الزفاف الجماعي في الأردن.. صرخة أمل في وجه العزوف وزحف الفردانية
فراس عوض
كاتب
نيسان ـ نشر في 2025-09-29 الساعة 21:43
نيسان ـ في عمّان، احتفل عشرون عريسًا وعروسًا بزفاف جماعي أقيم برعاية جمعية أهلية ، قد يبدو الخبر للوهلة الأولى تقليديًا، لكنه في الحقيقة حدث يحمل أبعادًا عميقة تتجاوز حدود الفرح الشخصي ، ليصبح رسالة اجتماعية قوية. ففي زمن يشهد تراجعًا ملحوظًا في معدلات الزواج بين الشباب العربي، يجيء مثل هذا الحفل ليعيد الاعتبار لمؤسسة الأسرة ويذكّرنا بأنها لا تزال حجر الأساس الذي تُبنى عليه المجتمعات.
الأرقام وحدها تكفي لتبيان خطورة ما يجري. خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية، شهدت الدول العربية انخفاضًا مطّردًا في عقود الزواج، بدرجات متفاوتة بين دول المغرب العربي وبلاد الشام. ففي المغرب وتونس والجزائر، تراجعت النسب بشكل لافت، بينما كان الانخفاض أقل حدّة في الأردن وسوريا وربما الخليج، لكنه لا يزال مؤشرًا مقلقًا. أما في الأردن تحديدًا، فقد أظهرت الإحصاءات الرسمية في خير منشور، تراجعًا بنسبة 7% لعامين متتاليين، رغم ازدياد عدد السكان عامًا بعد عام. هذه المعادلة تعني ببساطة أن عزوف الشباب عن الزواج ليس حالة فردية بل ظاهرة اجتماعية متسعة.. وفي مقال لاحق، سيكون تفصيل أكبر لتلك الارقام خلال العقد المنصرم.
إن مؤسسة الزواج في ثقافتنا ليست مجرد عقد قانوني ولا مجرد إطار اجتماعي؛ هي البنية الطبيعية التي تحفظ التوازن بين الأجيال وتضمن استقرار المجتمع. تأخر سن الزواج، خصوصًا عند النساء، لا يمر من دون أثر. الدراسات الطبية تؤكد أن الخصوبة عند المرأة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعمر، وتأجيل الزواج والإنجاب لسنوات طويلة يضعف هذه القدرة ويؤثر على النمو السكاني للأمة. أما عند الرجال، ورغم أن العمر لا يرتبط بنفس الدرجة بالخصوبة، إلا أن تأخر الزواج يترك آثارًا نفسية واجتماعية واضحة: عزلة، فقدان الدافعية، وانقطاع الروابط الاجتماعية التقليدية.
من هنا، فإن الزفاف الجماعي الذي شهده الأردن ليس مجرد احتفال جميل، بل مبادرة جريئة تقول للشباب إن الأبواب لا تزال مفتوحة، وإنه يمكن تجاوز العوائق المادية والاجتماعية إذا تكاتفت الجهود. فالغلاء، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتعقيدات المهور والحفلات الباذخة، كلها عوامل تدفع الشباب إلى التأجيل أو العزوف. وعندما تتدخل مؤسسات المجتمع المدني لتخفيف هذه الأعباء، فهي تعيد التذكير بأن الزواج قيمة أصيلة لا يجب أن تتحول إلى عبء.
وإذا ألقينا نظرة إلى الغرب، سنجد أن المجتمعات التي انجرفت نحو الفردانية ورفعت شعار “الأم العزباء” تعيش اليوم مأزقًا حقيقيًا. ففي الولايات المتحدة مثلًا، تشير إحصاءات مراكز الصحة الرسمية إلى أن نحو 40% من الأطفال يولدون لأمهات غير متزوجات. قد يُرفع هذا النموذج بوصفه حرية شخصية أو بديلًا للأسرة، لكنه ليس صحيًا لا علميًا ولا دينيًا ولا منطقيًا. فالأبحاث تظهر أن الأطفال في الأسر غير المكتملة يعانون أكثر من غيرهم من مشاكل نفسية واجتماعية واقتصادية، وأن غياب الأب أو الأم يترك فراغًا يصعب ملؤه. قد تنجح بعض الأمهات العزب بإرادة صلبة في بناء حياة كريمة لأبنائهن، لكن القاعدة تبقى أن الأسرة الكاملة – بوجود أب وأم – هي الإطار الأمثل لنمو سليم ومستقر. والمجتمع الذي يتجه نحو الفردانية المطلقة يخسر روابطه الإنسانية ويتحوّل إلى فضاء بارد لا يقوم على التكافل، بل على العزلة والتشرذم.
الأهم أن هذه المبادرات تأتي في وقت تحاول فيه بعض الأفكار الوافدة أن تفكك مؤسسة الأسرة من الداخل. هناك خطاب يروّج للعداء بين الرجال والنساء، ويُشيع فكرة الاستغناء عن الزواج باعتباره قيدًا اجتماعيًا. لكن الحقيقة أن المجتمع بلا أسرة متينة يصبح هشًا، فاقدًا لأرضيته المشتركة، عُرضة للانقسام والفوضى. ولذلك فإن تكريم هذه المبادرات ودعمها واجب وطني، لأنها تحافظ على ما هو أثمن من أي إنجاز سياسي أو اقتصادي.. استقرار البيت، وحماية القيم، وإدامة السلسلة التي تصل الماضي بالمستقبل.
قد يقال إن الزواج مسألة شخصية تخص الفرد وحده، لكن الأرقام تثبت العكس. فعندما تتراجع معدلات الزواج، ترتفع نسب العنوسة وتتأخر سن الأمومة والأبوة، ويختل التوازن السكاني، وتزداد مشكلات العزلة والاكتئاب، وتتوسع الهوة بين الأجيال. هذه ليست قضايا فردية بل تحديات جماعية تمس كل بيت في المجتمع. ولذلك فإن كل مبادرة تزرع الفرح في حياة عشرين عريسًا وعروسًا هي في الحقيقة تزرع الطمأنينة في مستقبل أمة بأكملها.
إن هذا المشهد في الأردن يجب أن يُقرأ على أنه دعوة صريحة لإحياء ثقافة التضامن.. دعوة إلى الآباء لتيسير الزواج، إلى المؤسسات لتبني المبادرات، وإلى المجتمع بأسره ليعود إلى قيمه الأصيلة. فمؤسسة الأسرة ليست مجرد ذكرى من الماضي، بل هي ضمانة الحاضر، وأمل المستقبل. وإن تركناها تنهار تحت ثقل الأزمات والضغوط، فلن ينهار معها فرد أو جيل فقط، بل سينهار معها أساس المجتمع بأسره.
ابتسامات العشرين عريسًا وعروسًا التي أضاءت القاعة في تلك الليلة، هي أبلغ رسالة يمكن أن تُقال: أن الأمل لا يزال ممكنًا، وأن بناء البيوت الجديدة هو الطريق الحقيقي لبناء مجتمع متماسك، متوازن، ومؤمن بقيمه...
الأرقام وحدها تكفي لتبيان خطورة ما يجري. خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية، شهدت الدول العربية انخفاضًا مطّردًا في عقود الزواج، بدرجات متفاوتة بين دول المغرب العربي وبلاد الشام. ففي المغرب وتونس والجزائر، تراجعت النسب بشكل لافت، بينما كان الانخفاض أقل حدّة في الأردن وسوريا وربما الخليج، لكنه لا يزال مؤشرًا مقلقًا. أما في الأردن تحديدًا، فقد أظهرت الإحصاءات الرسمية في خير منشور، تراجعًا بنسبة 7% لعامين متتاليين، رغم ازدياد عدد السكان عامًا بعد عام. هذه المعادلة تعني ببساطة أن عزوف الشباب عن الزواج ليس حالة فردية بل ظاهرة اجتماعية متسعة.. وفي مقال لاحق، سيكون تفصيل أكبر لتلك الارقام خلال العقد المنصرم.
إن مؤسسة الزواج في ثقافتنا ليست مجرد عقد قانوني ولا مجرد إطار اجتماعي؛ هي البنية الطبيعية التي تحفظ التوازن بين الأجيال وتضمن استقرار المجتمع. تأخر سن الزواج، خصوصًا عند النساء، لا يمر من دون أثر. الدراسات الطبية تؤكد أن الخصوبة عند المرأة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعمر، وتأجيل الزواج والإنجاب لسنوات طويلة يضعف هذه القدرة ويؤثر على النمو السكاني للأمة. أما عند الرجال، ورغم أن العمر لا يرتبط بنفس الدرجة بالخصوبة، إلا أن تأخر الزواج يترك آثارًا نفسية واجتماعية واضحة: عزلة، فقدان الدافعية، وانقطاع الروابط الاجتماعية التقليدية.
من هنا، فإن الزفاف الجماعي الذي شهده الأردن ليس مجرد احتفال جميل، بل مبادرة جريئة تقول للشباب إن الأبواب لا تزال مفتوحة، وإنه يمكن تجاوز العوائق المادية والاجتماعية إذا تكاتفت الجهود. فالغلاء، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتعقيدات المهور والحفلات الباذخة، كلها عوامل تدفع الشباب إلى التأجيل أو العزوف. وعندما تتدخل مؤسسات المجتمع المدني لتخفيف هذه الأعباء، فهي تعيد التذكير بأن الزواج قيمة أصيلة لا يجب أن تتحول إلى عبء.
وإذا ألقينا نظرة إلى الغرب، سنجد أن المجتمعات التي انجرفت نحو الفردانية ورفعت شعار “الأم العزباء” تعيش اليوم مأزقًا حقيقيًا. ففي الولايات المتحدة مثلًا، تشير إحصاءات مراكز الصحة الرسمية إلى أن نحو 40% من الأطفال يولدون لأمهات غير متزوجات. قد يُرفع هذا النموذج بوصفه حرية شخصية أو بديلًا للأسرة، لكنه ليس صحيًا لا علميًا ولا دينيًا ولا منطقيًا. فالأبحاث تظهر أن الأطفال في الأسر غير المكتملة يعانون أكثر من غيرهم من مشاكل نفسية واجتماعية واقتصادية، وأن غياب الأب أو الأم يترك فراغًا يصعب ملؤه. قد تنجح بعض الأمهات العزب بإرادة صلبة في بناء حياة كريمة لأبنائهن، لكن القاعدة تبقى أن الأسرة الكاملة – بوجود أب وأم – هي الإطار الأمثل لنمو سليم ومستقر. والمجتمع الذي يتجه نحو الفردانية المطلقة يخسر روابطه الإنسانية ويتحوّل إلى فضاء بارد لا يقوم على التكافل، بل على العزلة والتشرذم.
الأهم أن هذه المبادرات تأتي في وقت تحاول فيه بعض الأفكار الوافدة أن تفكك مؤسسة الأسرة من الداخل. هناك خطاب يروّج للعداء بين الرجال والنساء، ويُشيع فكرة الاستغناء عن الزواج باعتباره قيدًا اجتماعيًا. لكن الحقيقة أن المجتمع بلا أسرة متينة يصبح هشًا، فاقدًا لأرضيته المشتركة، عُرضة للانقسام والفوضى. ولذلك فإن تكريم هذه المبادرات ودعمها واجب وطني، لأنها تحافظ على ما هو أثمن من أي إنجاز سياسي أو اقتصادي.. استقرار البيت، وحماية القيم، وإدامة السلسلة التي تصل الماضي بالمستقبل.
قد يقال إن الزواج مسألة شخصية تخص الفرد وحده، لكن الأرقام تثبت العكس. فعندما تتراجع معدلات الزواج، ترتفع نسب العنوسة وتتأخر سن الأمومة والأبوة، ويختل التوازن السكاني، وتزداد مشكلات العزلة والاكتئاب، وتتوسع الهوة بين الأجيال. هذه ليست قضايا فردية بل تحديات جماعية تمس كل بيت في المجتمع. ولذلك فإن كل مبادرة تزرع الفرح في حياة عشرين عريسًا وعروسًا هي في الحقيقة تزرع الطمأنينة في مستقبل أمة بأكملها.
إن هذا المشهد في الأردن يجب أن يُقرأ على أنه دعوة صريحة لإحياء ثقافة التضامن.. دعوة إلى الآباء لتيسير الزواج، إلى المؤسسات لتبني المبادرات، وإلى المجتمع بأسره ليعود إلى قيمه الأصيلة. فمؤسسة الأسرة ليست مجرد ذكرى من الماضي، بل هي ضمانة الحاضر، وأمل المستقبل. وإن تركناها تنهار تحت ثقل الأزمات والضغوط، فلن ينهار معها فرد أو جيل فقط، بل سينهار معها أساس المجتمع بأسره.
ابتسامات العشرين عريسًا وعروسًا التي أضاءت القاعة في تلك الليلة، هي أبلغ رسالة يمكن أن تُقال: أن الأمل لا يزال ممكنًا، وأن بناء البيوت الجديدة هو الطريق الحقيقي لبناء مجتمع متماسك، متوازن، ومؤمن بقيمه...
نيسان ـ نشر في 2025-09-29 الساعة 21:43
رأي: فراس عوض كاتب


