أوغاريت… حياة شعبٍ كتب وجوده التاريخي بالعقل والقلم والطين.
نيسان ـ نشر في 2025-11-20 الساعة 11:16
نيسان ـ ذات يوم نهضت أوغاريت مثل معجزةٍ تحكي قصة مدينةٌ فتحت أبوابها للغات العالم قبل آلاف السنين واحتضنت ثقافاتٍ جاءت من البرّ والبحر والريح. وفي قلبها كان القصر الملكي يقف مثل قلعةٍ من الحكمة يلمع طينه ورخامه تحت شمسٍ قديمة يخفي وراء جدرانه أسرار الحكم وسجلات التجارة وصوت الكتبة الذين صنعوا ذاكرة هذه المملكة العظيمة..
لم يكن الكتّاب في أوغاريت مجرّد ناسخين كانوا أشبه بحرس المعرفة صناع الذاكرة الأولى يحملون مصير الإدارة والاقتصاد والقانون والثقافة وحتى الروح الدينية فوق ألواحٍ من طينٍ رطب.
ومع كل رقيمٍ يجفّ تحت الشمس كانوا يسجّلون نبض الحياة اليومية للمملكة: عقود البيع مراسلات الملوك سجلات الضرائب والمعاهدات الدولية.
كانوا شهوداً على كل شيء…وعيونهم التي تجيد قراءة العلامة والحرف المسْماري هي التي منحتنا اليوم القدرة على رؤية عالمهم.
من بين كل اكتشافات أوغاريت كان القصر الملكي أغزرها وأغناها.
ففي غرف أرشيفه الشرقي والغربي وُجدت المحفوظات الكتابية التي كشفت عن حقيقة مذهلة:
ثماني لغات وخمس طرق للكتابة كانت متداولة في أوغاريت!
مدينة صغيرة بمقاييس اليوم لكنها تشبه مرفأً للكواكب تتقاطع فيها أصوات الشعوب:
الأكادية والأوغاريتية (واسعتا الانتشار)
السومرية الحثية الحورية اللوفية
المصرية القديمة بنقوشها المقدسة
وربما القبرصية المينوية التي بقي وجودها غير مؤكد
هذا التنوع اللغوي لم يكن ترفاً…بل كان مرآةً لازدهار العلاقات الاقتصادية والسياسية التي جعلت أوغاريت تستحق بحق وسام “العالمية اللغوية” منذ الألف الثاني قبل الميلاد ..لم يكن موقع أوغاريت صدفة.
فـ رأس الشمرة كانت تتصل مباشرةً بمينائها الحيوي مينة البيضا بوابة على العالم الذي ضجّ بحركة السفن والبحارة والتجّار القادمين من قبرص بلاد الأناضول دلتا النيل وبلاد الرافدين.
كانت الأصوات تختلط في الساحات:
لغاتٌ متعددة أزياء مختلفة وتقاليد تتجاور دون أن تتصادم.
وفي هذا الازدحام العالمي ازدادت الحاجة إلى كُتّاب يجيدون العبور بين اللغات كما يعبر التاجر بوابة البحر.
من بين النصوص القانونية التي حملتها ألواح الطين برزت وثيقة تكاد تنطق بحياتها:
"بدءاً من اليوم فإن نقماد بن عميشتمر وملك أوغاريت قد صادر المنزل والأراضي وكل شيء من ياسليمانو بن عليشي الذي أخلّ بواجبه وأعطاها إلى أوانومو.
سيقوم أوانومو على خدمة المنزل وفي المستقبل لن ينتزعه منه أحد."
إنها ليست مجرد جملة…
إنها قطعة من حياة ناسٍ عاشوا قبل ثلاثة آلاف وخمسمئة عام يؤكد أن الكتبة كانوا موظّفين رسميين بيدهم سلطة توثيق العقود وحفظ الحقوق وتسجيل كل انتقال للملكية بإذن الملك.
الوراثة المهنية… عندما ينتقل الطين من الأب إلى الابن
كان من المألوف أن يرث الابن مهنة النسخ من أبيه.
تذكر النصوص شجرة نسب “نعم-رشب” التي برهنت أن مهارة الكتابة كانت تنتقل كأنها إرثٌ مقدس.
ومع ذلك كشف القصر الملكي عن وجود تمارين للتلاميذ بخطوط غير متقنة تدل على أن التعليم كان منظماً ومؤسساتياً.
كان المنهاج واحداً للغتين الأساسيتين: الأكادية والأوغاريتية.
يبدأ المشوار بنسخ العلامات ثم المقاطع ثم الكلمات ثم أسماء العلم.
لكن الفارق كان واضحاً:
الأكادية تحتاج إلى حفظ مئات الإشارات
الأوغاريتية لم تتجاوز 30 حرفاً فقط!
لهذا غدت الكتابة الأوغاريتية أول نظام أبجدي مؤسساتي في التاريخ ممولٌ رسمياً من السلطة الملكية ومستخدمٌ في جميع الإدارات: من المعابد إلى الدواوين التجارية.
تنقسم النصوص الأوغاريتية إلى نوعين كبيرين:
1. نصوص الحياة اليومية
عقود البيع، قوائم الجرد، السجلات الاقتصادية، المراسلات الرسمية…
2. نصوص التقاليد
الأدعية النصوص الطقسية الأساطير، القصص والحِكم التي حملت تراث أوغاريت الثقافي والمعرفي.
وهكذا لم تحفظ ألواح الطين إدارة المملكة فقط…
بل حفظت روحها.
عاشق أوغاريت… غسّان القيّم
تعتمد هذه الدراسة على:
التقارير العلمية ووثائق بعثات التنقيب الأثرية في رأس الشمرة.
دراسات متخصصة في علم اللغات القديمة والدراسات الأوغاريتية.
تحليل الأرشيفين الملكيين والوثائق القانونية المكتشفة في القصر.
لم يكن الكتّاب في أوغاريت مجرّد ناسخين كانوا أشبه بحرس المعرفة صناع الذاكرة الأولى يحملون مصير الإدارة والاقتصاد والقانون والثقافة وحتى الروح الدينية فوق ألواحٍ من طينٍ رطب.
ومع كل رقيمٍ يجفّ تحت الشمس كانوا يسجّلون نبض الحياة اليومية للمملكة: عقود البيع مراسلات الملوك سجلات الضرائب والمعاهدات الدولية.
كانوا شهوداً على كل شيء…وعيونهم التي تجيد قراءة العلامة والحرف المسْماري هي التي منحتنا اليوم القدرة على رؤية عالمهم.
من بين كل اكتشافات أوغاريت كان القصر الملكي أغزرها وأغناها.
ففي غرف أرشيفه الشرقي والغربي وُجدت المحفوظات الكتابية التي كشفت عن حقيقة مذهلة:
ثماني لغات وخمس طرق للكتابة كانت متداولة في أوغاريت!
مدينة صغيرة بمقاييس اليوم لكنها تشبه مرفأً للكواكب تتقاطع فيها أصوات الشعوب:
الأكادية والأوغاريتية (واسعتا الانتشار)
السومرية الحثية الحورية اللوفية
المصرية القديمة بنقوشها المقدسة
وربما القبرصية المينوية التي بقي وجودها غير مؤكد
هذا التنوع اللغوي لم يكن ترفاً…بل كان مرآةً لازدهار العلاقات الاقتصادية والسياسية التي جعلت أوغاريت تستحق بحق وسام “العالمية اللغوية” منذ الألف الثاني قبل الميلاد ..لم يكن موقع أوغاريت صدفة.
فـ رأس الشمرة كانت تتصل مباشرةً بمينائها الحيوي مينة البيضا بوابة على العالم الذي ضجّ بحركة السفن والبحارة والتجّار القادمين من قبرص بلاد الأناضول دلتا النيل وبلاد الرافدين.
كانت الأصوات تختلط في الساحات:
لغاتٌ متعددة أزياء مختلفة وتقاليد تتجاور دون أن تتصادم.
وفي هذا الازدحام العالمي ازدادت الحاجة إلى كُتّاب يجيدون العبور بين اللغات كما يعبر التاجر بوابة البحر.
من بين النصوص القانونية التي حملتها ألواح الطين برزت وثيقة تكاد تنطق بحياتها:
"بدءاً من اليوم فإن نقماد بن عميشتمر وملك أوغاريت قد صادر المنزل والأراضي وكل شيء من ياسليمانو بن عليشي الذي أخلّ بواجبه وأعطاها إلى أوانومو.
سيقوم أوانومو على خدمة المنزل وفي المستقبل لن ينتزعه منه أحد."
إنها ليست مجرد جملة…
إنها قطعة من حياة ناسٍ عاشوا قبل ثلاثة آلاف وخمسمئة عام يؤكد أن الكتبة كانوا موظّفين رسميين بيدهم سلطة توثيق العقود وحفظ الحقوق وتسجيل كل انتقال للملكية بإذن الملك.
الوراثة المهنية… عندما ينتقل الطين من الأب إلى الابن
كان من المألوف أن يرث الابن مهنة النسخ من أبيه.
تذكر النصوص شجرة نسب “نعم-رشب” التي برهنت أن مهارة الكتابة كانت تنتقل كأنها إرثٌ مقدس.
ومع ذلك كشف القصر الملكي عن وجود تمارين للتلاميذ بخطوط غير متقنة تدل على أن التعليم كان منظماً ومؤسساتياً.
كان المنهاج واحداً للغتين الأساسيتين: الأكادية والأوغاريتية.
يبدأ المشوار بنسخ العلامات ثم المقاطع ثم الكلمات ثم أسماء العلم.
لكن الفارق كان واضحاً:
الأكادية تحتاج إلى حفظ مئات الإشارات
الأوغاريتية لم تتجاوز 30 حرفاً فقط!
لهذا غدت الكتابة الأوغاريتية أول نظام أبجدي مؤسساتي في التاريخ ممولٌ رسمياً من السلطة الملكية ومستخدمٌ في جميع الإدارات: من المعابد إلى الدواوين التجارية.
تنقسم النصوص الأوغاريتية إلى نوعين كبيرين:
1. نصوص الحياة اليومية
عقود البيع، قوائم الجرد، السجلات الاقتصادية، المراسلات الرسمية…
2. نصوص التقاليد
الأدعية النصوص الطقسية الأساطير، القصص والحِكم التي حملت تراث أوغاريت الثقافي والمعرفي.
وهكذا لم تحفظ ألواح الطين إدارة المملكة فقط…
بل حفظت روحها.
عاشق أوغاريت… غسّان القيّم
تعتمد هذه الدراسة على:
التقارير العلمية ووثائق بعثات التنقيب الأثرية في رأس الشمرة.
دراسات متخصصة في علم اللغات القديمة والدراسات الأوغاريتية.
تحليل الأرشيفين الملكيين والوثائق القانونية المكتشفة في القصر.


