اتصل بنا
 

هندسة الردع العربي بعد القمّة

كاتب صحافي

نيسان ـ نشر في 2025-09-17 الساعة 11:09

نيسان ـ «مخرجات القمة العربية الاسلامية» ليست بيانًا عابرًا، بل معمارُ ردعٍ أولي يرفع كلفة الخرق قبل وقوعه، يمكن البناء عليها لصون حرمة الوساطة وردّ شهية الاعتداء. وقد ثبّتت الدوحة بهذا الموقف الصلب تجاه إسرائيل قاعدةً بسيطة: من يعبث بأرض الوسيط يواجه سلّمًا متصاعدًا من الإجراءات لا يُساوَم عليه.
تبدّت صلابة قطر في لحظة الاختبار: دولةٌ صغيرة بحجم الجغرافيا، كبيرة بحجم الفعل؛ فصلت بوضوح بين دور الوسيط وكرامة السيادة، وحوّلت الاعتداء إلى مبدأ يجرّ عواقب لا بيانات. ثبّتت الدوحة «حرمة الوساطة» قاعدةً لا استثناء، فأرسلت إشارةً باردة الأعصاب دافئة المعنى: الوسيط مساحةٌ مصانة بالقانون والشرعية. بهذا الثبات، راكمت قطر شرعيةً معياريةً تُلزم الخصم باحترام قواعد اللعبة، وتُعين على تحويل الغضب إلى سياسة، والسياسة إلى ردعٍ يُفهَم ولا يُغالَب.
الغضب الأردني هو قلب هذه المعادلة: غضبٌ رصين يتماهى معه الشارع في النقابات والجامعات والبيوت، ويحوَّل الإحساس الأخلاقي إلى قواعد تشغيل واضحة: عقيدة ردعية مُعلنة، درجات محدّدة للإجراء عند كل انتهاك، وغرفة قرارٍ تُسرّع الاستجابة وتمنع الارتجال. هكذا يحرس الغضب الهيبة ولا يكتفي بالصدى.
أول أعمدة الهندسة هو الردع السياسي–الدبلوماسي: إشارةٌ مُسبقة بسُلّم خطوات معلوم؛ من التنبيه إلى خفض التمثيل وتعليق المسارات عند كل تجاوز. وضوح الإشارة يجعل الكلفة مقرّرة سلفًا، ويمنع التلاعب بعد كل صدمة.
ويليه الردع القانوني: فريق تقاضٍ دائم وأرشيف رقمي فوري يثبّت الوقائع ساعة وقوعها ومسارات متوازية أمام الجهات الدولية والاختصاصات الوطنية. وفي القدس يتقدّم الدور الأردني بوصايته الهاشمية بوصفها «خطًّا مقدّسًا» يَحمي الوضع القائم: أي مسٍّ بالمقدسات يرفع تلقائيًا درجة الإجراء في السُّلّم المعلن، فيتحوّل الدفاع عن القدس إلى التزامٍ قانوني موثَّق لا مجرّد شعار.
أما الردع الدفاعي–الأمني (غير الهجومي) فهدفه إغلاق باب المفاجأة: مظلّة إنذار مبكر تربط ما أمكن من المراقبة الجوية والبرية، وغرفة عملياتٍ تحوّل المعلومة الدقيقة إلى قرار سريع. ليس المقصود قرع طبول الحرب، بل جعل الخرق أعلى كلفة من أي مكسبٍ متخيَّل.
وفي زمن الشبكات، يتساند الردع السيبراني مع هندسة السرد: تحصين البنى الرقمية، تبادل مؤشرات الاختراق، وخطٌّ زمني موثّق يشكّل بيّنةً قانونية تُحبط التلاعب وتغذّي ملفات التقاضي والسياسة معًا.
وتُستكمَل المنظومة بقاعدة حرمة الوساطة: أي اعتداءٍ على أرض الوسيط أو قناة التفاوض يُقابَل تلقائيًا برفعٍ محسوبٍ في السقف الإجرائي. ومعه الردع المجتمعي الذي ينظّم التماهي الشعبي في إطارٍ حقوقي رصين يعضد الدولة وهي تُعلن قواعد اللعب الجديدة.
وتبقى «غرفة المحرّكات» حجر الزاوية: مؤسسة دائمة بخريطة طريقٍ ومؤشرات أداء واضحة سريعة الاستجابة، وضوح الإشارة، الأثر على سلوك الطرف المقابل، وانضباط التنفيذ لتتحول الروح إلى سياسة، والسياسة إلى معيارٍ يُلزِم ويردع. عندئذٍ تغدو «مخرجات القمة العربية الاسلامية» قاعدةً يمكن البناء عليها لردعٍ ثابتٍ يحمي القدس بوصايتها الهاشمية، ويصون الوساطة، ويضع حدودًا عملية لشهية الاعتداء.

نيسان ـ نشر في 2025-09-17 الساعة 11:09


رأي: كامل نصيرات كاتب صحافي

الكلمات الأكثر بحثاً