ومع كل هذا، لا يزال الوطن العربي ينفق الملايين على مؤتمرات لا تتجاوز صدى جدران الفندق الذي عقدت فيه. لولا الصخب الإعلامي المصاحب لما علمنا بوجودها.
المؤتمرات التي عقدت باسم فلسطين منذ عقود، ماذا بقي من أثرها؟ كم قرارًا صدر؟ كم وعدًا أُطلق؟ وكم منها ترجم إلى فعل؟ الجواب واضح: غزة وحدها ظلت تدفع الثمن، دمارًا ومجازر وتهجيرًا.
ومع ذلك، لا تزال المؤتمرات تنعقد، والمنصات ، والسجاد الأحمر يُفرش، لاصحاب الياقات البيضاء والكلمات تُلقيها وجوه نعرفها أكثر من وجوه أبطالنا الشهداء. وفي النهاية، قرارات مسطرة بحبر لا يقاوم أول موجة تعنت الصهيوني قرارات تضيع فور مغادرة القاعة.
لهذا السبب يتمادى الاحتلال اجتياحاته للأرض والتاريخ بل وكبريائنا القومي، لأنه أصبح يعرف بدقة منسوب ردود الأفعال، ويعرف جيداً الثمن الذي يدفعه. ردود الأفعال محفوظة عن ظهر دبابة لا عن ظهر قلب.
يقول أحد المواطنين العرب: "ما يثير السخرية أن كل مؤتمر يحمل اسم القدس أو فلسطين أو سوريا، لكنك تعلم مسبقًا أن قراراته لا تتجاوز الورق. تسميات كبرى لنتائج صغرى".
ويُضيف آخر: "أليس من المضحك المبكي أن بعض المؤتمرات العربية تتفاخر بأنها 'جددت الالتزام بالقضية الفلسطينية' وكأننا بحاجة إلى تجديد نية؟ أليس الدم كافيًا؟".
اليوم، بعد أن اعترفت دول أوروبية كإسبانيا وإيرلندا بدولة فلسطين، وبينما يتزايد الدعم الشعبي العالمي، تُطرح الأسئلة الصعبة:
هل سيبقى دورنا الرسمي محصورًا في اللجان والتحضيرات والبيانات الختامية. ام الى صحوة تلغي كل ما سبق.
ما تحتاجه غزة ليس مؤتمرًا جديدًا، بل ضميرًا عربيًا قديمًا، ضمير لم يداخله الصدأ، ولا يقاس بعدد الخطب، بل بعدد الأفعال.
نيسان ـ نشر في 2025-08-03 الساعة 07:28
رأي: محمد المحيسن كاتب وصحافي أردني


