اتصل بنا
 

مزاج رسمي حاد ومنفعل وتقليص مساحة 'الحريات العامة'

كاتب اردني

تحت غطاء «القانون وتطبيقاته» لخدمة «تحولات غامضة إقليمياً»

نيسان ـ نشر في 2025-08-09 الساعة 09:50

نيسان ـ المزاج الرسمي الحاد والمنفعل تحت غطاء “القانون وتطبيقاته” يخدم “وظيفة سياسية ما” في المشهد الأردني هذه الأيام، مع أن القوى المتفاعلة في عمق المشهد الحزبي والمدني العام لم تعثر بعد على “تفسير مباشر” يجيب عن السؤال التالي: ما هي مبررات “تقليص” مساحة “الحريات العامة” ولاحقاً “الخشونة” البيروقراطية؟
ما دامت الحكومة غير معنية حتى بعد تعديلها الوزاري الأخير بملف الانفتاح السياسي والديمقراطي، فلا يمكن توفير “إجابة شافية” على سؤال عالق وازداد طرحه في مرحلة ما بعد قرارات “الحظر” التي طالت بعض القوى الحزبية الأساسية ضمن تعبيرات الإسلام السياسي.
غالبية المؤشرات ترجح الآن بأن “الدولة الأردنية” لا تستطيع الاحتفاظ بمساحة “الدلال” التي كانت تحظى بها التعبيرات الإسلامية والنقابية والحرياتية والحزبية في مرحلة صعبة ومعقدة ينمو ويزحف فيها “نطاق عربي وإقليمي” وأحياناً دولي، باتجاه كلاسيكيات الضبط والسيطرة.
الشارع الأردني له مساحاته وتقاليده، وأحياناً مكتسباته. والبقاء في مناخ الانفتاح السياسي التداولي الآمن -برأي المحلل السياسي الدكتور رامي عياصرة، كما سمعته “القدس العربي”- يخدم معادلات الاستقرار العام وتستفيد منه كل الأطراف.
لكن دوائر القرار الرسمي، في المقابل، لديها “واقع داخلي اقتصادي” مرصود أولاً، وقراءة عميقة للتحولات في الإقليم والمنطقة والعالم ثانياً، فيما الانطباع البيروقراطي يؤشر إلى اختلاف وتباين مرحلي ليس في “الأولويات” ولكن في منظومة ترتيبها وسبل النجاة الوطنية ولاحقاً في تقنيات تحقيق الأهداف.
ومع أن الحكومة الحالية لا تتحدث كثيراً مع شعبها في “الملفات السياسية الكبرى”، يمكن رصد رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان في حالة نادرة قبل نحو أكثر من أسبوعين يتحدث فيها بعنوان “ثمة تحولات كبيرة تجري حولنا”.
حسان تفاعل بطريقته ووفقاً لفهم الحكومة في تعديله الوزاري الأخير؛ فحافظ على نخبة تكنوقراط وأجرى مناقلات على أساسها، ووقف مجدداً عند التحديث الاقتصادي كأولوية وتجاهل ملف التحديث السياسي الذي يرى المراقبون أنه لم يعد حكومياً ويعبر فوق السلطة الحكومية في إطار التحضير لمرحلة “التحولات المتوقعة”.
الحكومة لا تتحدث إطلاقاً للجمهور عن “تلك التحولات”. والنخب السياسية تواصل قراءة “عودة المزاج الحاد” وأحياناً “الرسائل الخشنة” من السلطة في أكثر من جهة وتعبير ومساحة، على أساس “معلومات ومعطيات” وشبكة مصالح تحتفظ بها المؤسسات الرسمية والسيادية، وإن كان العياصرة -مثل غيره من نشطاء الواقع السياسي- يفضل “مصارحات شاملة” تقود إلى “حوارات أشمل” للتوافق على “العبور من المرحلة الصعبة أو المعقدة”.
الاقتصاد الوطني في “أزمة مالية”، لكنه عبر بصورة متعافية من سلسلة “كمائن” لا يستهان بها، وما تقول السلطات في الغرف المغلقة إن الحكومة بصدده هو “احتواء أزمات الإقليم والمشهد الفلسطيني تحديداً” قدر الإمكان، وبالنتيجة تقليل الخسائر والبحث عن مكاسب تحافظ على المكتسبات والثوابت الأردنية مع تسجيل “انحناءة مرنة” للتحولات القاسية.
يشرح الرسميون خلف الستائر: اليمين الاسرائيلي يفرض تحديات ضخمة، والإدارة الأمريكية الحالية “ليست صديقة” أو لا يمكن توقعها، والدول العربية “الحليفة” بدأت بالتوافق مع الأوروبيين على مشروع متكامل قوامه “التخلص من فصائل المقاومة الفلسطينية” وإعادة إنتاج الشرعية الفلسطينية، والنظام الرسمي العربي لم يعد في حالة يمكنه من خلالها التلاقي في منطقة وسط مع تعبيرات الإسلام السياسي، لا بل يريد التخلص منها.
الدلال الأردني للإسلاميين أو لغيرهم لم يعد يستطيع التعايش بعد الآن مع الاتجاهات العربية والإقليمية والدولية التي تعيد “رسم المنطقة”.
تلك شروحات سمعتها “القدس العربي” في الأروقة الرسمية، والفكرة أن المعطيات التي تسبق “التحولات” التي يتحدث عنها حسان وغيره من كبار المسؤولين واضحة لـ “مركز القرار” وليست من الصنف الذي يمكن تجاوزه أو تجاهله بـ “تكتيكات الماضي”، لأن “ترتيبات مقبلة” لن تكون من الصنف الذي يمكن لأي دولة عاقلة مناكفته أو تحمل كلفة الاصطدام به.
وعليه، يصبح السؤال: هل يتزايد المزاج البيروقراطي والحرياتي والسياسي حدية بسبب مثل تلك القراءة لظروف المنطقة؟
الجواب قد يصبح واضحاً، وأساسه أن التفاعل مع “أي ترتيبات” مقبلة أو الانحناء لأي عواصف في الجوار واجب، ووظيفة الدولة وليس قوى المجتمع المدني، وإن كان الحوار على أساس المؤسسة وثوابتها والظروف الصعبة ممكناً على أساس “الشراكة مع الدولة والوطن” وهي عبارة سمعتها “القدس العربي” من أحد “كبار المعارضين الإسلاميين مؤخراً”.
الإطار العام للتحسبات الإقليمية المتوترة لا تحتمل فيما يبدو- حتى الآن على الأقل- الاحتفاظ بجرعات الماضي في كلاسيكيات التجربة الديموقراطية أو الانتخابية أو البرلمانية الأردنية، لكنها قد لا تحتمل أيضاً المجازفة بخطاب “شراكة”، خصوصاً مع قوى تصنفها أجهزة الاستشعار الرسمي بأنها “خارج الطاعة” أو يمكن أن تصبح كذلك في أي وقت.
والأرجح أن قراءات “المتغير” المشار إليها هي التي تدفع باتجاه عودة أسطوانات “السيطرة على كل إيقاعات الداخل” وتنتج في النتيجة بعض مؤشرات الخشونة التي يسأل ويستفسر عنها جميع اللاعبين داخلياً حالياً دون التسليم بعدم وجود “أفراد” في المؤسسة الرسمية يبالغون بدورهم في الاستخدام “المتعسف” لصلاحياتهم في جذور حالة التأزيم وبصيغة يجب على الحكومة ودوائر القرار الانتباه لها بسبب نتائجها الحساسة على فوضى نقاشات الولاء والانتماء، وبسبب “المتغير المفترض”، لذا برز قرار الحظر فطال أهم تعبيرات الإسلام السياسي، ثم سحب شرعية نقابة المعلمين، وهي أضخم نقابات البلاد، وتم حل البلديات، ولاحقاً توسعت اعتقالات وتوقيفات ومحاكمات في مجال العمل الدعوي الإسلامي، وقد تبرز الحاجة إلى “تغيير ما” في خلطة وتركيبة “التحديث السياسي”.
في الأثناء، استعمل بتوسع قانون الجرائم الإلكترونية، وبدأت الحكومة تلوح بـ “المجلس الأعلى للإعلام”، ودخلت نقابة الصحافيين على خط إبلاغ النيابة عن “منتحلي صفة الصحافي” عبر منصات التواصل الاجتماعي، فيما استرسلت الدوائر المختصة بقرارات “حظر النشر” وبتعاميم “الإذن المسبق” قبل التغطية الإعلامية.
وللسبب ذاته، يبدو “حراس القانون والدولة” في حالة “تحسب وانفعال” من الصعب فصلها عن “التصرف بغضب” أحياناً عندما تترك مساحات “أوسع مما ينبغي” لاجتهادات “الأفراد” في الإدارة البيروقراطية.
وتلك عموماً نمطية قيود واتجاهات يمكن للأردنيين التعايش معها أكثر وفهمها وهضمها إذا ما شرحت لهم الخلفيات والأسباب والتفاصيل.
دوائر التنفيذ هنا وعلى رأسها الحكومة، يقتضي واجبها الوصول بـ “نعومة” إلى أوصال المجتمع وإشراكه مع دولته ومؤسساته في عملية التحفز والاستعداد لأي مرحلة صعبة قادمة، وبديل ذلك -برأي الناشط الحقوقي عاصم العمري- هو دوماً “غربة” لا مبرر لها بين الناس ودولتهم، يمكن الاستغناء عنها وفي ظرف حساس للغاية.

نيسان ـ نشر في 2025-08-09 الساعة 09:50


رأي: بسام بدارين كاتب اردني

الكلمات الأكثر بحثاً