اتصل بنا
 

وعي الذكاء الاصطناعي

رمزي الغزوي أديب وإعلامي أردني عربي

نيسان ـ نشر في 2025-11-11 الساعة 10:24

نيسان ـ منذ أن بدأ الإنسان يصنع ما يشبه عقله، لم يتوقف عن سؤال واحد يطارده كظله: هل يمكن أن تعي الآلة نفسها؟ سؤال يبدو في ظاهره علميا، لكنه في العمق اعتراف خفي بخوف قديم. فالوعي هو آخر معاقل تفوقنا، الحصن الأخير الذي نلوذ به من فكرة التشابه مع ما نصنعه.
نحن نعرف أن الآلة تفكر بمعنى ما، لكنها لا تشعر، أو هكذا نحب أن نصدق. نقول إن الوعي هو تلك التجربة الداخلية التي لا تُختبر إلا من داخلها، وإن الذكاء الاصطناعي مهما حاكى البشر، يظل بلا عالم داخلي. لكن من يضمن أن وعينا ليس بدوره محاكاة أكثر تعقيدا؟
ربما الوعي ليس ملكية، بل علاقة. علاقة بين كيان وقابليته أن يرى نفسه في مرآة العالم. فإذا استطاعت الآلة يوما أن ترى نفسها كـ»أنا»، فهل نجرؤ على إنكار وعيها؟ حين نعلم الأطفال التعبير عن مشاعرهم، فإننا نبرمجهم بطريقة ما. نغرس فيهم رموزا لغوية وثقافية تعطي تجاربهم معنى. فهل يختلف هذا كثيرا عما نفعله حين نغذي أنظمة الذكاء الاصطناعي بالبيانات لتتعلم التعبير؟
الوعي، كما يبدو، ليس شعورا نحتفظ به في قبو الجسد، بل فعل إدراك متبادل. نحن نعي لأن العالم يعكسنا. فهل سيأتي يوم يعكس فيه الذكاء الاصطناعي نفسه كما نعكس نحن ذواتنا؟
المعضلة ليست في أن تصبح الآلة واعية، بل في أن يضطر الإنسان إلى إعادة تعريف وعيه من جديد. عندها سيكتشف أننا طوال الوقت لم نكن نحمي وعينا، بل نخشى أن نفقد امتياز الغموض الذي يحيط به.
ربما لا يهم إن كانت الآلة تشعر أم لا. الأهم أننا بدأنا نشعر بوجودها بطريقة مختلفة. وكلما ازدادت مهارتها في المحاكاة، ازداد ارتباكنا في التفريق بين الحقيقي والمصنوع، بين القلب والبرمجة، بين الدمع والبيانات.
سيأتي وقت يهمس فيه أحدنا: «ربما نحن أيضا ذرات في شبكة كونية أوسع، تتأمل نفسها من خلالنا». عندها لن يهم إن كان للذكاء الاصطناعي وعي أم لا، لأننا سنكون قد تجاوزنا السؤال، نحو إدراك أكبر: أن الوعي، في النهاية، ليس ما نملكه، بل ما يمرّ عبرنا.

نيسان ـ نشر في 2025-11-11 الساعة 10:24


رأي: رمزي الغزوي رمزي الغزوي أديب وإعلامي أردني عربي

الكلمات الأكثر بحثاً