طوفان الأقصى.. بين رواية المؤامرة وعبقرية الاستخبارات
نيسان ـ نشر في 2025-12-10 الساعة 09:36
نيسان ـ ليس في الصداقة أسرار؛ فالقلب الذي يحبّ لا يخبّئ عن صديقه ما يوجعه أو ما يسعده جبران خليل جبران.
يردِّد كثيرون، وتتناقل تقارير عديدة، أنّ حكومة نتن ياهو كانت على علمٍ مسبقٍ بهجوم السابع من أكتوبر، وأنها سمحت لحماس بتنفيذه لإحداث صدمة كبرى داخل المجتمع الصهيوني، تمهيدًا لإعادة توحيده خلف نتن ياهو واستغلال الحدث لتمرير أجندته السياسية. ويشبّه هؤلاء ما حدث بما وقع في بيرل هاربر عام 1941، حين أغارت الطائرات اليابانية على القاعدة العسكرية الأمريكية في المحيط الهادئ، ويُقال إنّ واشنطن كانت تعلم مسبقًا بالهجوم، لكنها تركته يحدث لتتخذه ذريعة للدخول في الحرب العالمية الثانية.
وهُناك العديد من الروايات التي تُدعّم هذه النظرية، بدءًا من اعتراف وزيرة المخابرات الصهيونية السابقة أييليت شاكيد، مرورًا بتصريحات متكررة لجنرالات في الاحتياط، وانتهاءً بالتقارير التي تشير إلى تعطّل كاميرات المراقبة على غلاف غزة في ذلك اليوم، بالتزامن مع انسحابٍ مفاجئٍ لوحدات الجيش من المنطقة. وقد استغرق الجيش وقتًا طويلًا للوصول، ثم استخدم مبدأ هانيبال، فقتل من أبناء شعبه أكثر ممّا قتلته حماس نفسها. وقد استغلّ الكيان هذا الحدث إلى أقصى حد، فعاد لاحتلال غزة من جديد، ودمّر كل من اعتبرهم أعداءه، وسعى إلى إعادة رسم خرائط المنطقة بما يخدم مشاريعه الاستراتيجية وأهدافه التوسعية.
هذه مجرد نظرية، لكن هناك نظرية أخرى تُقدّم صورة مغايرة تمامًا، تستند إلى تحقيقات جيش الاحتلال نُشرَت أجزاءٌ منها عبر إذاعة الجيش. ووفقًا لهذه التحقيقات، تبيّن أنّه خلال السنوات الخمس الماضية كانت حماس تتابع نحو مئة ألف جندي صهيوني عبر الإنترنت، وأنها أنشأت شبكةً واسعةً من الحسابات المزيفة التي أصبحت ضمن قائمة أصدقاء جنود الاحتلال على فيسبوك. كما انضمت تلك الحسابات إلى مجموعات واتسآب عسكرية مثل «وحدة إيجوز» و»مجندو الكوماندوز»، واستمرت في مراقبة الجنود منذ لحظة تجنيدهم وحتى وصول بعضهم إلى مواقع قيادية.
وقد قامت استخبارات حماس بربط كافة البيانات التي جمعتها، فتمكنت من معرفة مواقع كل سرية وكل بطارية صواريخ، كما باتت على دراية بأيّ حالة استنفار سرّي فور تسرب أخبارها عبر مجموعات الجنود في واتسآب. وجمعت كذلك صورًا وفيديوهات مكّنتها من خريطة كل قاعدة عسكرية، ومواضع كاميرات المراقبة، وحتى تفاصيل الدبابات من الداخل. وبناءً على هذه المعلومات، ابتكرت نماذج افتراضية واقعية، تدرب عليها مقاتلو حماس لاقتحام المواقع العسكرية بدقة واحتراف.
شارك في هذا الجهد ما يقارب ألفين وخمسمائة عنصر من حماس، عملوا على جمع المعلومات وتحليلها، مستخدمين أساليب خداع اجتماعي بسيطة، لكنها كانت كافية ليعتبرهم الجنود أصدقاء مقرّبين يشاركونهم المعلومات بسرور وثقة. وبذلك تحوّل مئة ألف جندي صهيوني إلى مصدر معلومات لحماس، دون أن يدركوا أنهم يخدمون عدوهم بأيديهم. فكلّ قصة تجري في غلاف غزة، وكل مناسبة اجتماعية، وكل احتفال داخل المستوطنات، بل وحتى كل فيديو لمجنداتٍ يرقصن على «تيك توك» في مستوطنة أو معسكر أو منطقة سكنية، كان مصدرًا إضافيًا للمعلومات. ومع مرور الوقت، أصبحت مستوطنات غلاف غزة وسكانها وجنودها ومعسكراتها مكشوفة تمامًا أمام حماس بكل تفاصيلها الدقيقة.
وأخيرًا، عزيزي القارئ، أترك لك حرية اختيار الرواية التي تراها الأقرب إلى الحقيقة. فالقصة الأولى، التي تتكئ على نظرية المؤامرة، تمنح الفضل لنت نياهو وغروره، وتُقزِّم عبقرية المقاوم العربي، وتعيد إنتاج الصورة النمطية التي أرادوا ترسيخها في وعينا: نحن المتأخرون، وهم الأذكياء الذين لا يُهزمون. أما القصة الثانية، قصة عبقرية حماس وتفوّقها العملياتي والاستخباراتي في طوفان الأقصى، فهي تمنحنا الأمل، وتؤكد أننا قادرون على إعادة صياغة المعادلة، وأن هذا الكيان الذي ادعى العصمة والتفوّق ما يزال حتى اليوم عاجزًا عن الاعتراف بالهزيمة.
يردِّد كثيرون، وتتناقل تقارير عديدة، أنّ حكومة نتن ياهو كانت على علمٍ مسبقٍ بهجوم السابع من أكتوبر، وأنها سمحت لحماس بتنفيذه لإحداث صدمة كبرى داخل المجتمع الصهيوني، تمهيدًا لإعادة توحيده خلف نتن ياهو واستغلال الحدث لتمرير أجندته السياسية. ويشبّه هؤلاء ما حدث بما وقع في بيرل هاربر عام 1941، حين أغارت الطائرات اليابانية على القاعدة العسكرية الأمريكية في المحيط الهادئ، ويُقال إنّ واشنطن كانت تعلم مسبقًا بالهجوم، لكنها تركته يحدث لتتخذه ذريعة للدخول في الحرب العالمية الثانية.
وهُناك العديد من الروايات التي تُدعّم هذه النظرية، بدءًا من اعتراف وزيرة المخابرات الصهيونية السابقة أييليت شاكيد، مرورًا بتصريحات متكررة لجنرالات في الاحتياط، وانتهاءً بالتقارير التي تشير إلى تعطّل كاميرات المراقبة على غلاف غزة في ذلك اليوم، بالتزامن مع انسحابٍ مفاجئٍ لوحدات الجيش من المنطقة. وقد استغرق الجيش وقتًا طويلًا للوصول، ثم استخدم مبدأ هانيبال، فقتل من أبناء شعبه أكثر ممّا قتلته حماس نفسها. وقد استغلّ الكيان هذا الحدث إلى أقصى حد، فعاد لاحتلال غزة من جديد، ودمّر كل من اعتبرهم أعداءه، وسعى إلى إعادة رسم خرائط المنطقة بما يخدم مشاريعه الاستراتيجية وأهدافه التوسعية.
هذه مجرد نظرية، لكن هناك نظرية أخرى تُقدّم صورة مغايرة تمامًا، تستند إلى تحقيقات جيش الاحتلال نُشرَت أجزاءٌ منها عبر إذاعة الجيش. ووفقًا لهذه التحقيقات، تبيّن أنّه خلال السنوات الخمس الماضية كانت حماس تتابع نحو مئة ألف جندي صهيوني عبر الإنترنت، وأنها أنشأت شبكةً واسعةً من الحسابات المزيفة التي أصبحت ضمن قائمة أصدقاء جنود الاحتلال على فيسبوك. كما انضمت تلك الحسابات إلى مجموعات واتسآب عسكرية مثل «وحدة إيجوز» و»مجندو الكوماندوز»، واستمرت في مراقبة الجنود منذ لحظة تجنيدهم وحتى وصول بعضهم إلى مواقع قيادية.
وقد قامت استخبارات حماس بربط كافة البيانات التي جمعتها، فتمكنت من معرفة مواقع كل سرية وكل بطارية صواريخ، كما باتت على دراية بأيّ حالة استنفار سرّي فور تسرب أخبارها عبر مجموعات الجنود في واتسآب. وجمعت كذلك صورًا وفيديوهات مكّنتها من خريطة كل قاعدة عسكرية، ومواضع كاميرات المراقبة، وحتى تفاصيل الدبابات من الداخل. وبناءً على هذه المعلومات، ابتكرت نماذج افتراضية واقعية، تدرب عليها مقاتلو حماس لاقتحام المواقع العسكرية بدقة واحتراف.
شارك في هذا الجهد ما يقارب ألفين وخمسمائة عنصر من حماس، عملوا على جمع المعلومات وتحليلها، مستخدمين أساليب خداع اجتماعي بسيطة، لكنها كانت كافية ليعتبرهم الجنود أصدقاء مقرّبين يشاركونهم المعلومات بسرور وثقة. وبذلك تحوّل مئة ألف جندي صهيوني إلى مصدر معلومات لحماس، دون أن يدركوا أنهم يخدمون عدوهم بأيديهم. فكلّ قصة تجري في غلاف غزة، وكل مناسبة اجتماعية، وكل احتفال داخل المستوطنات، بل وحتى كل فيديو لمجنداتٍ يرقصن على «تيك توك» في مستوطنة أو معسكر أو منطقة سكنية، كان مصدرًا إضافيًا للمعلومات. ومع مرور الوقت، أصبحت مستوطنات غلاف غزة وسكانها وجنودها ومعسكراتها مكشوفة تمامًا أمام حماس بكل تفاصيلها الدقيقة.
وأخيرًا، عزيزي القارئ، أترك لك حرية اختيار الرواية التي تراها الأقرب إلى الحقيقة. فالقصة الأولى، التي تتكئ على نظرية المؤامرة، تمنح الفضل لنت نياهو وغروره، وتُقزِّم عبقرية المقاوم العربي، وتعيد إنتاج الصورة النمطية التي أرادوا ترسيخها في وعينا: نحن المتأخرون، وهم الأذكياء الذين لا يُهزمون. أما القصة الثانية، قصة عبقرية حماس وتفوّقها العملياتي والاستخباراتي في طوفان الأقصى، فهي تمنحنا الأمل، وتؤكد أننا قادرون على إعادة صياغة المعادلة، وأن هذا الكيان الذي ادعى العصمة والتفوّق ما يزال حتى اليوم عاجزًا عن الاعتراف بالهزيمة.
نيسان ـ نشر في 2025-12-10 الساعة 09:36
رأي: اسماعيل الشريف


