فقاعة الوعي
رمزي الغزوي
رمزي الغزوي أديب وإعلامي أردني عربي
نيسان ـ نشر في 2025-09-22 الساعة 13:33
نيسان ـ لم يعد الخطر في زحام هذا العصر أن تخسر مالك في بورصة تتقلب، بل أن يُسلب عقلك في سوقٍ كبيرة رخيص: سوق المعنى. هناك، حيث يتدافع الناس بوجوه مستعارة، وأسماء نارية، وأصواتٍ ملغومة بالشتائم والهزائم، فيبيعون الوهم على أنه حكمة، والتفاهة فكراًُ، والعدوان رأياً.
صار من الطبيعي أن يطلّ عليك «مؤثر» لم يقرأ كتاباً في حياته، ليحدثك عن الاقتصاد العالمي، كما لو أنه خبير بورصات، وعن السياسة كصانع قرار، وعن الدين كمفتي الأمة. وكلما علا صراخه ازداد بريقه، وكلما تردت مفرداته، تضاعفت جماهيريته. صار الحق يُقاس بعدد «الإعجابات»، لا بقوة الحجة. وصار الوعي سلعة مقلدة تباع في رفوف المنصات.
هذه ليست مبالغة، بل هي الحقيقة التي نعيشها: نحن أمام نسخة جديدة من القطيع، لكنهم لا يقفون أمام شاشات البورصة، بل أمام شاشات هواتفنا. وكما انهارت السوق المالية في ثلاثينيات القرن الماضي عندما دخلت الحماسة العمياء، ينهار اليوم معنى الحوار والتفكير حين تسيطر الغوغائية على فضائنا الرقمي. الفرق أن المال يمكن أن يُعوّض، أما العقل حين يُستنزف في معارك التفاهة، فقلّما يسترد نقاءه.
الغريب أننا بتنا نضحك ونحن نُهان، ونصفق ونحن نُنهب. نحول الشتيمة إلى «ترند»، والتفاهة إلى «محتوى»، والفارغين إلى «صنّاع رأي». ومن لم يصرخ معنا، اتهمناه بالخيانة أو بالجبن أو بالتواطؤ. أية مأساة هذه التي تجعل أقصر طريق للشهرة أن تكون أكثر الناس انحطاطاً؟
فهل يمكن الحل أن نغلق هواتفنا ونهجر هذا العالم؟ أم أن نتمسك به ونحاول إنقاذه من الداخل؟ سؤال يظل مسلطا كسيف. لكن المؤكد أن من يظن نفسه قادراً على إصلاح هذه الفوضى وحيداً، يشبه من يحاول تنظيف مجاري المدينة بيديه العاريتين.
هنا يطل سؤال أخير: هل نملك شجاعة أن ننسحب من القطيع قبل أن يدوسنا؟ أم سنبقى نضحك ونشارك حتى نصحو ذات صباح لنجد أن خسارتنا لم تكن حساباً بنكياً، بل وعياً جمعياً؟
صار من الطبيعي أن يطلّ عليك «مؤثر» لم يقرأ كتاباً في حياته، ليحدثك عن الاقتصاد العالمي، كما لو أنه خبير بورصات، وعن السياسة كصانع قرار، وعن الدين كمفتي الأمة. وكلما علا صراخه ازداد بريقه، وكلما تردت مفرداته، تضاعفت جماهيريته. صار الحق يُقاس بعدد «الإعجابات»، لا بقوة الحجة. وصار الوعي سلعة مقلدة تباع في رفوف المنصات.
هذه ليست مبالغة، بل هي الحقيقة التي نعيشها: نحن أمام نسخة جديدة من القطيع، لكنهم لا يقفون أمام شاشات البورصة، بل أمام شاشات هواتفنا. وكما انهارت السوق المالية في ثلاثينيات القرن الماضي عندما دخلت الحماسة العمياء، ينهار اليوم معنى الحوار والتفكير حين تسيطر الغوغائية على فضائنا الرقمي. الفرق أن المال يمكن أن يُعوّض، أما العقل حين يُستنزف في معارك التفاهة، فقلّما يسترد نقاءه.
الغريب أننا بتنا نضحك ونحن نُهان، ونصفق ونحن نُنهب. نحول الشتيمة إلى «ترند»، والتفاهة إلى «محتوى»، والفارغين إلى «صنّاع رأي». ومن لم يصرخ معنا، اتهمناه بالخيانة أو بالجبن أو بالتواطؤ. أية مأساة هذه التي تجعل أقصر طريق للشهرة أن تكون أكثر الناس انحطاطاً؟
فهل يمكن الحل أن نغلق هواتفنا ونهجر هذا العالم؟ أم أن نتمسك به ونحاول إنقاذه من الداخل؟ سؤال يظل مسلطا كسيف. لكن المؤكد أن من يظن نفسه قادراً على إصلاح هذه الفوضى وحيداً، يشبه من يحاول تنظيف مجاري المدينة بيديه العاريتين.
هنا يطل سؤال أخير: هل نملك شجاعة أن ننسحب من القطيع قبل أن يدوسنا؟ أم سنبقى نضحك ونشارك حتى نصحو ذات صباح لنجد أن خسارتنا لم تكن حساباً بنكياً، بل وعياً جمعياً؟
نيسان ـ نشر في 2025-09-22 الساعة 13:33
رأي: رمزي الغزوي رمزي الغزوي أديب وإعلامي أردني عربي


