كيف تحجب نصف الحقيقة..العنف ضدّ الرجال واقعٌ صامت لا يراه أحد
فراس عوض
كاتب
نيسان ـ نشر في 2025-11-30 الساعة 09:54
نيسان ـ كل عام، تبدأ حملة 16 يوم المعتادة لمناهضة العنف ضد المرأة، وتتحرك معها مؤسسات المرأة بالجملة بخطاب متدفق وشعارات مكثفة، وتنتشر الرسائل والبيانات والمبادرات التي تُضيء جانبًا مهمًا من المشكلة الاجتماعية. غير أن هذا الزخم كله يُبقي نصف الحقيقة في الظل. فالرجل، كما يحدث في معظم القضايا الاجتماعية، لا يلتفت إليه أحد ولا يجد مؤسسة تتحدث باسمه ولا ممول لأحد يتحدث عن مظالمه، لأنه ببساطة يتقن الصمت. يتألم بصمت، يواجه بصمت، وينكسر بصمت، حتى أصبحت معاناته غير مرئية، لا لأنها غير موجودة، بل لأن المجتمع اعتاد ألّا يسمع صوتًا لا يشتكي.
لكن القراءة التوازنية والوعي الكلاني يفرضان علينا الاعتراف بأن العنف ليس قضية أنثى فقط، بل قضية إنسانية. والواقع العالمي يكشف صورة تُناقض ما تروّج له السرديات السائدة. ففي الولايات المتحدة، تُظهر تقارير CDC أن واحدًا من كل أربعة رجال تعرّض لشكل من أشكال العنف النفسي أو الجسدي من شريكة حياته، بينما تُشير National Intimate Partner and Sexual Violence Survey إلى أن ما يقارب 10% من الرجال تعرضوا لعنف جسدي شديد. وفي بريطانيا، يكشف Office for National Statistics أن نحو 700 ألف رجل يبلّغون سنويًا عن تعرّضهم للعنف الأسري، في حين تتوقع الجهات المختصة أن الأعداد أكبر بكثير لأن أغلب الرجال يمتنعون عن التبليغ خوفًا من الوصمة أو الاتهام أو السخرية. وفي أستراليا، تشير دراسات حديثة لعام 2022 إلى أن ربع الرجال تقريبًا مرّوا بتجربة إساءة عاطفية، وأن 18% منهم تعرضوا لتلاعب نفسي أو تهديدات تمسّ علاقتهم بأبنائهم.
هذا الواقع لا يقل خطورة عن أي شكل من أشكال العنف ضد المرأة؛ بل إنه يسلط الضوء على منظومة أوسع من الألم الإنساني الذي يجري تجاهله عمدًا. فالعنف ضد الرجل غالبًا ما يتخذ شكلاً ناعمًا يصعب رؤيته: إهانة مستمرة، استهزاء بقدراته، إذلال متكرر، تشكيك برجولته، تحميله مسؤوليات تفوق طاقته، واستنزاف مالي يصل حدّ السيطرة الاقتصادية عليه. وتشير مراجعات Journal of Family Issues إلى أن ما بين 30% إلى 40% من الرجال تعرضوا لإساءات مالية أو اقتصادية داخل العلاقة، بينما تتحدث تقارير Men’s Advice Line UK عن ارتفاع نسب البلاغات الكيدية في قضايا الانفصال، وهي قضايا كثيرًا ما تُغلق لعدم وجود أدلة، لكن أثرها النفسي والاجتماعي يظلّ كارثيًا على الرجل.
ويأخذ العنف ضد الرجل أشكالًا أكثر تعقيدًا في الإطار القانوني والاجتماعي، فالقوانين المصممة لحماية المرأة قد تتحول في بعض الأحيان إلى أدوات تُستخدم ضده، سواء عبر تهديدات مستمرة أو استغلال للحضانة أو النفقة أو إجراءات المحاكم. أما العنف الاجتماعي، فهو الأكثر فتكًا، لأنه يدفع الرجل إلى دفن معاناته في داخله. فحين يبكي الرجل يُسخر منه، وحين يشتكي يُتّهم بالضعف، وحين يتحدث عن ظلمٍ تعرّض له يُقابَل بالتجاهل، كأن ألمه لا يستحق الانتباه. وحتى العنف الجنسي الذي يتعرض له بعض الرجال – كما تشير مراجعات International Review of Victimology التي وجدت أن رجلًا واحدًا من كل ستة مرّ بتجربة تحرش أو اعتداء – لا يزال من المحرمات الكبرى التي لا يجد الرجل فيها ملاذًا آمنًا للبوح أو العلاج أو التعافي.
إن الأزمة ليست في وجود العنف، بل في غياب العدالة. فحين نرى العالم كلّه يتحدث عن نصف الضحايا ويتجاهل النصف الآخر، فإننا نخلق خللًا أخلاقيًا ومعرفيًا يعمّق الانقسام بدل أن يعالج جذور المشكلة. والوعي التوازني لا يُقصي امرأة ولا يبرر لرجل، بل يضع الإنسان قبل الجنس، والكرامة قبل الهوية، والمسؤولية المتبادلة قبل الصراع. العنف لا جنس له، والعدالة الحقيقية لا يمكن أن تكون انتقائية.
لقد آن الأوان ليدرك المجتمع أن الاعتراف بالعنف ضد الرجل لا يُضعف جهود حماية المرأة، بل يقوّيها؛ لأنه يردّ الخطاب إلى سياقه الإنساني الطبيعي، حيث يُنظر إلى الأسرة كوحدة متكاملة، وإلى العلاقات كشراكة لا كساحة معركة. ومثلما يحق للمرأة أن تُحمى، يحق للرجل أن يُرى، وأن يُسمع، وأن تُعالج آلامه دون سخرية ودون وصم ودون إنكار.
إن حملة مناهضة العنف، إذا أرادت أن تكون عادلة، يجب أن تشمل الجميع. فالحقيقة لا تُبنى على نصفٍ مُضيء ونصفٍ مُعتِم، والإنسان لا يُنصف حين تُحجب معاناته لأن صمته لا يصرخ. لقد حان وقت كسر هذا الصمت.. هناك رجالا نلتقيهم يوميا يتحدثوا عن عنف غير مسجل ، وغير ملتقط وغير مسموع في مجتمعنا.. نعم هنا.باحث في دراسات الجندر والاجتماع
لكن القراءة التوازنية والوعي الكلاني يفرضان علينا الاعتراف بأن العنف ليس قضية أنثى فقط، بل قضية إنسانية. والواقع العالمي يكشف صورة تُناقض ما تروّج له السرديات السائدة. ففي الولايات المتحدة، تُظهر تقارير CDC أن واحدًا من كل أربعة رجال تعرّض لشكل من أشكال العنف النفسي أو الجسدي من شريكة حياته، بينما تُشير National Intimate Partner and Sexual Violence Survey إلى أن ما يقارب 10% من الرجال تعرضوا لعنف جسدي شديد. وفي بريطانيا، يكشف Office for National Statistics أن نحو 700 ألف رجل يبلّغون سنويًا عن تعرّضهم للعنف الأسري، في حين تتوقع الجهات المختصة أن الأعداد أكبر بكثير لأن أغلب الرجال يمتنعون عن التبليغ خوفًا من الوصمة أو الاتهام أو السخرية. وفي أستراليا، تشير دراسات حديثة لعام 2022 إلى أن ربع الرجال تقريبًا مرّوا بتجربة إساءة عاطفية، وأن 18% منهم تعرضوا لتلاعب نفسي أو تهديدات تمسّ علاقتهم بأبنائهم.
هذا الواقع لا يقل خطورة عن أي شكل من أشكال العنف ضد المرأة؛ بل إنه يسلط الضوء على منظومة أوسع من الألم الإنساني الذي يجري تجاهله عمدًا. فالعنف ضد الرجل غالبًا ما يتخذ شكلاً ناعمًا يصعب رؤيته: إهانة مستمرة، استهزاء بقدراته، إذلال متكرر، تشكيك برجولته، تحميله مسؤوليات تفوق طاقته، واستنزاف مالي يصل حدّ السيطرة الاقتصادية عليه. وتشير مراجعات Journal of Family Issues إلى أن ما بين 30% إلى 40% من الرجال تعرضوا لإساءات مالية أو اقتصادية داخل العلاقة، بينما تتحدث تقارير Men’s Advice Line UK عن ارتفاع نسب البلاغات الكيدية في قضايا الانفصال، وهي قضايا كثيرًا ما تُغلق لعدم وجود أدلة، لكن أثرها النفسي والاجتماعي يظلّ كارثيًا على الرجل.
ويأخذ العنف ضد الرجل أشكالًا أكثر تعقيدًا في الإطار القانوني والاجتماعي، فالقوانين المصممة لحماية المرأة قد تتحول في بعض الأحيان إلى أدوات تُستخدم ضده، سواء عبر تهديدات مستمرة أو استغلال للحضانة أو النفقة أو إجراءات المحاكم. أما العنف الاجتماعي، فهو الأكثر فتكًا، لأنه يدفع الرجل إلى دفن معاناته في داخله. فحين يبكي الرجل يُسخر منه، وحين يشتكي يُتّهم بالضعف، وحين يتحدث عن ظلمٍ تعرّض له يُقابَل بالتجاهل، كأن ألمه لا يستحق الانتباه. وحتى العنف الجنسي الذي يتعرض له بعض الرجال – كما تشير مراجعات International Review of Victimology التي وجدت أن رجلًا واحدًا من كل ستة مرّ بتجربة تحرش أو اعتداء – لا يزال من المحرمات الكبرى التي لا يجد الرجل فيها ملاذًا آمنًا للبوح أو العلاج أو التعافي.
إن الأزمة ليست في وجود العنف، بل في غياب العدالة. فحين نرى العالم كلّه يتحدث عن نصف الضحايا ويتجاهل النصف الآخر، فإننا نخلق خللًا أخلاقيًا ومعرفيًا يعمّق الانقسام بدل أن يعالج جذور المشكلة. والوعي التوازني لا يُقصي امرأة ولا يبرر لرجل، بل يضع الإنسان قبل الجنس، والكرامة قبل الهوية، والمسؤولية المتبادلة قبل الصراع. العنف لا جنس له، والعدالة الحقيقية لا يمكن أن تكون انتقائية.
لقد آن الأوان ليدرك المجتمع أن الاعتراف بالعنف ضد الرجل لا يُضعف جهود حماية المرأة، بل يقوّيها؛ لأنه يردّ الخطاب إلى سياقه الإنساني الطبيعي، حيث يُنظر إلى الأسرة كوحدة متكاملة، وإلى العلاقات كشراكة لا كساحة معركة. ومثلما يحق للمرأة أن تُحمى، يحق للرجل أن يُرى، وأن يُسمع، وأن تُعالج آلامه دون سخرية ودون وصم ودون إنكار.
إن حملة مناهضة العنف، إذا أرادت أن تكون عادلة، يجب أن تشمل الجميع. فالحقيقة لا تُبنى على نصفٍ مُضيء ونصفٍ مُعتِم، والإنسان لا يُنصف حين تُحجب معاناته لأن صمته لا يصرخ. لقد حان وقت كسر هذا الصمت.. هناك رجالا نلتقيهم يوميا يتحدثوا عن عنف غير مسجل ، وغير ملتقط وغير مسموع في مجتمعنا.. نعم هنا.باحث في دراسات الجندر والاجتماع
نيسان ـ نشر في 2025-11-30 الساعة 09:54
رأي: فراس عوض كاتب


