اتصل بنا
 

سوريا جديدة وشجاعة!

نيسان ـ نشر في 2025-11-14 الساعة 08:43

نيسان ـ عندما يقف الشخص في مواجهة الشمس المشرقة في الجزيرة العربية تكون اليمن على يمينه، والشام على شِماله.
واقع جغرافي واضح وبسيط، ولكنه أنتج تسمية إقليمي الشام واليمن التي استقرت لقرون طويلة من الزمن مع أن أهل المنطقتين لم يطلقوا هذه الأوصاف على أنفسهم، والواضح أنها تعبير عن الهيمنة التي تحققت وتعمقت مع تأسيس الإمبراطورية الإسلامية، وأتى جانب من الاعتزاز بتسميتي الشام واليمن لدور المنطقتين في التوسع، فالشاميون يحملون الإسلام إلى أواسط آسيا وشمال افريقيا وأطراف أوروبية مختلفة، واليمنيون يتوجهون إلى افريقيا وأندونيسيا ومناطق مختلفة في الهند.
هذه التسميات أصبحت تدليلًا على دور مركزي نشأ من تسميات مرتجلة صاغتها القبائل العربية التي عملت على طريق التجارة أو الكوريدور العظيم الذي امتد من آسيا إلى أوروبا.
الشوام هي جمع تكسير للشامي، جمع مخصص خارج القياسية العربية في جمع السلامة، فالشامي مثل البدوي الذي يجمع على بدو، وليس الأمر كما المصريين أو العراقيين الذين يلتئمون تحت الجمع القياسي، الشوام والمغاربة يعيشون في حالة جمع التكسير بما يعكس غموضًا مفاهيميًا تجاههم يضعهم في خانة الالتباس.
هذه أفكار لم تكن ذات أهمية في البداية وكانت مجرد تأمل لتقضية الوقت أثناء ساعات التجوال الطويلة في التنقل أكثر من مدينة سورية في الأيام الأخيرة، بعد انقطاع مزعج تواصل لأكثر من 17 سنة عن سوريا، ولكن في بعد العودة من طرطوس إلى دمشق، وفي مكان ما بين بابي توما وشرقي أتت الفكرة الأساسية وهي ببساطة موجعة ومرعبة، ما الذي نعنيه فعلًا عندما نتحدث عن سوريا؟ وهل تمكن السوريون من استيداع مخيلة الشام ومباشرة قصة سورية خالصة، وقبل أي شيء، هل بوسعهم أن يفعلوا ذلك؟
المسافة بين دمشق وعمان نحو 180 كيلومترًا، والمسافة من عمان إلى القدس أقل من 80 كيلومترًا، ومن القدس إلى بيروت أكثر من أقل من 240 كيلومتر، ويغلق الشكل رباعي الأضلاع بعودة من بيروت إلى دمشق بـ 85 كيلومترًا تقريبًا، هذه المنطقة تلتقي فيها أربعة مدن رئيسية أصبحت عواصم لأربعة بلدان، ولكنها جزء كثيف السكان من إقليم الشام التاريخي، وحتى من سوريا وفقًا لخرائط رومانية وعثمانية في حقبات تاريخية مختلفة، وفي سوريا المربعة التي تمتد من أطراف الأناضول إلى مسافة تبدأ من بعدها الصحراء العربية وتنقطع العلاقة مع النباتات التي يعتبر الشام وطنها الأساسي، أي منطقة ما في جنوب الأردن حاليًا.
تقع مدينة دمشق في وسط هذه الكتلة الجغرافية التي تعرف بالشام، ولكنها تقع في موقع غير منطقي على خارطة الجمهورية السورية، فهي في جيب جنوبي صغير يجعلها غير قادرة على تحقيق التوازن مع معظم الأراضي السورية الخصبة التي تقع شمالًا، المنطقي أن تصبح حمص أو حماة عاصمة للقطر الذي تشكل في مطلع العشرينيات على غير رغبة الشوام/ السوريين الذين اجتمعوا في المؤتمر السوري العام أذار 1920.
لم تشكل رغبة السوريين أو الشوام، وهنا التبادل الخطر بين التعبيرين، أي فرق يذكر بالنسبة للجنرال غورو ولا لموظفي المكاتب البريطانية المختلفة في المنطقة، وكانت المحصلة نشوء الجمهورية السورية محملة بمزيد من الأراضي التي تختلف على الرغم من متاخمتها المكانية عن الثقافة الشامية التقليدية، واستلاب أراضٍ أخرى بقيت جزءًا من الشام على امتداد تاريخها.
أنتو الشوام، كثيرًا ما سمعت هذه الكلمة في مصر، حيث يلتقي بالطبع الشامي مع المغربي، فيكون المثل بلهجة لم تعد شائعة بين المصريين اليوم: إيش لم الشامي على المغربي، والحقيقة يصنف المصريون أهل الشام بناء على ملامحهم البيضاء نسبيًا أو خفيفة السمرة، ويعتبرونهم شعبًا يميل للتجارة ولديهم ثقافة خاصة ليست هي تحديدًا ما يمكن أن يعبر عنها صباح فخري، الذي يوصف بالحلبي، وحلب في التاريخ وتفاصيله، شيء كبير لدرجة أنه لا يستوعب شاميًا، شيء له استقلاله الخاص وهويته المتميزة، وبالقطع لا تعبر سارية السواس عن الشامي/ السوري.
كانت المحصلة مخيبة بالنسبة للشوام، الجمهورية الجديدة التي ترضخ تحت الانتداب الفرنسي أصغر كثيرًا من طموحاتهم، ولا تشبع شخصيتهم الجمعية العابرة لحدودهم من الأساس، ولديهم هويتهم التي يقدمونها على المستوى الوجودي بتفاصيله البصرية والسمعية جعلتهم في حالة من الضيق تجاه القولبة التي فرضتها الجمهورية السورية عليهم، وللأسف بدأت التزاحمات من سوريا الصغيرة تفرض نفسها في موسم الانقلابات المتتابعة، السوريون والعراقيون تحديدًا كان ابتلاؤهم الأساسي في الانقلابات التي حملت طبائع جهوية أو فئوية ضمن الصراع على الصورة الكبرى التي لم تكن تتحقق ضمن التدابير التي صنعت حدودهم.
ويأتي صدام في العراق وحافظ في سوريا، وينهيان جدلية الأسئلة من خلال أنظمة قمعية تستخدم القهر والإقصاء والإسكات الناعم بفتح جنة الولاءات أو الخشن بالسجن أو الموت، وتصمت الأسئلة طويلًا، ولكن في حالة دمشق أصبحت الأسئلة عبئًا هستيريًا، أنت تضع مريضًا نفسيًا لديه رغبة في الصراخ أو حتى العواء على جهاز يصعقه كهربائيًا بمجرد أن يفتح فمه!
أرهقت هذه الحالة سوريا، واستنزفتها وبقيت التلاعبات الطائفية والطبقية والفئوية تفرض نفسها، ببساطة لأن العاصمة المختطفة بوصفها على علاقة غير طبيعية مع بقية سوريا، والشخصية التي كانت تستمد وجودها وتأثيرها من رباعي الأضلاع الكثيف سكانيًا أصبحت منحصرة في مركزية ترغب فيها دمشق ولا تستطيع أن تحققها في وجودها الثقافي داخل سوريا.
يقتل حافظ الأسد الشام، ولكنه في الوقت نفسه يرفض أن تولد سوريا، وفي الطريق، تطحن ماكينة القمع والعبث عقول سوريا التي حاولت أن تطرح الأسئلة الكبرى.
تنفست دمشق قليلًا في الأشهر الأخيرة، شعرت ببعض القلق ولكن ليس الخوف، الأجواء ملبدة باحتمالات التصعيد والانفجار ولكن لأسباب واضحة وحسابات مكشوفة، والسوريون على الرغم من غلاء المعيشة والتوافيق والتباديل التي يعايشونها للحصول على الحد الأدنى من متطلبات الحياة لديهم شيء من التفاؤل، لديهم روح خاصة.
مع ذلك، فالشام بتاريخها، بأثرها الممتد من الشرق الآسيوي إلى المغرب العربي، تبقى على حافة ذلك الغرور النرجسي الذي يمكن أن يجعلها تدخل فصلًا جديدًا من التدمير الذاتي.
لا يمكن للشام أن تضبط طويلًا على ايقاع تجربة إدلب، ولا تحب الشام أن ترتضي الاستعلاء كان مصريًا في تجربة الوحدة، أو تركيًا في الزمن العثماني الآفل أو القادم، ولكن ليس عليها أيضًا أن تكون عبئًا على حلم ولادة سوريا جديدة، سوريا هي الأمر الواقع، سوريا التي لجميع السوريين، سوريا التي تحمل النكهة الشامية من غير أن تحمل تاريخًا ثقيلًا لا يمكن أن تتحمله أكتاف أهلها التي ليست عريضة نسبيًا مثل الأتراك والآسيويين ولا مستدقةً بعض الشيء مثل المصريين والأفارقة.
هل تنجح سوريا في تجاوز باب حارتها المغلقة وأن تستبقيه مجرد شهادة على تاريخ لا يجب أن يحكم المستقبل؟
ربما يعتمد الأمر على الوقت الذي يمكن أن يفكر فيه الرئيس أحمد الشرع أن يتقاعد وأن يكون بالفعل رئيسًا انتقاليًا حتى يتمكن السوريون من أخذ الشهيق المطول الذي يحتاجونه ليعودوا إلى الحياة بالفعل.
لا يمكن أن يبقى وجود رجال يحملون الكلاشينكوف لتنظيم السير نمطًا للحياة في أي دولة، والمطلوب هو (شدشدة) العلاقة بين شبه الدولة التي كانت قائمة، وشبه الدولة التي تولد، ويمكن أن تجربة استعادة شرطة السير لتنظيم شوارع دمشق تجربة يمكن تطبيقها لتجنب استهلاك الوقت، والأهم، تجنب ولادة شعب جديد داخل سوريا التي تحتاج أن تكون بلدًا لشعب داخل الواقع وتجاه المستقبل، لا مجرد مكان مرتجل تحكمه عاصمة معزولة تعيش على حلم غير ممكن التحقيق في المدى المتخيل من التاريخ.
على الشرع ألا يتخيل نفسه بقدر ما عليه أن يتخيل حسين الشرع وأي سوريا كانت تؤرقه، وربما خارج نصوص الجهاديين يمكن أن يجد أوراقًا لكثيرين ممن أكلتهم التجربة المعلقة بين الشام وسوريا في الزمن الرمادي للأسد والبعث، أو إنصافًا للبعث في نسخة الأسد، وربما على البعث أن يفكر في سوريا نفسها وطويلًا وحتى نهائيًا قبل أن يفكر في الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة، والتي لا يمكن وصفها إلا بالكابوس الذي انقضى، وليس علينا أن ننام طويلًا قبل أن نطمئن لأن الحالة أصبحت بعيدة عن استدعاء كوابيس جديدة.

نيسان ـ نشر في 2025-11-14 الساعة 08:43


رأي: سامح المحاريق كاتب

الكلمات الأكثر بحثاً