أهرامات وجبنة مثلثات
نيسان ـ نشر في 2025-08-25 الساعة 19:08
نيسان ـ خاص-
في عالم يزداد فيه الاعتماد على الصورة، وعلى المذكرات والفيديوهات والبودكاست، وتعلو فيه أصوات الشعارات على حساب الأفعال، بات من السهل أن ينبهر الناس ببعض الشخصيات من بعيد، وأن يُخدعوا ببريق الكلمات وقوة الحضور الإعلامي، حتى إذا اقتربوا منها، اكتشفوا الحقيقة المرّة؛ أنهم مجرد "جبنة مثلثات" بعد أن ظنوها "أهرامات".
وليس من قبيل الصدفة أن تنتشر، في هذه الأيام، نكتة قصيرة تقول : "في ناس من بعيد تشوفهم أهرامات ولما تقرب منهم يطلعو جبنة مثلثات"، فهي إثبات جديد على أن الوعي الجمعي قادر على إرسال ردوده المشفرة، في الوقت المناسب، ومهما بلغت القيود على حرية التعبير.
نكتة تختصر في سطر واحد ما قد تفشل كتب في شرحه، ظاهرة الشخصيات التي تُضخَّم إعلاميًا، حتى تكاد تظنها من أعمدة الزمان، ثم يتبيّن أنها لا تحمل من الصلابة سوى الشكل، ولا من القيمة سوى تغليف طبقة من القصدير اللامع.
في الفضاء السياسي، تتكرّر هذه الظاهرة بتواتر مثير للقلق، سياسيون يُطلّون علينا من خلف الشاشات بعبارات رنانة، وملامح واثقة، وتاريخ من الصور المصطنعة، كلماتهم مرتّبة بعناية، لكن عند أول اختبار حقيقي، تتهاوى تلك الهالة المصطنعة، ويتبيّن أن ما كنا نحسبه أهرامًا، ليس إلا قالبًا هشًّا، محشوًا بشيء لا يُشبع ولا يُغني من جوع، تمامًا كجبنة المثلثات.
وفي مستوى آخر، ذكّرني هذا المعنى، صرخة محمود درويش: "ما أكبر الفكرة، ما أصغر الدولة".
هناك دومًا فجوة بين المظهر والحقيقة، بين الفكرة والممارسة، بين الوعود والأفعال، وهذه الفجوة تتسع عندما تضعف المحاسبة، وعندما يُرفع "الصوت العالي" فوق "الكفاءة الفعلية"، وعندما يسود الغثاء والثغاء.
السخرية في هذه النكتة لا تقف عند الأفراد، بل تطال أنظمة كاملة، وثقافات سياسية اعتادت على ترويج الرموز الفارغة، وصناعة "الزعامات بالتصفيق"، وفي مجتمعاتنا على وجه الخصوص، كثيرون يبدون كأبطال من بعيد، لكنهم يتلاشون تحت مجهر الواقع، تمامًا كالإعلانات التي تظهر المنتج في هيئة مغرية، ثم تكتشف أن الطعم لا يرقى إلى التوقعات.
في زمن يعاني من فراغ القيادة وتضخم الخطاب، علينا أن نعيد ضبط مقاييس التقييم، لا نريد بعد اليوم أن نُخدع بالأشكال، ولا أن نُفتتن بالصور والأصوات، فالعبرة ليست بما يبدو "هرميًا" من بعيد، بل بما يبقى صلبًا عند الاقتراب، ويصمد تحت اختبار الزمن والمسؤولية.
فلنضحك كثيرًا على النكتة... مع أن الأجدر أن نبكي واقعنا الذي لا يتوقف عن التراجع والتدهور.
في عالم يزداد فيه الاعتماد على الصورة، وعلى المذكرات والفيديوهات والبودكاست، وتعلو فيه أصوات الشعارات على حساب الأفعال، بات من السهل أن ينبهر الناس ببعض الشخصيات من بعيد، وأن يُخدعوا ببريق الكلمات وقوة الحضور الإعلامي، حتى إذا اقتربوا منها، اكتشفوا الحقيقة المرّة؛ أنهم مجرد "جبنة مثلثات" بعد أن ظنوها "أهرامات".
وليس من قبيل الصدفة أن تنتشر، في هذه الأيام، نكتة قصيرة تقول : "في ناس من بعيد تشوفهم أهرامات ولما تقرب منهم يطلعو جبنة مثلثات"، فهي إثبات جديد على أن الوعي الجمعي قادر على إرسال ردوده المشفرة، في الوقت المناسب، ومهما بلغت القيود على حرية التعبير.
نكتة تختصر في سطر واحد ما قد تفشل كتب في شرحه، ظاهرة الشخصيات التي تُضخَّم إعلاميًا، حتى تكاد تظنها من أعمدة الزمان، ثم يتبيّن أنها لا تحمل من الصلابة سوى الشكل، ولا من القيمة سوى تغليف طبقة من القصدير اللامع.
في الفضاء السياسي، تتكرّر هذه الظاهرة بتواتر مثير للقلق، سياسيون يُطلّون علينا من خلف الشاشات بعبارات رنانة، وملامح واثقة، وتاريخ من الصور المصطنعة، كلماتهم مرتّبة بعناية، لكن عند أول اختبار حقيقي، تتهاوى تلك الهالة المصطنعة، ويتبيّن أن ما كنا نحسبه أهرامًا، ليس إلا قالبًا هشًّا، محشوًا بشيء لا يُشبع ولا يُغني من جوع، تمامًا كجبنة المثلثات.
وفي مستوى آخر، ذكّرني هذا المعنى، صرخة محمود درويش: "ما أكبر الفكرة، ما أصغر الدولة".
هناك دومًا فجوة بين المظهر والحقيقة، بين الفكرة والممارسة، بين الوعود والأفعال، وهذه الفجوة تتسع عندما تضعف المحاسبة، وعندما يُرفع "الصوت العالي" فوق "الكفاءة الفعلية"، وعندما يسود الغثاء والثغاء.
السخرية في هذه النكتة لا تقف عند الأفراد، بل تطال أنظمة كاملة، وثقافات سياسية اعتادت على ترويج الرموز الفارغة، وصناعة "الزعامات بالتصفيق"، وفي مجتمعاتنا على وجه الخصوص، كثيرون يبدون كأبطال من بعيد، لكنهم يتلاشون تحت مجهر الواقع، تمامًا كالإعلانات التي تظهر المنتج في هيئة مغرية، ثم تكتشف أن الطعم لا يرقى إلى التوقعات.
في زمن يعاني من فراغ القيادة وتضخم الخطاب، علينا أن نعيد ضبط مقاييس التقييم، لا نريد بعد اليوم أن نُخدع بالأشكال، ولا أن نُفتتن بالصور والأصوات، فالعبرة ليست بما يبدو "هرميًا" من بعيد، بل بما يبقى صلبًا عند الاقتراب، ويصمد تحت اختبار الزمن والمسؤولية.
فلنضحك كثيرًا على النكتة... مع أن الأجدر أن نبكي واقعنا الذي لا يتوقف عن التراجع والتدهور.


