اتصل بنا
 

ذكاء المقاومة.. من تفكيك “الأحجية” إلى صناعة تفوق استراتيجي

نيسان ـ نشر في 2025-11-24 الساعة 08:51

ذكاء المقاومة.. من تفكيك “الأحجية” إلى
نيسان ـ في كشفٍ وُصف داخل الأوساط العسكرية الإسرائيلية بأنه “صادم”، أعلنت إذاعة جيش الاحتلال عن معلومات سرية تُنشر للمرة الأولى، تشير إلى أن كتائب القسام نجحت خلال هجوم السابع من أكتوبر 2023 في تعطيل دبابات “ميركافا” عبر ما وصفته الإذاعة بـ”زر سري”.
ووفق الرواية الإسرائيلية؛ فإن “حماس” جمعت على مدار سنوات صوراً وتوثيقات وتسجيلات داخلية نشرتها حسابات جنود سلاح المدرعات على الشبكات الاجتماعية، إضافة إلى مواد تدريبية من قواعد ومراكز التعليم العسكري. ومن خلال تحليل هذه المواد وربط تفاصيلها الدقيقة؛ بنت الحركة برنامجاً تدريبياً متكاملاً شمل محاكاة إلكترونية ونماذج بالحجم الحقيقي للدبابة، ما مكّن عناصرها من فهم آليات التشغيل والتعطيل والتعامل مع أكثر منظومات الاحتلال تطوراً.
ويعيد هذا الكشف، الذي جاء بعد عامين على الهجوم، تسليط الضوء على جانب حاسم في أداء المقاومة الفلسطينية، يجمع بين الذكاء الاستراتيجي بعيد المدى، والقدرة العالية على التخطيط الهيكلي، والعمل الاستخباراتي الصامت الذي يُبنى بصبرٍ وتراكمٍ وقراءة دقيقة للثغرات.
فبينما تعاملت الأجهزة الإسرائيلية مع تدريبات “حماس” باعتبارها “استعراضات” لا قيمة عسكرية لها، كانت داخل غزة تُصاغ هندسة عملياتية معقدة، تُبنى على جمع معلومة صغيرة هنا، وتوثيق عابر هناك، حتى تكتمل لدى المقاومة صورة واضحة لمنظومات الاحتلال التي طالما اعتُبرت “محصّنة”.
وتكشف قدرة المقاومة على تحويل المحتوى المفتوح على وسائل التواصل إلى معرفة استخباراتية قابلة للاستخدام، مستوىً متقدمًا من الوعي التقني والعملياتي. فالمسألة لم تكن تجميع صور متفرقة، بل تحويلها إلى بنية معرفية كاملة تُدرَّس، وتُنمذج، وتُحاكى، ثم تُسقط في الميدان ضمن خطط هجومية دقيقة. وهذا الشكل من العمل – الذي يمزج الاستخبارات بالمحاكاة بالتدريب الميداني – لا يتوفر عادة إلا في جيوش نظامية كبيرة تمتلك مؤسسات راسخة.
كما يُظهر هذا السياق أن المقاومة لا تتعامل مع الصراع بوصفه مواجهة آنية، بل معركة تراكم؛ فكل معلومة تُختزن، وكل تجربة تُقاس، وكل ثغرة تُسجّل، قبل أن تُوظف في توقيت استراتيجي مناسب. وما كشفته الإذاعة الإسرائيلية ليس سوى نموذج صغير لفلسفة عسكرية أوسع اعتمدتها المقاومة، تتمثل في تشغيل المعرفة لتقويض التفوق التقني الإسرائيلي، والبحث عن مفاتيح المنظومات المعقدة لاختراقها أو تعطيلها أو تحويلها إلى عبء على جيش الاحتلال بدل أن تكون مصدر قوته.
وتبرز في هذا الجانب أيضاً قدرة المقاومة على التفكير خارج القوالب التقليدية. ففكرة السيطرة على دبابات الاحتلال وقيادتها إلى داخل غزة – وفق ما كشفت الإذاعة – ليست مجرد جرأة عملياتية، بل رؤية مركبة تُسائل المسلّمات التي قامت عليها العقيدة القتالية الإسرائيلية، إذ إنها تحوّل القوة المتفوقة إلى نقطة ضعف قابلة للاستغلال، وتجعل من معدات الاحتلال الثقيلة جزءاً من معادلة الاشتباك بدل أن تكون “خطاً أحمر” عصياً على الاقتراب.
ما يظهر من هذه المعطيات مجتمعة هو أن المقاومة باتت تمتلك منظومة تفكير متقدمة تقوم على جمع المعرفة، وبناء القدرات، واستثمار الزمن في خلق بيئة عملياتية متماسكة. وليست هي مجرد فصائل تتحرك بردود فعل، بل بنية عسكرية – استخباراتية قادرة على بناء خطط ممتدة، والتعلم من تجاربها، وإعادة تشكيل قواعد الاشتباك بما يتجاوز التوقعات التقليدية للخصم.
وإذا كانت دبابة “ميركافا” – باعتبارها العمود الفقري لسلاح المدرعات الإسرائيلي – قد شكلت لسنوات رمز التفوق التكنولوجي للاحتلال؛ فإن قدرة المقاومة على تعطيلها، أو فهم بنيتها التشغيلية بهذا العمق، تمثل إعلاناً جديداً عن انتقال الصراع إلى مستوى أكثر تعقيداً.. مستوى يتقدّم فيه العقل على العتاد، وتُهزم فيه التكنولوجيا حين تواجه عدواً يعرف كيف يقرأها ويعيد صياغتها ضده.

نيسان ـ نشر في 2025-11-24 الساعة 08:51

الكلمات الأكثر بحثاً