لغة الشعب

نيسان ـ

في وقت الغروب من يوم الخميس عاد أبو السعيد من عمله بعد أن أعياه التعب، فتح باب المنزل الخشبي وخلع فردة حذاءه اليمنى بعد أن داس عليها بقدمه اليسرى و داس بقدمه اليسرى على فردة حذاءه اليمنى من الخلف لتسهيل عملية خلع الفردة المهترئة و رماها بحركة متثاقلة في الهواء لتسقط في وسط غرفة الجلوس.

هُرِع الأولاد ليرحبوا بوالدهم أبو السعيد بعد أن لمحوا كرتونة بيضاء اللون يحملها بين يديه, تسائل الأولاد "يابا، شو جايبلنا معاك؟ وشو في بالكرتونه؟"، نظر أبو السعيد نحو أولاده نظرة عِزٍ ونَصر وقال "مش وعدتكوا السنه الماضيه أني أجيبلكم " بلاي ستيشن "؟ هيني جبتها مثل ما وعدتكو, يا الله ركبوها على التلفزيون والعبوا قد ما بدكم.

قام الإبن الأكبر سعيد بأخذ كرتونة "البلاي ستيشن" من يد والده و ذهب مسرعاً الى غرفةِ الجلوس ليُرَكِبَ اللعبة على التلفاز فلحقه أخوته محمود وشلاش لكي لا يَتَفَرَد سعيد باللعبة وحده, ذهب أبو السعيد الى غرفته لتغيير ملابسه و بعدها خرج الى الحمام ليغتسل من بقايا التراب الذي غطى جسده ووجهه في ورشة البناء التي يعمل بها.

ابتدأ أبو السعيد بغسل وجهه فأتاه ابنه الأكبر سعيد متململاً وتَظهَر علامة َالخِيبة في صوته المُتَحشرِج حين قال " يابا, هاي "البلاي ستيشن" مش عارفين نركبها على التلفزيون, معها مليون سلك و سلك و معاها وصلات و مش عارفين راسها من رجليها" فنظر اليه والده نظرة استهتار وقال " ولكو لأميت بدكو تظلو جُهال هااااه! اقرأ الارشادات الموجوده على الكتالوج و شوف كيف بتتركب", على الفور أخبره سعيد "مهو بالانجليزي يابا و أنا ما بفهمش انجليزي".

أتى ابو السعيد الى غرفة الجلوس ليقوم بتركيب "البلاي ستيشن" لابناءه, أمضى بمحاولة تركيبها ساعةً كامله و لم يُفلِح كان ينظر الى كتيب الارشادات محاولا الايحاء لابناءه انه يجيد اللغة الانجليزيه و بعد ان فشل فشلا ذريعا رمى الكتالوج على ابنه سعيد و قال له " عيوني صارن يوجعني هاك اقرأ انت و ركبها, حاول سعيد ثانية و لم يفلح أيضا في فهم ما يحتويه الكتالوج و تَبِعَهُ محمود و شلاش في الفشل تلو الفشل حتى ايقنوا بانهم لن يستطيعوا تركيبها على التلفاز حينها قال أبو السعيد لأبناءه " خلص بكرا وانا مروح بمر على خالكو الدكتور أبو صالح و بجيبه يركبها على التلفزيون لأنه خالكو أبو صالح بُلبُل انجليزي".

دولة عبد الله النسور الأكرم.. أسأل الله أن تستفيد من محاولات أبو السعيد الفاشله فالخطأ ليس في الكتالوج ولا في البلاي ستيشن بل في عدم معرفة أبو السعيد للغة الانجليزية و بدونها لن يستطيع تركيب "البلاي ستيشن" مهما حاول.

مهما غيرت من تشكيلات وزارية و مهما فعلت فلن تفلح فبدون لغة الشعب لن تستطيع قراءة المواطن الاردني و لن تشعر باوجاعه.