الأبيض والأسود: أهلا أهلا بيكم .. كشافتنا بتحييكم
شاهر الشريدة
كاتب أردني
نيسان ـ نشر في 2015-12-29 الساعة 14:38
بسنة 1984 قررت الحكومة تمد كهربا لقريتنا، وطلعت كل الناس لإستقبال المحافظ عشان يقص شريط الإحتفال وإعلان تشغيل محوّل الكهربا.
كنت مع فرقة الكشافة بالمدرسة، وصفونا ع جنب الطريق فريقين من هون ومن هون، ولما وصل المحافظ، صرنا نرحب فيه ونغني:
اهلا اهلا بيكم، كشافتنا بتحييكم
اهلا اهلا بيكم، قريتنا بتحييكم
فرحت الناس، ولو أنها كانت فرحة ناقصة، لأن الغالبية ما كان عندهم تلفزيونات، فكانوا قبل الكهربا يعرفوا شو بصير بالدنيا من الراديو ببطارية، ويسمعوا برامج البث المباشر ومضافة الحاج مازن.
وصاروا الناس يجتمعوا عند اللي عنده تلفزيون ليشوفوا عليه المسلسلات البدوية والأخبار على عمان، وما كان فيه قنوات غير عمان وقنوات الخوخ العبرية وقناة الشرق الأوسط.
وببداية التسعينيات صارت معظم الناس تشتري تلفزيونات ملونة، من بعد ما كانت كلها أبيض وأسود، وفرحنا لأن صرنا نشوف الدنيا أحلى.
بعد ثلاثين سنة، اكتشفنا إنه بعدنا بظلام دامس، وإن النور اللي عايشين فيه مجرد وهم، واكتشفنا إن الألوان اللي رسمولنا إياها بتلفزيوناتنا، كانت خدع بصرية.
ضووا ليلنا وشوارعنا وحاراتنا، لكنهم طفوا قلوبنا وسرقوا بسمتنا وعتموا نهارنا.
تغيرت محطات وسكرت محطات، واجى الساتلايت، وخلونا نشوف ما هب ودب من الفضائيات، لكن أحلامنا طلعت كلها مزيفة، وبعدها أبيض وأسود.
ناس بطلعوا ع الشاشات، بحطوا اجر ع اجر بوجوهنا، وما حدا فينا قادر يقول بس هس نزلوا اجريكوا، واحترموا عقولنا.
من بعد ثلاثين سنة من لما غنينا للمحافظ اول مرة، وكل ما وزير أو مسؤول يزور أي قرية، وبرغم كل الظلام والفقر اللي عايشين فيه، بنرجع بنغني نفس المقطع:
اهلا اهلا بيكم، كشافتنا بتحييكم
اهلا اهلا بيكم، قريتنا بتحييكم