اللي يطلق مرته خليه يتبهدل.. ترسيخ خطاب الرجل الجلاد
فراس عوض
كاتب
نيسان ـ نشر في 2025-12-01 الساعة 15:29
نيسان ـ أثار تصريح النائب العرموطي في فيديو من وسط قبة البرلمان : " اللي بطلق مرته خليه يتبهدل"- ومن حوله تصطف نائبات يضحكن- دهشة حقيقية، ليس لأنه صادم فحسب، بل لأنه يكشف الذهنية التي حكمت خطابًا عامًا معاديًا للرجل من حيث لا يشعر أصحابه.. فمثل هذا الكلام لا يليق أن يصدر عن نائب يفترض أن يكون صوتًا للعدالة، حارسًا للميزان، لا مؤججًا لصورة نمطية رسختها سنوات طويلة من سرديات أحادية لم ترَ في الرجل إلا جلادًا وفي المرأة دائمًا ضحية. والحقيقة أن الطلاق، في واقع الناس، ليس رفاهية كما يظن البعض، ولا نزوة يتخذها رجل بلا حساب. فالرجال الذين نلقاهم كل يوم بدأوا حياتهم فوق الشقاء، بنوا بيتًا من أعمارهم قبل أموالهم، حملوا مسؤوليات لا تخفف عنهم، وتحت منظومة تشريعية وأعراف وتقاليد لا ترحم، ثم انتهى بهم الأمر بعد الطلاق محرومين من أبنائهم، مذنبين قبل أن يُسمع منهم، ومثقلين بالاكتئاب والخسارات التي لا يراها الناس.. ومن هم من دفع قسرا لهذا الطلاق واستغلال قضايا الشقاق والنزاع. وعندما نرى واقع الدراسات العربية والاردنية، لا يوجد ما يشير فيها ان الرجل فقط هو سبب الطلاق، بل هناك عشرات الاسباب لها علاقة بالطرفين واحيانا من طرف اكثر من الآخر ، دون حكم مسبق ان الرجل هو السبب دوما!
وما لا يقال يكاد يكون أقسى مما يقال. كثير من الرجال لا يطلقون حبًا في الطلاق، بل لأن الحياة وصلت إلى نقطة لا يمكن معها الاستمرار، وبعضهم دُفع دفعًا تحت ضغوط اقتصادية، أفكار دخيلة، تبدلات ثقافية، وصراعات يومية لا تشبه قصص الأفلام. وبعد الطلاق لا تظهر أي رفاهية، بل تبدأ سلسلة من الأحكام والاتهامات؛ فيُحرم الرجل من أطفاله، ولا يرى ابنه إلا كما يُرى السجين في غرفة زيارة مُقيّدة بنصف ساعة، ويُحاسَب على كل تفصيل مادي وعاطفي، ويحمل وزر علاقة انتهت وهو المثقل أصلًا بما لا يُحتمل. وقد شاهدت رجالًا ينهارون بصمت، رجالًا أصابهم اكتئاب طويل وهم يخجلون من الاعتراف به، لأن الخطاب السائد أقنعهم أنهم هم المعتدون مهما كانت التفاصيل.
ولهذا يبدو تصريح مثل الذي صدر عن النائب العرموطي امتدادًا طبيعيًا لخطاب سائد، خطاب تبنّته مؤسسات ومنظمات بثّت طوال سنوات فكرة الرجل الجلاد، وخلقت صورة نمطية رسخت في الوعي العام حتى لدى من يعارض تلك المؤسسات أصلًا. لكن الأكثر إيلامًا هو أن يصدر كلام كهذا من نائب يمثل حزبًا يرفع شعار الأسرة والعدالة، فإذا بالتصريح يكرّس الكراهية بدل الإنصاف، ويضع الرجال في خانة الإدانة دون دليل، ويغلق باب النقاش العقلاني حول ضرورة مراجعة قوانين أصبحت تميل لطرف واحد حتى لو لم يكن الظلم مقصودًا.
ولذلك، فإن من الطبيعي - بل من الضروري - أن يُطلب من حزب جبهة العمل الإسلامي تقديم موقف واضح أو اعتذار. ليس من أجل الرجال فقط، بل من أجل القيم التي يرفعها الحزب نفسه: قيم العدل، المروءة، مسؤولية الكلمة، وعدم إطلاق الأحكام التي تهدم أكثر مما تبني. لأن الكلمة حين تصدر من نائب ليست رأيًا عابرًا، بل رسالة تشريعية تُرسّخ وعيًا عامًا وتعيد تشكيل صورة مجتمع بأكمله.
إننا لا ندافع عن الرجال ضد النساء، ولا نبارك أنظمة تهدم الأسرة، ولا ندعو لتفوق طرف على آخر. ما ندافع عنه هو إنسانية الرجل والمرأة معًا، وحق الأسرة في عدالة متوازنة، وحق الأب في ألا يتحول إلى مجرم لمجرد أنه لم يستطع إنقاذ علاقة استنزفت روحه. ما ندافع عنه هو ألا يكون الخطاب العام أداة تحقير، ولا أن يتحول المسؤول إلى صوت يزيد الجراح اتساعًا. فالأسرة لا تُبنى بالاتهام، والمجتمع لا يرتفع بالصراعات، والعدالة لا تُصنع بعبارات انفعالية، بل بوعي يليق بوطن يستحق لغة أعمق من “يتبهدل”… لغة تُنصف الجميع لأن ظلم طرف واحد يعني سقوطالتوازنكله.
وما لا يقال يكاد يكون أقسى مما يقال. كثير من الرجال لا يطلقون حبًا في الطلاق، بل لأن الحياة وصلت إلى نقطة لا يمكن معها الاستمرار، وبعضهم دُفع دفعًا تحت ضغوط اقتصادية، أفكار دخيلة، تبدلات ثقافية، وصراعات يومية لا تشبه قصص الأفلام. وبعد الطلاق لا تظهر أي رفاهية، بل تبدأ سلسلة من الأحكام والاتهامات؛ فيُحرم الرجل من أطفاله، ولا يرى ابنه إلا كما يُرى السجين في غرفة زيارة مُقيّدة بنصف ساعة، ويُحاسَب على كل تفصيل مادي وعاطفي، ويحمل وزر علاقة انتهت وهو المثقل أصلًا بما لا يُحتمل. وقد شاهدت رجالًا ينهارون بصمت، رجالًا أصابهم اكتئاب طويل وهم يخجلون من الاعتراف به، لأن الخطاب السائد أقنعهم أنهم هم المعتدون مهما كانت التفاصيل.
ولهذا يبدو تصريح مثل الذي صدر عن النائب العرموطي امتدادًا طبيعيًا لخطاب سائد، خطاب تبنّته مؤسسات ومنظمات بثّت طوال سنوات فكرة الرجل الجلاد، وخلقت صورة نمطية رسخت في الوعي العام حتى لدى من يعارض تلك المؤسسات أصلًا. لكن الأكثر إيلامًا هو أن يصدر كلام كهذا من نائب يمثل حزبًا يرفع شعار الأسرة والعدالة، فإذا بالتصريح يكرّس الكراهية بدل الإنصاف، ويضع الرجال في خانة الإدانة دون دليل، ويغلق باب النقاش العقلاني حول ضرورة مراجعة قوانين أصبحت تميل لطرف واحد حتى لو لم يكن الظلم مقصودًا.
ولذلك، فإن من الطبيعي - بل من الضروري - أن يُطلب من حزب جبهة العمل الإسلامي تقديم موقف واضح أو اعتذار. ليس من أجل الرجال فقط، بل من أجل القيم التي يرفعها الحزب نفسه: قيم العدل، المروءة، مسؤولية الكلمة، وعدم إطلاق الأحكام التي تهدم أكثر مما تبني. لأن الكلمة حين تصدر من نائب ليست رأيًا عابرًا، بل رسالة تشريعية تُرسّخ وعيًا عامًا وتعيد تشكيل صورة مجتمع بأكمله.
إننا لا ندافع عن الرجال ضد النساء، ولا نبارك أنظمة تهدم الأسرة، ولا ندعو لتفوق طرف على آخر. ما ندافع عنه هو إنسانية الرجل والمرأة معًا، وحق الأسرة في عدالة متوازنة، وحق الأب في ألا يتحول إلى مجرم لمجرد أنه لم يستطع إنقاذ علاقة استنزفت روحه. ما ندافع عنه هو ألا يكون الخطاب العام أداة تحقير، ولا أن يتحول المسؤول إلى صوت يزيد الجراح اتساعًا. فالأسرة لا تُبنى بالاتهام، والمجتمع لا يرتفع بالصراعات، والعدالة لا تُصنع بعبارات انفعالية، بل بوعي يليق بوطن يستحق لغة أعمق من “يتبهدل”… لغة تُنصف الجميع لأن ظلم طرف واحد يعني سقوطالتوازنكله.


