اتصل بنا
 

ما يحتاجه الجمهور

كاتب وصحافي أردني

نيسان ـ نشر في 2025-10-02 الساعة 11:48

نيسان ـ عندما تكون مجبرا على ركوب حافلة في زحمة الصباح العماني المزدحم، أو حتى تقف في طابور الخبز أو الغاز عند دوار الكهرباء في اربد ، ستدرك أن ما تحتاجه حقًا ليس لأغنية جديدة، بل الى نشرة عاجلة من غزة، او معرفة اخبار اسطول الصمود، أو ملخصا سريعا عن السبب في ارتفاع أسعار المحروقات التي سيتبعها بكل تأكيد ارتفاع جنوني في أسعار السلع وتفاقم حاد في معدلات البطالة.
يكفيك أن تحشر نفسك نصف ساعة في أحد حافلات "كوستر" لتضطر الى الاستماع أحد برامج "الراديو إف إم" التي تبث في الأثير العربي، ما زالت منشغلة بأكثر قضايا الأمة إلحاحًا.
قبل سنوات مررت بهذه التجربة التي تكررت معي قبل أيام "إنت بتشبه مين؟" برنامج إذاعي كنت مجبرا على سماعه مع عشرات الركاب، على محطة إذاعية لا تعرف من العالم إلا المشاهير الأمريكيين، واخبار الفنانين والفنانات والعرافيين وضاربي الودع.. ولا تعرف شيئا عن احتياجات البسطاء وهمومهم اليومية.
المذيعة تسأل بنشوة: "بليز يا أحمد، قول إنتَ بتشبه مين؟"
فيرد أحمد بتواضع لا يُحتمل وبعد تردد : "بقولولي إني بشبه جون كلوني."
المذيعة عبر المكروفون تصرخ: "وااااو... جون كلوني في الأردن؟ هذا خبر حصري" .
ثم تعود لتطلب رقم هاتفه، وتنطلق أغنية هابطة، وكأن العالم بألف خير.
كل هذا يحدث، بينما في غزة تُقصف البيوت على رؤوس ساكنيها، وتُدفن الطفولة تحت الركام، وتُحاصر الكرامة في مستشفى أو خيمة.
وفي بلدك، ترتفع الاسعار كل يوم، وتنهار القدرة الشرائية، وتُسرق أحلام الشباب جهارا.
رغم ذلك، تستمر بعض الإذاعات في تقديم برامج "طالعك اليوم"، و"كيف تصطادين عريس أحلامك"، و"حظك مع الأبراج" وكأننا في كوكب لا علاقة له بالمجاعات، الحروب، الانهيارات، والانتهاكات اليومية.
المؤسف أن المواطن العربي لم يعد يجد مساحة للتنفس إلا في قناة "الجزيرة" أو على وسائل التواصل التي رغم فوضويتها، ما زالت تظهر بعض الحقيقة.
وإذا كانت هذه البرامج تفترض أن "هذا ما يحتاجه الجمهور"، على اراي اخونا المصريين "الشعب عايز كده" فإن الشارع قالها بوضوح: لا، مش عايز كده."
الناس خرجت، صرخت، ماتت، جاعت، نزفت وهي لا تطلب كثيرًا:
قليلًا من الحقيقة، وكثيرًا من احترام الوعي،قليلا من الكرامة .. الكرامة فقط

نيسان ـ نشر في 2025-10-02 الساعة 11:48


رأي: محمد المحيسن كاتب وصحافي أردني

الكلمات الأكثر بحثاً