اتصل بنا
 

نتائج الدراسة الاكتوارية للضمان: 2030 نقطة التعادل الأولى و2038 نقطة الخطر.. إصلاحات جذرية لتجنب الأزمة

نيسان ـ خاص ـ نشر في 2025-12-13 الساعة 15:53

نتائج الدراسة الاكتوارية للضمان: 2030 نقطة
نيسان ـ خاص
بناءً على الدراسة الاكتوارية الحادية عشرة التي أعلنت عنها المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي اليوم 13 ديسمبر 2025، والتي تركز على تقييم الاستدامة المالية للنظام التأميني، يمكن تقديم تحليل واقعي حول إمكانية تحقيق التوقعات المبنية عليها في إطار رؤية مؤسسة الضمان الاجتماعي .
هذه الدراسة، التي تجرى كل ثلاث سنوات وفقًا للمادة 18 من قانون الضمان الاجتماعي، تعتمد على بيانات حتى نهاية 2022 كما أشارت تقارير سابقة، وتهدف إلى استشراف الوضع المالي على المدى الطويل من خلال نماذج تحليلية دقيقة تشمل الإيرادات من الاشتراكات، العوائد الاستثمارية، والنفقات التأمينية.
في جوهرها، تكشف الدراسة عن وضع مالي مستقر حاليًا، لكنه يواجه تحديات متزايدة قد تؤدي إلى اختلالات إذا لم تتم مواجهتها بإصلاحات جذرية، مما يجعل تحقيق التوقعات ممكنًا جزئيًا بشرط التنفيذ السريع والفعال للتوصيات.
التوقعات الرئيسية تشمل نقطة التعادل الأولى في عام 2030، حيث تتساوى إيرادات الاشتراكات المباشرة مع النفقات التأمينية، ونقطة التعادل الثانية في 2038، حيث قد تصبح الإيرادات التأمينية والعوائد الاستثمارية غير كافية لتغطية النفقات إذا لم يتحسن العائد على الاستثمار، وهذا يعتمد على افتراضات اقتصادية مثل نمو الاقتصاد بنسبة 2.7% في النصف الأول من 2025 كما يتوقع صندوق النقد الدولي.
هذه النقاط تعتبر مؤشرات إيجابية نسبيًا مقارنة بالدراسات السابقة، إذ أن ابتعادها زمنيًا يعكس تحسنًا في الاستدامة، لكنها تظهر أيضًا أن موجودات المؤسسة أقل من عشرة أضعاف نفقاتها السنوية حتى السنة العاشرة من التقييم، مما يستدعي تدخلات فورية للحفاظ على القدرة على الوفاء بالالتزامات دون اللجوء إلى الأصول الرئيسية.
التحديات الرئيسية المحددة في الدراسة تشمل ظاهرة التقاعد المبكر، التي تشكل 64% من المتقاعدين وتستهلك 61% من فاتورة الرواتب التقاعدية، مما يزيد النفقات بشكل كبير مقارنة بدول أخرى حيث لا تتجاوز النسبة 25%، بالإضافة إلى التهرب التأميني الذي يصل إلى 22.8% من العاملين في السوق المنظم، والتغيرات الديموغرافية مثل ارتفاع توقع الحياة إلى 75.3 عامًا وانخفاض معدل الخصوبة إلى 2.1 طفل لكل امرأة، مما يقلل عدد المشتركين الجدد مقابل المتقاعدين ويؤدي إلى اختلال في التوازن بين المدد والمنافع.
فهذه العوامل ليست جديدة، فقد أبرزتها الدراسات الاكتوارية السابقة، مثل الدراسة الثامنة التي نشرت ملخصها التنفيذي على موقع المؤسسة في 2017، والتي ركزت على تقييم المركز المالي وأوصت بتعزيز الشمول التأميني، وكذلك الدراسة العاشرة في 2022 التي أظهرت تأخيرًا في نقاط التعادل بفضل تدابير الجائحة، لكنها حذرت من استمرار الضغوط الديموغرافية.
المقارنة التاريخية تكشف عن نمط متكرر من التأخير في نقاط التعادل عبر الإصلاحات السابقة، مثل تعديلات 2014 التي رفعت سن التقاعد وزادت الاشتراكات وتقيدت التقاعد المبكر، مما أخر النقطة الأولى من 2016 إلى حوالي 2033، وكذلك إصلاحات 2019 التي ساهمت في تعزيز الاستدامة المؤقتة، إلا أن الدراسة الحالية تشير إلى تدهور نسبي بسبب استمرار التقاعد المبكر والتهرب، مما يؤكد أن الإصلاحات السابقة نجحت جزئيًا في تأجيل الأزمة لكنها لم تعالج الجذور الهيكلية بشكل كامل.
في الجانب الإيجابي، تمتلك المؤسسة قاعدة قوية من الأصول والاستثمارات، كما أظهرت تقارير صندوق استثمار أموال الضمان، مما يمنح هامشًا زمنيًا حتى 2030 للإصلاح، وإذا تحسن العائد الاستثماري إلى مستويات 5-7% سنويًا كما في الافتراضات الاكتوارية القياسية، يمكن تأخير النقطة الثانية إلى ما بعد 2040.
من جانب آخر فإن إطلاق حوار وطني شامل يجب أن لا يكون محصورًا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بل يجب أن يكون على نطاق وطني أوسع، وذلك لتحقيق الالتزام بمبادئ الاستدامة، تحسين رواتب المتقاعدين ذوي الدخول المنخفضة، وعدم المساس بالحقوق المكتسبة، ففي هذه الحالة يمكن أن يمثل خطوة إيجابية نحو تعديلات تشريعية متوازنة، مستلهمة من تجارب دول أخرى مثل مصر التي أجرت إصلاحًا رقميًا مرتكزًا على العملاء لتحسين تقديم الخدمات في نظام المعاشات، مما أدى إلى ثورة في الكفاءة الإدارية وتعزيز الثقة العامة.
أما في تركيا، فقد ركزت الإصلاحات على رفع سن التقاعد وتوسيع الشمول للقطاع غير المنظم، مما ساهم في تقليل العجز المالي، وفقًا لتقارير البنك الدولي التي تدعو إلى إصلاحات مشابهة في الشرق الأوسط لمواجهة الضغوط الديموغرافية. كذلك، يمكن أن تؤدي مكافحة التهرب التأميني وشمول القطاع غير المنظم إلى زيادة الإيرادات بنسبة تصل إلى 20-30%، كما تقدر دراسات البنك الدولي، خاصة في ظل بطالة تصل إلى 16.2% إجماليًا و21.4% بين الأردنيين في الربع الثالث من 2025، مما يجعل توسيع القاعدة التأمينية أولوية وطنية لتعزيز العدالة الاجتماعية.
ومع ذلك، تبقى هناك مخاطر كبيرة قد تحول دون تحقيق هذه الرؤية، فالتغيرات الديموغرافية السريعة، مع انخفاض الخصوبة إلى مستوى كبير وارتفاع متوسط العمر، قد تؤدي إلى نسبة 1:4 بين المشتركين والمتقاعدين بحلول 2040، مما يجعل التوقعات متفائلة جدًا إذا لم يتم رفع سن التقاعد إلى 65 عامًا أو أكثر تدريجيًا، كما حدث في المغرب الذي رفع السن إلى 63 عامًا لتجنب الإفلاس.
فالضغوط الاقتصادية، مثل البطالة العالية، والنمو البطيء الذي يصل إلى 2.7%، قد يقلل الاشتراكات الجديدة، وإذا انخفض العائد الاستثماري بسبب تقلبات عالمية، قد تتأخر نقطة الأولى إلى ما بعد 2030، كما حذرت تقارير حالة السكان لعام 2025 الصادرة عن المجلس الأعلى للسكان.
أضف إلى ذلك المقاومة الاجتماعية المحتملة لتقييد التقاعد المبكر، الذي أصبح مكتسبا اجتماعيًا و"الأصل لا الاستثناء"، كما نشهد في الردود الاجتماعية الواسعة الرافضة والمصرة على انتقاد التقاعد المبكر، وعدم شمول القطاع غير المنظم الذي يشمل عمالة مهاجرة واسعة، مما يتطلب إصلاحات سياسية واسعة قد تتأخر بسبب الظروف الإقليمية.
ومن أبرز هذه المخاطر أيضًا الاعتماد الزائد على الإقراض الحكومي، حيث يبلغ حجم السندات الحكومية التي يمتلكها صندوق استثمار أموال الضمان نحو 10.3 مليار دينار، أي أكثر من 57.8% من إجمالي موجوداته البالغة 18 مليار دينار بنهاية أيلول 2025، بعوائد تقدر بحوالي 5% سنويًا، وهو ما يُعتبر منخفضًا نسبيًا مقارنة بفرص استثمارية أخرى أكثر تنويعًا مثل الأسواق الدولية أو المشاريع الخاصة، مما يعرض الصندوق لمخاطر السيادة المالية الحكومية في حال تأخرت السدادات أو ارتفعت أعباء الدين العام، كما حذرت تقارير سابقة من أن هذا التركز في الاستثمار يصل إلى 64% من الموجودات كمديونية حكومية، مما يقلل من المرونة في مواجهة الصدمات الاقتصادية ويجعل الاستدامة أكثر هشاشة إذا لم يتم تنويع المحفظة الاستثمارية بسرعة.
من جانب آخر فإن عدم اليقين الاكتواري، الذي يعتمد على افتراضات مثل نمو الاقتصاد 3% وتضخم 2%، يمكن أن يبطل التوقعات في حال وقوع أزمات مثل جائحة جديدة أو هجرات كبيرة، كما أثرت الجائحة مؤقتًا في 2020 بتأخير النفقات.
في الختام، إذا بقيت الإصلاحات سطحية أو تأخرت بسبب ضغوط سياسية، فإن النظام قد يواجه أزمة حقيقية قبل عام 2035، مما يتطلب تدخلات طارئة مثل خفض المنافع أو زيادة الاشتراكات، كما حدث في تجارب دول الشرق الأوسط الأخرى التي حذر منها البنك الدولي.
يبقى أن نقول أن الدراسة ليست تنبؤًا محتومًا بل دليلًا للعمل، والتاريخ يظهر أن الأردن نجح في الإصلاح سابقًا، لكن الوقت بات محدودًا الآن أكثر من أي وقت مضى لضمان استمرار النظام كشبكة أمان اجتماعي فعالة.

نيسان ـ خاص ـ نشر في 2025-12-13 الساعة 15:53

الكلمات الأكثر بحثاً