الفقر المذّكر والهيمنة الأنثوية.. حين يُسلب الرجل خبزه ويُتهم بجرمه
فراس عوض
كاتب
نيسان ـ نشر في 2025-09-01 الساعة 22:42
نيسان ـ أصدرت دائرة الإحصاءات العامة تقريرها الربعي حول العمالة والبطالة في الأردن للربع الثاني من عام 2025، فاهتزّت الأرقام بين هبوط طفيف هنا وارتفاع خطير هناك، وكشفت الأرقام عن مشهد أبعد بكثير من مجرد نسب عابرة. نعم، البطالة بين الذكور بلغت 18.1%، بانخفاض بسيط عن العام الماضي، بينما البطالة بين الإناث 32.8%. للوهلة الأولى قد يبدو أن المرأة ما زالت أسيرة البطالة العالية، ولكن حين نتعمق في التفاصيل ندرك أن القصة ليست مجرد أرقام جافة، بل هي مرآة لخلل مجتمعي عميق، ينهش جسد الأسرة، ويفكك روح المجتمع، ويزرع بذور العنف واليأس في قلب الشباب.
إن المشاركة الاقتصادية المنقحة للذكور بلغت 52.3%، وللإناث 14.6% فقط، وهذا يعني بلغة النسبة والتناسب أن ثلث الرجال تقريبًا معطّلون عن العمل، وأن 65% فقط من الرجال يعملون، مقابل نسبة تقارب 35% من النساء. لكن الفارق الجوهري الذي تتجاهله السياسات والمؤسسات النسوية هو أن الرجل، بحكم القانون والعرف والشرع، هو المنفق الوحيد، والعمود الاقتصادي للأسرة والمجتمع. فالرجل منذ أن يخطو إلى سوق العمل، ينهض مثقلاً بالديون والالتزامات: بيت ومهر وزواج وأثاث ونفقات علاج وغذاء، ثم يضاف إليها واجب النفقة على الوالدين المحتاجين بقوة القانون، بينما المرأة العاملة – حتى وإن كانت تتقاضى آلاف الدنانير – لا تُلزم شرعًا ولا قانونًا ولا عرفًا بأن تضع دينارًا واحدًا في كفّة النفقات الأسرية.
يا لها من مفارقة! تُرفع رايات المساواة حين يتعلّق الأمر بتكديس النساء في سوق العمل، وتُخفض حين يكون الحديث عن النفقة والإنفاق. فتتضاعف امتيازات المرأة، بينما يُكدَّس الشباب العاطلون في طوابير الإحباط. هؤلاء الذين سُرقت فرصهم تحت شعارات المساواة القسرية، ثم جرى تحميلهم عبء النفقة وحدهم. وحين يعجز الشاب العاطل عن تأمين قوت يومه، يجد نفسه بين جدران السجن بتهمة التخلف عن النفقة أو يعاني من تهديد الطلاق والانهيار الأسري. في المقابل، لا تلزم المرأة بشيء، بل تُكافأ في حال الطلاق بالحضانة والنفقة وحق العمل، حتى ولو كان طليقها عاطلاً عن العمل يطارد رغيف الخبز.
كيف يُعقل أن تتحول المساواة إلى امتياز أنثوي مضاعف؟ كيف يستقيم أن يكون دخل النساء العاملات – وإن شكّل خمس الدخل الوطني تقريبًا – خارج دائرة الالتزامات الاقتصادية للأسر؟ كيف تستقيم معادلة يُحمّل فيها طرف واحد كل أعباء المعيشة والزواج، بينما الآخر يكتفي باستقلال مالي مصان بالقانون والأعراف، لا يُمسّ لا قبل الزواج ولا بعده؟ أي عدالة هذه، وأي منطق هذا؟
إن هذا الخلل البنيوي في السياسات والتشريعات الجندرية لا يقتصر أثره على سوق العمل فحسب، بل يهدد مؤسسة الزواج نفسها. حين يعجز الشباب عن تحمّل تكاليف الزواج المتفاقمة، وحين يزداد الفقر المذكر وتُضاعف البطالة في صفوف الرجال، فإن النتيجة الحتمية هي عزوف عن الزواج، وتأجيل للارتباط، وتزايد في نسب الطلاق، وارتفاع معدلات العنف والجريمة. إن الأسرة ليست مجرد وحدة اجتماعية، بل هي العمود الفقري للمجتمع؛ وإذا ما تزعزع العمود، انهارت المنظومة بأكملها.
هنا يطل سؤال مُلح: أين مؤسسات المرأة التي ترفع شعار المساواة من هذا الخلل الصارخ؟ أين لجان المرأة الرسمية، والمنظمات النسوية التي تغدق عليها السلطة الشرعية أموالاً من ضرائب الشعب؟ أليس من الواجب أن تكون العدالة شاملة؟ أليس من الإنصاف أن يُعاد النظر في منظومة القوانين بحيث يتحمل الطرفان معًا جزءًا من عبء الحياة؟ لماذا يُصرّ المشرع على أن يبقى الرجل وحده هو "المُعيل" في كل الأحوال، بينما يُمنح للمرأة الحق في العمل بلا واجب مشاركة في النفقات؟
إن ما نراه اليوم ليس مساواة، بل هيمنة أنثوية مقنّعة، امتيازات تُعطى للمرأة على حساب الرجل، وقوانين مجحفة تشجع على الطلاق، وتفكك الأسرة، وتزرع بذور الانقسام في المجتمع. حين يُحرم الرجل من الحضانة، ويُلزم بالنفقة حتى وهو عاطل، وتُكافأ المطلقة بامتيازات مزدوجة، أي ظلم أعظم من هذا؟ أي ذكورية يتحدثون عنها، وأي ضحية يصنعونها؟ الحقيقة أن الرجل صار هو الضحية الحقيقية، ضحية السياسات الجندرية الهجينة، وضحية سرديات نسوية لا ترى إلا نصف الحقيقة وتُخفي النصف الآخر.
لقد آن الأوان أن يُدق ناقوس الخطر. لم يعد الأمر مجرد نسب بطالة أو تقارير إحصائية، بل صار مسألة وجودية تمسّ كيان الأسرة والأمة. إذا لم تُراجع السلطة سياساتها، وإذا لم يُفتح نقاش وطني صادق حول العدالة الجندرية، وإذا لم تُطلق مبادرات مجتمعية لتثقيف الأهالي والفتيات بضرورة المشاركة الاقتصادية في الزواج وبعده، فإننا نسير نحو انهيار حتمي. انهيار يقوض الزواج، ويزيد العنف، ويهز أركان التربية، ويشلّ التنمية.
أيها السادة، نحن أمام خطر لا يقل عن خطر اقتصادي أو سياسي، إنه خطر اجتماعي يفتك بالأجيال القادمة. لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض على كاهل رجل مثقل وحده بالديون، ولا يمكن لأسرة أن تستمر حين يُحوَّل العدل إلى امتياز، والمساواة إلى شعار أجوف. إن توازن الأدوار بين الرجل والمرأة ليس ترفًا فكريًا، بل هو شرط وجود، وشرط بقاء. وإن لم نتحرك اليوم، فإن الغد سيأتي مثقلاً بالخراب.
إن المشاركة الاقتصادية المنقحة للذكور بلغت 52.3%، وللإناث 14.6% فقط، وهذا يعني بلغة النسبة والتناسب أن ثلث الرجال تقريبًا معطّلون عن العمل، وأن 65% فقط من الرجال يعملون، مقابل نسبة تقارب 35% من النساء. لكن الفارق الجوهري الذي تتجاهله السياسات والمؤسسات النسوية هو أن الرجل، بحكم القانون والعرف والشرع، هو المنفق الوحيد، والعمود الاقتصادي للأسرة والمجتمع. فالرجل منذ أن يخطو إلى سوق العمل، ينهض مثقلاً بالديون والالتزامات: بيت ومهر وزواج وأثاث ونفقات علاج وغذاء، ثم يضاف إليها واجب النفقة على الوالدين المحتاجين بقوة القانون، بينما المرأة العاملة – حتى وإن كانت تتقاضى آلاف الدنانير – لا تُلزم شرعًا ولا قانونًا ولا عرفًا بأن تضع دينارًا واحدًا في كفّة النفقات الأسرية.
يا لها من مفارقة! تُرفع رايات المساواة حين يتعلّق الأمر بتكديس النساء في سوق العمل، وتُخفض حين يكون الحديث عن النفقة والإنفاق. فتتضاعف امتيازات المرأة، بينما يُكدَّس الشباب العاطلون في طوابير الإحباط. هؤلاء الذين سُرقت فرصهم تحت شعارات المساواة القسرية، ثم جرى تحميلهم عبء النفقة وحدهم. وحين يعجز الشاب العاطل عن تأمين قوت يومه، يجد نفسه بين جدران السجن بتهمة التخلف عن النفقة أو يعاني من تهديد الطلاق والانهيار الأسري. في المقابل، لا تلزم المرأة بشيء، بل تُكافأ في حال الطلاق بالحضانة والنفقة وحق العمل، حتى ولو كان طليقها عاطلاً عن العمل يطارد رغيف الخبز.
كيف يُعقل أن تتحول المساواة إلى امتياز أنثوي مضاعف؟ كيف يستقيم أن يكون دخل النساء العاملات – وإن شكّل خمس الدخل الوطني تقريبًا – خارج دائرة الالتزامات الاقتصادية للأسر؟ كيف تستقيم معادلة يُحمّل فيها طرف واحد كل أعباء المعيشة والزواج، بينما الآخر يكتفي باستقلال مالي مصان بالقانون والأعراف، لا يُمسّ لا قبل الزواج ولا بعده؟ أي عدالة هذه، وأي منطق هذا؟
إن هذا الخلل البنيوي في السياسات والتشريعات الجندرية لا يقتصر أثره على سوق العمل فحسب، بل يهدد مؤسسة الزواج نفسها. حين يعجز الشباب عن تحمّل تكاليف الزواج المتفاقمة، وحين يزداد الفقر المذكر وتُضاعف البطالة في صفوف الرجال، فإن النتيجة الحتمية هي عزوف عن الزواج، وتأجيل للارتباط، وتزايد في نسب الطلاق، وارتفاع معدلات العنف والجريمة. إن الأسرة ليست مجرد وحدة اجتماعية، بل هي العمود الفقري للمجتمع؛ وإذا ما تزعزع العمود، انهارت المنظومة بأكملها.
هنا يطل سؤال مُلح: أين مؤسسات المرأة التي ترفع شعار المساواة من هذا الخلل الصارخ؟ أين لجان المرأة الرسمية، والمنظمات النسوية التي تغدق عليها السلطة الشرعية أموالاً من ضرائب الشعب؟ أليس من الواجب أن تكون العدالة شاملة؟ أليس من الإنصاف أن يُعاد النظر في منظومة القوانين بحيث يتحمل الطرفان معًا جزءًا من عبء الحياة؟ لماذا يُصرّ المشرع على أن يبقى الرجل وحده هو "المُعيل" في كل الأحوال، بينما يُمنح للمرأة الحق في العمل بلا واجب مشاركة في النفقات؟
إن ما نراه اليوم ليس مساواة، بل هيمنة أنثوية مقنّعة، امتيازات تُعطى للمرأة على حساب الرجل، وقوانين مجحفة تشجع على الطلاق، وتفكك الأسرة، وتزرع بذور الانقسام في المجتمع. حين يُحرم الرجل من الحضانة، ويُلزم بالنفقة حتى وهو عاطل، وتُكافأ المطلقة بامتيازات مزدوجة، أي ظلم أعظم من هذا؟ أي ذكورية يتحدثون عنها، وأي ضحية يصنعونها؟ الحقيقة أن الرجل صار هو الضحية الحقيقية، ضحية السياسات الجندرية الهجينة، وضحية سرديات نسوية لا ترى إلا نصف الحقيقة وتُخفي النصف الآخر.
لقد آن الأوان أن يُدق ناقوس الخطر. لم يعد الأمر مجرد نسب بطالة أو تقارير إحصائية، بل صار مسألة وجودية تمسّ كيان الأسرة والأمة. إذا لم تُراجع السلطة سياساتها، وإذا لم يُفتح نقاش وطني صادق حول العدالة الجندرية، وإذا لم تُطلق مبادرات مجتمعية لتثقيف الأهالي والفتيات بضرورة المشاركة الاقتصادية في الزواج وبعده، فإننا نسير نحو انهيار حتمي. انهيار يقوض الزواج، ويزيد العنف، ويهز أركان التربية، ويشلّ التنمية.
أيها السادة، نحن أمام خطر لا يقل عن خطر اقتصادي أو سياسي، إنه خطر اجتماعي يفتك بالأجيال القادمة. لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض على كاهل رجل مثقل وحده بالديون، ولا يمكن لأسرة أن تستمر حين يُحوَّل العدل إلى امتياز، والمساواة إلى شعار أجوف. إن توازن الأدوار بين الرجل والمرأة ليس ترفًا فكريًا، بل هو شرط وجود، وشرط بقاء. وإن لم نتحرك اليوم، فإن الغد سيأتي مثقلاً بالخراب.
نيسان ـ نشر في 2025-09-01 الساعة 22:42
رأي: فراس عوض كاتب


