الوعي الأخلاقي الرقمي وجيل زد ..
حلمي الأسمر
كاتب اردني
حين هزمت غزة الجلاد في ميدان الرواية
نيسان ـ نشر في 2025-11-14 الساعة 11:18
نيسان ـ 13-11-2025 09:33 AM
لم تكن حرب غزة مجرّد مواجهة عسكرية بين قوة احتلال وشعب محاصر، بل كانت تحوّلًا في الوعي الإنساني أعاد تعريف العلاقة بين المعرفة والضمير، بين الصورة والحقيقة، وبين الرواية والعدالة.
ففي زمن ما بعد الحقيقة، حيث تتراجع الوقائع أمام سطوة الخطاب السياسي والإعلامي، جاءت غزة لتفجّر داخل جيلٍ كامل ما يمكن تسميته بـ «الوعي الأخلاقي الرقمي» — وعي يولد من التفاعل الحيّ مع المأساة، لا من تلقين المناهج أو خطاب النخب.
جيل زد: من ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الضمير
جيل زد (Gen Z) هو الجيل الذي تربّى على الشاشات الصغيرة، يتنقّل بين العوالم الافتراضية بلمسة، ويُعرّف ذاته من خلال الصورة والمشاركة والتفاعل.
كان يُظنّ أنه جيل لا يعنيه التاريخ ولا السياسة، لكنه في لحظة الحقيقة اكتشف أن العدالة لا تُبثّ عبر نتفلكس، بل تُكتَب بدماء الأطفال في غزة.
لقد هزّت الحرب منظومته الإدراكية:
تحوّل من متلقٍّ سلبي إلى فاعل أخلاقي، ومن متفرّج على “الترند” إلى مشارك في صناعة الضمير العالمي.
إنها اللحظة التي تجاوز فيها الجيل الرقمي ذاته، حين جعل من أدوات التسلية منصّات للوعي والاحتجاج.
غاي كريستيانسن: تجلّي التحوّل في الذات الغربية
يقدّم الشاب الأمريكي غاي كريستيانسن نموذجًا مكثّفًا لهذا التحوّل.
كان مؤثرًا ترفيهيًا على «تيك توك»، يتابع حسابه ملايين الشباب الذين وجدوا في محتواه روح الدعابة العصرية.
لكن مع مشاهد الإبادة في غزة، حدث انكسار وجودي في وعيه.
بدأ يقرأ، يتحقّق، يقارن، ويعيد مساءلة الرواية التي ترسّخت في وعيه منذ الطفولة.
وفي لحظة نضوج أخلاقي، خرج ليقول للعالم:
- «من يقتل الأطفال ليس ديمقراطيًا، ومن يقصف المستشفيات لا يدافع عن نفسه».
لم يكن ما فعله مجرد تصريح عابر، بل فعل تمرّد معرفي ضد المؤسسة الإعلامية الغربية.
تحوّل كريستيانسن من مؤثر رقمي إلى شاهد أخلاقي على زيف الحضارة الغربية حين تتواطأ مع القتل.
ومع حذف حسابه واتهامه بمعاداة السامية، تحوّل إلى رمز لما يمكن تسميته «اضطهاد الوعي» — حين يصبح قول الحقيقة جريمة في المجتمعات التي تزعم حرية التعبير.
غزة وميلاد الضمير العالمي الجديد
غزة لم تغيّر فقط وعي جيلٍ من العرب أو المسلمين، بل أعادت ترتيب الهرم الأخلاقي للعالم الرقمي.
فقد كسرت الاحتكار الغربي للرواية، وفضحت انفصام الخطاب الإنساني الذي يبرّر قتل الأبرياء باسم “الدفاع عن النفس”.
من جامعات أمريكا إلى شوارع باريس ولندن، خرج شباب يرفعون علم فلسطين لا بوصفه راية سياسية، بل رمزًا للعدالة الكونية.
لقد تجاوز التضامن مع غزة حدود الهوية والدين، وأصبح لغة مشتركة بين الأرواح التي تؤمن أن الإنسان أكبر من الجغرافيا.
وهكذا ولدت حركة عالمية جديدة: حركة الضمير الرقمي، التي لا تُدار من غرف الأخبار، بل من هواتف الشباب ومشاعرهم الخام.
حين تهزم الصورة الرواية
الاحتلال الإسرائيلي يملك أقوى آلة إعلامية في العالم، لكنه خسر حرب الوعي.
فالمشاهد التي نقلها أهل غزة بأيديهم — من تحت الركام، من المستشفيات المدمرة، من الأحياء الممزقة — كانت أقوى من ألف بيان سياسي.
لقد استطاعت الكاميرا الصغيرة أن تهزم الدبابة الكبرى، وأن تُعيد ترتيب ميزان القوى في الإدراك الإنساني:
لم يعد الجلاد هو من يكتب التاريخ، بل الضحية التي تملك اتصالًا بالإنترنت.
إنها المرة الأولى في التاريخ التي يهزم فيها المقهورُ القاهرَ في ميدان الرواية.
الوعي الأخلاقي الرقمي: فلسفة جديدة للحرية
ما الذي نعنيه بهذا المصطلح؟
الوعي الأخلاقي الرقمي هو إدراك إنساني يولد من التفاعل مع المعاناة الحقيقية عبر الوسائط،
إنه وعي حرّ من الوصاية، غير مؤدلج، عابر للهويات.
يؤمن بأن الصورة الصادقة يمكن أن تكون محرّكًا للتحرّر الوجداني، وأن المشهد الواحد قادر على تقويض منظومات الهيمنة.
بهذا المعنى، تحوّلت غزة إلى مختبر أخلاقي عالمي، أعاد تعريف مفهوم الحرية في عصر الرقمنة:
لم تعد الحرية ترفًا فرديًا في الغرب، بل التزامًا أخلاقيًا بالعدالة في الجنوب العالمي.
خاتمة: من الحطام يولد الوعي
لقد فجّرت غزة في قلب العالم صدمة أخلاقية جماعية ستظلّ آثارها ممتدة لعقود.
جيل زد خرج من هذه التجربة بوعي جديد:
يدرك أن المعلومة ليست محايدة، وأن الصورة ليست ترفًا بصريًا، وأن الحقيقة لا تُمنح من فوق، بل تُنتزع من تحت الركام.
من رحم المأساة الفلسطينية وُلدت ثورة في الضمير الإنساني — ثورة رقمية بلا سلاح، يقودها جيل بلا خوف،
جيل يؤمن أن العدالة لا تحتاج إلى دبابات، بل إلى وعيٍ لا يمكن إسكاتُه.
وهكذا، في زمن يسوده الزيف، انتصرت غزة بالحقيقة،
وانتصر الإنسان حين قال للعالم:
- «لن يُروى التاريخ من فم الجلاد بعد اليوم.»
لم تكن حرب غزة مجرّد مواجهة عسكرية بين قوة احتلال وشعب محاصر، بل كانت تحوّلًا في الوعي الإنساني أعاد تعريف العلاقة بين المعرفة والضمير، بين الصورة والحقيقة، وبين الرواية والعدالة.
ففي زمن ما بعد الحقيقة، حيث تتراجع الوقائع أمام سطوة الخطاب السياسي والإعلامي، جاءت غزة لتفجّر داخل جيلٍ كامل ما يمكن تسميته بـ «الوعي الأخلاقي الرقمي» — وعي يولد من التفاعل الحيّ مع المأساة، لا من تلقين المناهج أو خطاب النخب.
جيل زد: من ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الضمير
جيل زد (Gen Z) هو الجيل الذي تربّى على الشاشات الصغيرة، يتنقّل بين العوالم الافتراضية بلمسة، ويُعرّف ذاته من خلال الصورة والمشاركة والتفاعل.
كان يُظنّ أنه جيل لا يعنيه التاريخ ولا السياسة، لكنه في لحظة الحقيقة اكتشف أن العدالة لا تُبثّ عبر نتفلكس، بل تُكتَب بدماء الأطفال في غزة.
لقد هزّت الحرب منظومته الإدراكية:
تحوّل من متلقٍّ سلبي إلى فاعل أخلاقي، ومن متفرّج على “الترند” إلى مشارك في صناعة الضمير العالمي.
إنها اللحظة التي تجاوز فيها الجيل الرقمي ذاته، حين جعل من أدوات التسلية منصّات للوعي والاحتجاج.
غاي كريستيانسن: تجلّي التحوّل في الذات الغربية
يقدّم الشاب الأمريكي غاي كريستيانسن نموذجًا مكثّفًا لهذا التحوّل.
كان مؤثرًا ترفيهيًا على «تيك توك»، يتابع حسابه ملايين الشباب الذين وجدوا في محتواه روح الدعابة العصرية.
لكن مع مشاهد الإبادة في غزة، حدث انكسار وجودي في وعيه.
بدأ يقرأ، يتحقّق، يقارن، ويعيد مساءلة الرواية التي ترسّخت في وعيه منذ الطفولة.
وفي لحظة نضوج أخلاقي، خرج ليقول للعالم:
- «من يقتل الأطفال ليس ديمقراطيًا، ومن يقصف المستشفيات لا يدافع عن نفسه».
لم يكن ما فعله مجرد تصريح عابر، بل فعل تمرّد معرفي ضد المؤسسة الإعلامية الغربية.
تحوّل كريستيانسن من مؤثر رقمي إلى شاهد أخلاقي على زيف الحضارة الغربية حين تتواطأ مع القتل.
ومع حذف حسابه واتهامه بمعاداة السامية، تحوّل إلى رمز لما يمكن تسميته «اضطهاد الوعي» — حين يصبح قول الحقيقة جريمة في المجتمعات التي تزعم حرية التعبير.
غزة وميلاد الضمير العالمي الجديد
غزة لم تغيّر فقط وعي جيلٍ من العرب أو المسلمين، بل أعادت ترتيب الهرم الأخلاقي للعالم الرقمي.
فقد كسرت الاحتكار الغربي للرواية، وفضحت انفصام الخطاب الإنساني الذي يبرّر قتل الأبرياء باسم “الدفاع عن النفس”.
من جامعات أمريكا إلى شوارع باريس ولندن، خرج شباب يرفعون علم فلسطين لا بوصفه راية سياسية، بل رمزًا للعدالة الكونية.
لقد تجاوز التضامن مع غزة حدود الهوية والدين، وأصبح لغة مشتركة بين الأرواح التي تؤمن أن الإنسان أكبر من الجغرافيا.
وهكذا ولدت حركة عالمية جديدة: حركة الضمير الرقمي، التي لا تُدار من غرف الأخبار، بل من هواتف الشباب ومشاعرهم الخام.
حين تهزم الصورة الرواية
الاحتلال الإسرائيلي يملك أقوى آلة إعلامية في العالم، لكنه خسر حرب الوعي.
فالمشاهد التي نقلها أهل غزة بأيديهم — من تحت الركام، من المستشفيات المدمرة، من الأحياء الممزقة — كانت أقوى من ألف بيان سياسي.
لقد استطاعت الكاميرا الصغيرة أن تهزم الدبابة الكبرى، وأن تُعيد ترتيب ميزان القوى في الإدراك الإنساني:
لم يعد الجلاد هو من يكتب التاريخ، بل الضحية التي تملك اتصالًا بالإنترنت.
إنها المرة الأولى في التاريخ التي يهزم فيها المقهورُ القاهرَ في ميدان الرواية.
الوعي الأخلاقي الرقمي: فلسفة جديدة للحرية
ما الذي نعنيه بهذا المصطلح؟
الوعي الأخلاقي الرقمي هو إدراك إنساني يولد من التفاعل مع المعاناة الحقيقية عبر الوسائط،
إنه وعي حرّ من الوصاية، غير مؤدلج، عابر للهويات.
يؤمن بأن الصورة الصادقة يمكن أن تكون محرّكًا للتحرّر الوجداني، وأن المشهد الواحد قادر على تقويض منظومات الهيمنة.
بهذا المعنى، تحوّلت غزة إلى مختبر أخلاقي عالمي، أعاد تعريف مفهوم الحرية في عصر الرقمنة:
لم تعد الحرية ترفًا فرديًا في الغرب، بل التزامًا أخلاقيًا بالعدالة في الجنوب العالمي.
خاتمة: من الحطام يولد الوعي
لقد فجّرت غزة في قلب العالم صدمة أخلاقية جماعية ستظلّ آثارها ممتدة لعقود.
جيل زد خرج من هذه التجربة بوعي جديد:
يدرك أن المعلومة ليست محايدة، وأن الصورة ليست ترفًا بصريًا، وأن الحقيقة لا تُمنح من فوق، بل تُنتزع من تحت الركام.
من رحم المأساة الفلسطينية وُلدت ثورة في الضمير الإنساني — ثورة رقمية بلا سلاح، يقودها جيل بلا خوف،
جيل يؤمن أن العدالة لا تحتاج إلى دبابات، بل إلى وعيٍ لا يمكن إسكاتُه.
وهكذا، في زمن يسوده الزيف، انتصرت غزة بالحقيقة،
وانتصر الإنسان حين قال للعالم:
- «لن يُروى التاريخ من فم الجلاد بعد اليوم.»
نيسان ـ نشر في 2025-11-14 الساعة 11:18
رأي: حلمي الأسمر كاتب اردني


