الإعلام التعبوي وخرافة الضحية الأبدية
فراس عوض
كاتب
نيسان ـ نشر في 2025-08-28 الساعة 14:47
نيسان ـ قبل قليل ، وبينما كنت اقلب بعض مقاطع الريلز، واذا بمذيعة تظهر في قناة اردنية ، في عنوان عاطفي: "الفتاة ضحية الانفصال". في الحقيقة عندما سمعتها، تأثرت على الحال البائس الغير اخلاقي الذي وصله هذا الإعلام التجاري ، ففي زمن صارت فيه الشاشات بوابة لتشكيل العقول، تُطل علينا مرارا وتكرارا مذيعات بأصوات رخيمة، -وغالبيتهن مطلقات- تحمل في ظاهرها التعاطف والرحمة، لكن في باطنها فراغ مدوٍّ. .يتكرر الخطاب نفسه، إما باعلاء شان الطلاق انه شيء جميل.. وخطاب" انا ئوية وما بدي رجال"، او الخطاب الآخر : المرأة المطلقة ضحية، والرجل جلاد.. المرأة الملاك والرجل الشيطان! وتستمر الشيطنة. تُعرض الحكاية كأنها حقيقة مطلقة، تُعاد صياغتها بعبارات مختلفة، لكنها لا تتجاوز كونها شعارات عاطفية أكثر من كونها وصفًا دقيق و منصفًا للواقع. هذا الخطاب المزخرف، يتجاهل أن الصورة أعقد بكثير، وأن قانون الأحوال نفسه صنع معادلة منحازة، لا تحقق التوازن ولا تُنصف كل الأطراف. وتحديدا الرجل ، فهو الخاسر الاكبر ماديا ومعنويا بعد الطلاق ، خاصة بوجود ابناء.
القانون اليوم يفتح أبوابًا واسعة للمنفصلة..النفقة، المسكن، العلاج ، تعليم الأبناء، الحضانة الممتدة حتى الخامسة عشرة.. وإن تخلّف الرجل يومًا عن التزامه بالنفقة، يُحبس فورا، وهناك نساء يتقاضين مبالغ تصل إلى مئات الدنانير، ويُجبر الرجل على دفع تكاليف المدارس الخاصة في كثير من القضايا ،مع انه محروم من ابناءه غالبا، ثم يُترك في مواجهة نزاع قضائي آخر حول المسكن، ثم الحضانة، ثم تفاصيل لا تنتهي.. وحتى لو كانت عاملة وتتقاضى آلاف وهو عاطل عن العمل، لا يأبه به القانون ولا يحبها على دفع قرش واحد .. في الحقيقة، ليست المشكلة في أن تحصل المرأة على حقوقها، فهذا أمر لا جدال فيه، لكن السؤال: أين يقف الرجل وسط هذا الطوفان؟ أليس له حق في أن يُنصف ويُعامل بعدالة؟.. هل من المعقول ان يكون هناك قانون احوال يكافئ طرف على حساب طرف ويحقق امتيازات لا حقوق لطرف على حساب طرف ، ثم يخرج الإعلام التعبوي يجعل من الرجل جلاد ؟
في الواقع العملي، كثير من الرجال يجدون أنفسهم محاصرين، لا بقرارات الطلاق وحدها، بل بطريقة استخدام الأبناء كوسيلة ضغط، كأداة انتقام، أو كجسر لتحصيل المزيد من المكاسب. هنا، لا يعود الأمر مجرد نزاع بين زوجين، بل يتحول إلى صراع يمسّ روح الطفولة نفسها، إذ يُربَّى الأبناء أحيانًا على كراهية أحد والديهم.. وفي لحظة التخيير، حين يبلغ الابن الخامسة عشرة، يكون القرار محسومًا سلفًا؛ فكيف سيختار أبًا غريبًا عنه وقد أُبعِد طويلًا؟
القضية لا تتعلق بالنساء كجنس، ولا بالرجال كطرف مقابل.. إنها قضية ميزان اختلّ، وقانون صُمم بطريقة جعلت من الانفصال خيارًا أسهل مما يجب أن يكون، لان من صممه هو جهاز واحدة مثلا المرأة في قوانين الأسرة واستبعدت الرجل في الحوار والتشريع، فأضعف ذلك القانون بنية الأسرة، وترك كل طرف يعيش شعورًا بالظلم..المرأة ترى نفسها مقيدة بمجتمع يضع عليها أحكامًا قاسية، والرجل يرى نفسه مجرد "محفظة مالية" تُفتح عند الحاجة.. أما الأبناء، فهم في قلب هذه المعادلة، يتشكل وعيهم بين خطاب إعلامي يلمّع طرفًا ويشيطن آخر، وبين واقع يزرع فيهم الانقسام..
لا شك أن بين المطلقات نساء مظلومات بالفعل، تعرضن لخيانات أو إهمال أو عنف، وهن يستحققن كل تعاطف وإنصاف. كما أن بين الرجال من يستحق اللوم، إذ لم يُحسن الاختيار أو لم يتحمل المسؤولية، بل ومنهم أيضا من تعرض لعنف غير مرئي غير محسوس اوصله القرار الترك .. لكن التعميم الذي يبيعه الإعلام، وتلك الصورة النمطية المعلّبة عن "الضحية الأبدية"، ليست إلا خرافة تسلب الحقيقة من أصحابها.. الغالبية ليست كما تُروى، والواقع مليء بتفاصيل لا يمكن أن تُختصر في خطاب تلفزيوني مبسّط منفصل عن الواقع ... يعرض المسرح ويخفي الكواليس.
الأدهى أن هذا الإعلام التعبوي لا يكتفي برواية نصف الحقيقة، بل يُحرّض المجتمع نفسه على الانقسام.. يجعل من المرأة كائنًا هشًا يحتاج دائمًا إلى حماية، ومن الرجل وحشًا لا يعرف الرحمة، فيغرس بذور الشك والكراهية بين الجنسين. ومع مرور الوقت، يصبح الزواج مؤسسة هشة، والأسرة ساحة تجاذب وعراك وصراع، والأبناء وقودًا لحروب لم يختاروها.. كل ذلك جاء نتيجة لتأثير الحركات النسوية المتطرفة ، الخارجة عن عباءة العلم والدين والقيم والعادات ، تلك الحركات التي تطالب دوما لحقوق لطرف على حساب طرف وتنبطح لها الحكومات، تعادي الأسرة وتعبئ المرأة ضد الرجل، وتظهر الرجل بصورة العدو المتخيل الدائم للمراة ، وهذه حقيقة في ادبيات النسوية، بل وباعترافاتهن.
إن ما نحتاجه اليوم، ليس خطابات عاطفية تُلقي اللوم على طرف واحد وتُبرئ الآخر، بل مراجعة شجاعة للقوانين والسياسات والخطابات الإعلامية التي تحكم حياتنا.. نحتاج إلى ميزان يعترف بأن الأسرة مسؤولية مشتركة، وأن الطلاق ليس انتصارًا لأحد، بل خسارة للجميع.. نحتاج إلى قانون يحمي الطفل من أن يكون ورقة مساومة، ويحمي الرجل من الاستنزاف الأبدي، ومن الافتراءات الكيدية ،ويحمي المرأة من أن تُختزل صورتها في خطاب الضحية فقط.
الحقيقة لا تحتاج إلى تجميل، ولا إلى ابتسامة مذيعة. الحقيقة أن قانون الأحوال بصيغته الحالية يشجع على الطلاق أكثر مما يشجع على الإصلاح والتوافق، ويُفكك الأسرة بدل أن يحميها.. والحقيقة أن الإعلام، بسطحيته وتبعيته، يعيد إنتاج هذا الهراء وهذه الخرافة كل يوم، حتى صارت جزءًا من الوعي الجمعي العام. لكن من ينصت جيدا، يدرك أن الأصوات الصادقة تخرج من واقع الناس لا من شاشات التلفاز وعلى إيان مذيعات بائسات فشلن في تأسيس اسر، وأن العدالة لا تُبنى على التحيز، بل على الاعتراف بمعاناة كل الأطراف دون استثناء. واعطاءهحقهكاملا.
القانون اليوم يفتح أبوابًا واسعة للمنفصلة..النفقة، المسكن، العلاج ، تعليم الأبناء، الحضانة الممتدة حتى الخامسة عشرة.. وإن تخلّف الرجل يومًا عن التزامه بالنفقة، يُحبس فورا، وهناك نساء يتقاضين مبالغ تصل إلى مئات الدنانير، ويُجبر الرجل على دفع تكاليف المدارس الخاصة في كثير من القضايا ،مع انه محروم من ابناءه غالبا، ثم يُترك في مواجهة نزاع قضائي آخر حول المسكن، ثم الحضانة، ثم تفاصيل لا تنتهي.. وحتى لو كانت عاملة وتتقاضى آلاف وهو عاطل عن العمل، لا يأبه به القانون ولا يحبها على دفع قرش واحد .. في الحقيقة، ليست المشكلة في أن تحصل المرأة على حقوقها، فهذا أمر لا جدال فيه، لكن السؤال: أين يقف الرجل وسط هذا الطوفان؟ أليس له حق في أن يُنصف ويُعامل بعدالة؟.. هل من المعقول ان يكون هناك قانون احوال يكافئ طرف على حساب طرف ويحقق امتيازات لا حقوق لطرف على حساب طرف ، ثم يخرج الإعلام التعبوي يجعل من الرجل جلاد ؟
في الواقع العملي، كثير من الرجال يجدون أنفسهم محاصرين، لا بقرارات الطلاق وحدها، بل بطريقة استخدام الأبناء كوسيلة ضغط، كأداة انتقام، أو كجسر لتحصيل المزيد من المكاسب. هنا، لا يعود الأمر مجرد نزاع بين زوجين، بل يتحول إلى صراع يمسّ روح الطفولة نفسها، إذ يُربَّى الأبناء أحيانًا على كراهية أحد والديهم.. وفي لحظة التخيير، حين يبلغ الابن الخامسة عشرة، يكون القرار محسومًا سلفًا؛ فكيف سيختار أبًا غريبًا عنه وقد أُبعِد طويلًا؟
القضية لا تتعلق بالنساء كجنس، ولا بالرجال كطرف مقابل.. إنها قضية ميزان اختلّ، وقانون صُمم بطريقة جعلت من الانفصال خيارًا أسهل مما يجب أن يكون، لان من صممه هو جهاز واحدة مثلا المرأة في قوانين الأسرة واستبعدت الرجل في الحوار والتشريع، فأضعف ذلك القانون بنية الأسرة، وترك كل طرف يعيش شعورًا بالظلم..المرأة ترى نفسها مقيدة بمجتمع يضع عليها أحكامًا قاسية، والرجل يرى نفسه مجرد "محفظة مالية" تُفتح عند الحاجة.. أما الأبناء، فهم في قلب هذه المعادلة، يتشكل وعيهم بين خطاب إعلامي يلمّع طرفًا ويشيطن آخر، وبين واقع يزرع فيهم الانقسام..
لا شك أن بين المطلقات نساء مظلومات بالفعل، تعرضن لخيانات أو إهمال أو عنف، وهن يستحققن كل تعاطف وإنصاف. كما أن بين الرجال من يستحق اللوم، إذ لم يُحسن الاختيار أو لم يتحمل المسؤولية، بل ومنهم أيضا من تعرض لعنف غير مرئي غير محسوس اوصله القرار الترك .. لكن التعميم الذي يبيعه الإعلام، وتلك الصورة النمطية المعلّبة عن "الضحية الأبدية"، ليست إلا خرافة تسلب الحقيقة من أصحابها.. الغالبية ليست كما تُروى، والواقع مليء بتفاصيل لا يمكن أن تُختصر في خطاب تلفزيوني مبسّط منفصل عن الواقع ... يعرض المسرح ويخفي الكواليس.
الأدهى أن هذا الإعلام التعبوي لا يكتفي برواية نصف الحقيقة، بل يُحرّض المجتمع نفسه على الانقسام.. يجعل من المرأة كائنًا هشًا يحتاج دائمًا إلى حماية، ومن الرجل وحشًا لا يعرف الرحمة، فيغرس بذور الشك والكراهية بين الجنسين. ومع مرور الوقت، يصبح الزواج مؤسسة هشة، والأسرة ساحة تجاذب وعراك وصراع، والأبناء وقودًا لحروب لم يختاروها.. كل ذلك جاء نتيجة لتأثير الحركات النسوية المتطرفة ، الخارجة عن عباءة العلم والدين والقيم والعادات ، تلك الحركات التي تطالب دوما لحقوق لطرف على حساب طرف وتنبطح لها الحكومات، تعادي الأسرة وتعبئ المرأة ضد الرجل، وتظهر الرجل بصورة العدو المتخيل الدائم للمراة ، وهذه حقيقة في ادبيات النسوية، بل وباعترافاتهن.
إن ما نحتاجه اليوم، ليس خطابات عاطفية تُلقي اللوم على طرف واحد وتُبرئ الآخر، بل مراجعة شجاعة للقوانين والسياسات والخطابات الإعلامية التي تحكم حياتنا.. نحتاج إلى ميزان يعترف بأن الأسرة مسؤولية مشتركة، وأن الطلاق ليس انتصارًا لأحد، بل خسارة للجميع.. نحتاج إلى قانون يحمي الطفل من أن يكون ورقة مساومة، ويحمي الرجل من الاستنزاف الأبدي، ومن الافتراءات الكيدية ،ويحمي المرأة من أن تُختزل صورتها في خطاب الضحية فقط.
الحقيقة لا تحتاج إلى تجميل، ولا إلى ابتسامة مذيعة. الحقيقة أن قانون الأحوال بصيغته الحالية يشجع على الطلاق أكثر مما يشجع على الإصلاح والتوافق، ويُفكك الأسرة بدل أن يحميها.. والحقيقة أن الإعلام، بسطحيته وتبعيته، يعيد إنتاج هذا الهراء وهذه الخرافة كل يوم، حتى صارت جزءًا من الوعي الجمعي العام. لكن من ينصت جيدا، يدرك أن الأصوات الصادقة تخرج من واقع الناس لا من شاشات التلفاز وعلى إيان مذيعات بائسات فشلن في تأسيس اسر، وأن العدالة لا تُبنى على التحيز، بل على الاعتراف بمعاناة كل الأطراف دون استثناء. واعطاءهحقهكاملا.
نيسان ـ نشر في 2025-08-28 الساعة 14:47
رأي: فراس عوض كاتب


