اتصل بنا
 

مدينة أبو باطح الجديدة

نيسان ـ نشر في 2025-12-03 الساعة 12:29

نيسان ـ كنتُ، عندما أبدأ مسيرة المواصلات من قريتنا في شمال شرق الوطن، مرورًا بالمفرق فالزرقاء ثم عمان، أُحدّق طيلة الطريق من نافذة الباص، أتأمل الخلاء المقفر الجميل، حيث "لا طير طاير ولا وحش غاير". وأحدث نفسي: كم تحتاج هذه الفيافي من الزمن حتى تكتظ بالقرى والمدن؟ لا بد أن يتكاثر الأردنيون أسرع من تكاثر الفطر، ثم تكون وتصبح دولتنا كبئر زمزم، كلما اغترفنا منها غُرفة بارك الله لنا بها. وإلا كيف ستحدث المعجزة؟!
منذ فترة، عاد الحديث عن نية الحكومة – عمدًا وقصدًا وترصدًا – إنشاء مدينة القطرانة، بدل منطقة الماضونة كما قيل سابقًا، أي إلى الجنوب من العاصمة. تابعتُ المقالات والمداولات وما زخرت به أماني رواد الميديا، حول ما سيحدث من تنمية لتلك الجغرافيا، من توفير فرص حياة، ونهضة شاملة للأرض والبشر والحجر، ستغير حال الجيوب والجنوب الذي يئن أهله تحت كل وطآت الدنيا وحيفها وعسفها. ولكم تمنيتُ لو أنني أمتلك شبرين أرض هناك، عله ينوبني من الخير جانب.
مطلع الأسبوع الحالي أيضًا، ودون سابق إنذار، تفجرت التصريحات الرسمية حول مدينة جديدة. بل داهمتنا كالسيل فيديوهات مخططها بالرسومات والألوان والألحان. وما أن سمعت باسمها، شهقت.. ياااه وأخيرًا.. "ياما أنت كريم يارب، مدينة عمرة!" ثم أصابتني خيبة أمل كرمح عنتري حين تبيّن لي أن عمرة هذه ليست "عمرتنا" في البادية الشمالية، بل اسم أُطلق على مشروع مدينة ذكية، ستقام على آلاف الدونمات في الجنوب الشرقي من محافظة الزرقاء. مسحت وجهي بالرحمن وتعوذت من الشيطان، وقلت لنفسي: ولماذا لا تكتبين يا بنت مقالًا يكون على رأي المثل "دقة بلقة"، وأنت تعرفين أن "ولاة أمر الحروف والكلمات" لا تفوتهم فايتة ولا طبخة بايته؟ وبذلك تضربين عصفورين بحجر، أولًا، تشكرين وتثنين على هذه النوايا والأفكار الخلاقة، وثانيًا، تحضينهم على إنشاء نهضة ثالثة في البادية الشمالية، شرق قرية عمرة وعميرة، تحديدًا جنوب شرق بلدة سبع صير بحوالي خمسة كيلومترات، يعني على وجه الدقة وبـ "الملّي"، تحويل حارة أبو باطح التي فوق حدرة الشعيب "خص نص" لمدينة ذكية مستقبلية فخمة.
يا سلام سلّم! لو صارت واستوت.. ورحت أتخيل حتى لمست سمت السماء. فهناك أمتلك التركة التي ورثتها عن والدي وجدي، سأبيع التراب بالحفنات لا بالأمتار، وبقدرة قادر سأنتقل من خانة كبار الفقراء وعلية القوم المساكين إلى خانة كبار الأغنياء. ولأنه "إذا أقبلت الدنيا باض الحمام على الوتد"، سأشتري فيلا في دير غبار، وسيارةً أعرف شكلها ولكني لا أعرف نوعها وسعرها، وسأجوب العالم وأنشر صوري وأنا أسند ظهري على برج إيفل، وأتناول البيتزا من يد الطليان، وأتزلج على ثلوج سويسرا، ولن أعود أتسوق من محلات "أبو النص ليرة غرّة كل رمضان"، ولن أنقي خضرة من "البكمات"، ولن أشعل الصوبا على عين وحده.. وليذهب التقشف والتواضع وصبر البروليتاريا إلى الجحيم وفوقه صديقاتي الفقريقات أيضًا... آه، بس لو يُعلنوا عن مدينة أبو باطح الجديدة!
ولو هيلمة، شهرين زمان، سأكون من الشاكرين الحامدين لفضلهم، وذريتي من بعدي، حتى يرث الله المدن والأرض ومن عليها إلىيومالدين...

نيسان ـ نشر في 2025-12-03 الساعة 12:29

الكلمات الأكثر بحثاً