اتصل بنا
 

“أبو إبراهيم”.. صورة بطل ستبقى في الذاكرة

نيسان ـ نشر في 2025-10-07 الساعة 13:21

“أبو إبراهيم”.. صورة بطل ستبقى في
نيسان ـ علي سعادة
مشهدان سيبقيان في الذاكرة الإنسانية لأكثر من 100 عام، صورة يحيى السنوار وهو جالس على الأريكة وخلفه دمار سببه قصف إسرائيلي لغزة، وصورته وهو يلقي عصاه على طائرة مسيرة (الدرون) قبل استشهاده بلحظات كمحاولة أخيرة للمقاومة وبأنه ارتقى مقبلًا حاملًا أخر أسلحته، عصاه التي كان يتوكأ عليها والتي نشرها جيش الاحتلال كرمز لـ”النصر”.
كان الهدف من نشرها التفاخر والغطرسة والزهو بالوصل إلى رمز وطني فلسطيني وعربي وإسلامي، لكنها كانت تكريما لرمزية البطل الذي ظهر بكامل عتاده العسكري وببزة عسكرية حاملا بندقيته ويدافع عن شعبه ووطنه.
الصورة طغت على عملية القتل بحد ذاتها، لم يكن في الأنفاق بأمان، ولم يكن يعيش حياة مترفة كان مقاتلا شأن جميع رجال المقاومة. تسربيها أفقد الاحتلال صورة “النصر” التي كان يسعى إليه.
وحتى قبل استشهاده كان نمط حياته بسيطا جدا وأقل من عادي، يمارس دوره القيادي بهدوء وسرية بعيدا عن التغطية الإعلامية ودون رفاهية.
قائد ذكي وليس سهلا، تربى على يد الشيخ أحمد ياسين، يعرف ماذا يريد ويسعى بكل قوة لتحقيق أهداف المقاوم، كان يسعى للشهادة وقد نالها.
وصفه المسؤول في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) يارون بلوم بأنه: “شخصية كاريزمية، ليس فاسدا، متواضع”.
تعود أصول يحيى السنوار، المولود عام 1962 في مخيم خان يونس، إلى مدينة عسقلان المحتلة عام 1948، التي سقطت في يد الاحتلال في عام 1948 وأصبح اسمها إلى “أشكلون”.
أنهى دراسته الجامعية في “الجامعة الإسلامية” بغزة بدرجة البكالوريوس في اللغة العربية، وكان رئيسا لمجلس الطلاب في الجامعة.
اعتقل أول مرة عام 1982، وبقي رهن الاعتقال الإداري 4 أشهر. وفي 1985 اعتقل مجددا 8 أشهر بعد اتهامه بإنشاء جهاز الأمن الخاص بحركة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الذي عرف باسم “مجد” وتولى الملفات الأمنية الداخلية. وتمكن السنوار حينها من قيادة مجموعة من الكوادر الأمنية وتتبع عدد من العملاء الذين عملوا لصالح الاحتلال. وصار دورها بجانب إجراء التحقيقات مع عملاء الاحتلال، اقتفاء آثار ضباط المخابرات وأجهزة الأمن الإسرائيلية نفسها.
وفي عام 1988، اعتقل مجددا وصدر عليه حكم بالسجن 4 مؤبدات.
وبعد أن قضى نحو 23 عاما داخل السجون الإسرائيلية أفرج عنه في عام 2011 خلال صفقة “وفاء الأحرار”، حيث تم إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وبعد الإفراج عنه أصبح السنوار من أبرز قيادات الحركة في غزة، وبات أحد أعضاء مكتبها السياسي.
ويعد من القيادات الأولى التي أسست كتائب عز الدين القسام.
أدرجته واشنطن في عام 2015 على اللائحة “الإرهابيين الدوليين” مع قائد كتائب القسام الشهيد محمد الضيف، والأسير المحرر روحي مشتهى.
“أبو إبراهيم”، كما يكنى، الذي تعلم اللغة العبرية في السجون الإسرائيلية، كان يمضي ساعات في التحدث مع الإسرائيليين أثناء السجن، وتعلم ثقافتهم، و”كان مدمنا على القنوات الإسرائيلية” يتابعها دون توقف، كما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلي، وقد فهم تماما العقلية الإسرائيلية.
انتخابه رئيسا للمكتب السياسي لـ”حماس” في قطاع غزة، عام 2017، ثم انتخبه لخلافة الشهيد إسماعيل هنية، رئيسا للمكتب السياسي للحركة، جعل الإسرائيليين يعيدون حساباتهم الأمنية والعسكرية من جديد.
دولة الاحتلال كانت تعتبر السنوار “عدوا خطيرا” فهي تصفه بـ”العنيد” و “رئيس جناح الصقور” في “حماس”، كما ترى فيه حكومة الاحتلال نسخة “متطرفة” بالمقارنة مع قيادات أخرى. وقد نشر معهد السياسات والإستراتيجية الإسرائيلية التابع لمركز “هرتسيليا” تقريرا حول شخصية السنوار اعتبر فيه أن السنوار “يغير قواعد اللعبة مع إسرائيل”.
ويعده الاحتلال “وزير دفاع حماس” لأنه حلقة الوصل بين جناحي الحركة السياسي والعسكري.
وصف المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي ريتشارد هيشت، السنوار بأنه “ميت يمشي على الأرض” في إشارة إلى أن الاحتلال يطارده ويتتبعه لقتله.
السنوار، إلى جانب الشهيد محمد الضيف (أبو خالد)، كان مهندس عملية “طوفان الأقصى”، التي نفذتها فصائل فلسطينية بغزة، بينها “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، ضد مستوطنات وقواعد عسكرية إسرائيلية محاذية للقطاع في 7 أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي.
وأعلنت تل أبيب أن القضاء عليه يعد أحد أبرز أهداف حرب الإبادة الجماعية الحالية على غزة.
فيما كشفت وسائل إعلام عبرية بأن جهاز الاستخبارات الداخلية (الشاباك) شكل وحدة خاصة لاغتياله.
وسابقا، نجا السنوار، من عدة محاولات إسرائيلية لاغتياله، منها محاولة بواسطة زرع جسم ملغم في جدار منزله بمدينة خان يونس جنوبي غزة، وأخرى في عام 2021 خلال الحرب الإسرائيلية الرابعة على غزة.
الصورة التي نشرت لجثة السنوار يظهر فيها ارتداؤه “جعبة” عسكرية مخصصة لحمل مخازن الرصاص وعتاد عسكري، وقنابل يدوية إلى جانبه قطعة سلاح أتوماتيكية، تؤشر إلى أنه اشتبك معهم.
الجنود الإسرائيليين الذي وصلوا إلى جثة الســـنوار هم من سربوا الخبر والصور، وقد يعاقب هؤلاء الجـــنود باعتبار أنهم سربوا حدثا سريا وأمنيا، ما أضر بمخطط الحكومة الإســـرائيلية التي أرادت أن تختلق الحدث وتظهر قتل الســـنوار وهو مختبئ في الأنفاق بدون عتاد عسكري وليس وهو يقاتل في الجبهة. وربما إضافة بعض التفاصيل لتشويه صورة الرجل، وإعطاء الجيش هالة إعلامية لا يستحقها.
لكن الاحتلال بدأ يندم على نشر الصورة فالرجل استشهد وهو يقاتل في الجبهة الأمامية في تل السلطان برفح، ولم يكن يختبئ وراء المدنيين كما يزعم الاحتلال وأبواقه الإعلامية في الغرب وفي بعض المحطات العربية، كان يتنقل وسط الاشتباكات ضارية بشكل شبه يومي.
مما يؤشر علي أنه كان قابضا على زناد بندقيته بكامل لباسه العسكري والكوفية طوال عام من المطاردة والضغط العسكري.
الصورة تقول بأن الاستخبارات الإسرائيلية فشلت من جديد في تحديد مكان تواجده، وكان تواجد الجنود محض صدفة.
يحيى السنوار لم يكن قائدا سياسيا وعسكريا في المقاومة فقط، فهو كاتب ومترجم وله الكثير من المؤلفات والترجمات في المجالات السياسية والأمنية، من بين أبرز مؤلفاته:
ترجمة كتاب “الشاباك بين الأشلاء”، وترجمة كتاب “الأحزاب الإسرائيلية عام 1992″، و”حماس: التجربة والخطأ”، وهو كتاب يتناول تجربة “حماس” وتطورها على مر الزمن.
وبالإضافة إلى كتاب “المجد”، كما له رواية أدبية بعنوان “شوك القرنفل”، التي تحكي قصة النضال الفلسطيني منذ عام 1967 حتى انتفاضة الأقصى.
صورته وهو يقاتل كانت نعمة من الله وتكريم إلهي حتى يبقى في الذاكرة كرمز للبطولة والشجاعة.
مضى السنوار الذي نستقبل غدا الذكرى الثانية لطوفانه في ساحة المعركة بتل السلطان في برفح، مقبلاً يواجه أعداءه مباشرة وليس مدبر مديرا ظهره لخصومه وساقيه للريح.
وستبقى صورته بعد استشهاده خالدة في عقول الفلسطينيين والعرب وأحرار العالم بوصفه رجلا شجاعا قاد نضال شعبه وارتقى وهو يقاتل مع رفاق السلاح.
وسيكون في الذكرى الثانية الحاضر الغائب.

نيسان ـ نشر في 2025-10-07 الساعة 13:21

الكلمات الأكثر بحثاً