اتصل بنا
 

الأردن والبحث العلمي 4

الشراكة طريقنا إلى التطوير والتحسين

نيسان ـ نشر في 2025-09-07 الساعة 10:21

نيسان ـ نصل اليوم إلى المحطة الأخيرة في هذه السلسلة من المقالات التي حاولنا من خلالها رسم الخطوط العريضة لمستقبل البحث العلمي في الأردن. ثلاث مقالات مضت تناولت أهمية البحث العلمي، تحدياته، والفرص التي يمكن البناء عليها، واليوم نختم بالحديث عن قضية جوهرية وحاسمة: الشراكة بين الجامعات – الحكومية والخاصة – وقطاعات الخدمات والإنتاج في الأردن.
قد يتساءل القارئ: لماذا نركز على هذه الشراكة؟ وما علاقتها بالتطوير وحل المشكلات؟
الجواب بسيط، لكنه في الوقت نفسه عميق: لأن البحث العلمي بلا تطبيق عملي يبقى حبراً على ورق، أما حين يرتبط باحتياجات المجتمع والاقتصاد، فإنه يتحول إلى قوة دافعة للتنمية.
لنتخيل المشهد بوضوح: لدينا في الأردن عشرات الجامعات، ومئات مراكز البحث، وآلاف الطلبة والباحثين. هذه طاقة بشرية هائلة، لكنها – في معظم الأحيان – لا تُستثمر بالشكل الأمثل. لماذا؟ لأن الأبحاث الأكاديمية تُنجز غالباً من أجل الحصول على شهادة، وليس بهدف إيجاد حلول حقيقية لمشكلات القطاعات الاقتصادية والخدمية.
هنا يأتي دور الشراكة الحقيقية، التي يجب أن تكون علاقة متبادلة بين الطرفين. الجامعات يمكنها أن تقدم أفكاراً مبتكرة، وخططاً علمية دقيقة، وتجارب مخبرية متقدمة، بينما تمتلك القطاعات الصناعية والخدمية القدرة على التطبيق العملي والتمويل. الجمع بين هذين الطرفين يخلق معادلة رابحة للجميع:
للجامعات لأنها تحقق رسالتها وتخرج من الإطار النظري إلى التطبيقي.
للشركات والمؤسسات لأنها تحصل على حلول علمية تقلل التكاليف وتزيد الكفاءة.
للوطن لأنه يستفيد من اقتصاد قائم على المعرفة والإبداع.
لكن، كيف نبدأ؟
البداية تكون من توجيه موازنات البحث العلمي بشكل استثماري، لا إنفاقي. فبدلاً من أن تبقى هذه الميزانيات محصورة في المؤتمرات والبحوث النظرية، يجب أن تُضخ في مشاريع مشتركة تعالج مشاكل حقيقية: مثل خفض الفاقد في الطاقة، تطوير طرق ري حديثة للزراعة، أو إيجاد حلول تقنية في مجالات الصحة والخدمات اللوجستية إيجاد حلول تسويقية فعالة للمحاصيل الزراعية وغيرها من التحديات.
ثم يأتي المحور الأهم: رأس المال البشري. نحن لا نتحدث عن المال فقط، بل عن العقول. الاستثمار في الباحثين المبدعين هو استثمار في المستقبل. هؤلاء الباحثون يحتاجون إلى بيئة حاضنة تشجعهم على الإبداع، وإلى منصات تعاون تربطهم بالقطاع الخاص، وإلى حوافز تجعلهم يرون ثمرة جهدهم في الواقع لا في الرفوف.
إن الحديث عن الشراكة ليس ترفاً فكرياً ولا شعاراً إعلامياً، بل ضرورة وطنية لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية. فحين يصبح البحث العلمي جزءاً من خطط التطوير في كل قطاع – من الصحة إلى الصناعة، ومن الزراعة إلى التكنولوجيا – عندها فقط نكون قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح نحو التغيير الإيجابي.
وفي الختام، يمكن القول إن مستقبل الأردن في هذا المجال مرهون بجرأة القرار، ووضوح الرؤية، وإيمان حقيقي بأن المعرفة قوة، وأن الاستثمار في العقل هو الاستثمار الأكثر أماناً وربحاً على الإطلاق. فهل نحن مستعدون لصنع هذا الفرق؟

نيسان ـ نشر في 2025-09-07 الساعة 10:21


رأي: الدكتور معن نصر العليان

الكلمات الأكثر بحثاً