اتصل بنا
 

الاقتصاد المهمّش أردنياً!

باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية ومتخصص في شؤون الفكر الإسلامي

نيسان ـ نشر في 2025-12-15 الساعة 09:49

نيسان ـ عُقد أمس مؤتمر مهم بالتعاون بين وزارة الثقافة واليونسكو يتناول قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية بصورة عامة، والوضع القائم في الأردن، مقارنةً بما يقدّمه القطاع من مساهمة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي في كثير من دول العالم.
وبالرغم من أنّ هنالك بدايات أو إرهاصات جديدة للاهتمام بهذا المفهوم، أردنيّاً، سواء عبر بعض مخرجات لجنة التحديث الاقتصادي أو حتى الاستراتيجية الوطنية للثقافة الأخيرة؛ إلاّ أنّ الحديث عنه لا يزال في العموميات المجرّدة والأمنيات أكثر منه خطة عمل وطنية واستراتيجية مركزة ومرتبطة بنسق متكامل من التشريعات والسياسات والمؤسسات المعنية بالنهوض بهذا القطاع الرئيس والمهم.
لا يزال التعامل الحكومي مع الثقافة، في العموم، يعاني من جملة من الأزمات والمشكلات البنيوية والجوهرية، سواء على صعيد المفاهيم والأفكار التقليدية التي تحكم هذه الرؤية اتجاه الثقافة، بوصفها قطاعاً ريعياً وتقليدياً معتمداً على الدولة، وليس مهماً أو أساسياً في الاقتصاد، أو على صعيد التشتت المؤسسي في التعامل معه، من خلال تجزئته بين وزارات متعددة، مثل الثقافة والاقتصاد الرقمي والسياحة والبلديات، من دون وجود رؤية متكاملة تضع هذه القطاعات في سياق مترابط، أو حتى من خلال غياب أي تشريعات داعمة ومحفزة متخصصة بهذا المجال من الصناعات.
وبالرغم من وجود تقديرات بمساهمة جيدة للقطاعات المتعلقة بالصناعات الثقافية والإبداعية في الناتج المحلي الإجمالي، مثل قطاع الألعاب الالكترونية والحِرف التراثية، والسينما (إذا اعتبرنا أن تصوير الأفلام في الأردن من خلال تنظيم الهيئة الملكية للأفلام هو جزء من الناتج المحلي الإجمالي)، لكن في المقابل هنالك مساحات واسعة ومهمة يمكن أن ينهض فيها هذا الاقتصاد ما تزال غير مفكّر فيها بالصورة المطلوبة، مثل المتاحف والصناعات الفنية المختلفة وتطويرها وربط الهوية الثقافة للمدن بالسياحة بالفن في العديد من المحافظات.
إحدى الفجوات الرئيسية في التفكير الرسمي والحكومي في مجال الثقافة تتمثّل بالانفصال الواضح والكامل بين التفكير في قطاع السياحة من جهة والصناعات الثقافية والإبداعية من جهةٍ أخرى، إذ يمكن أن يؤدي تجسير الفجوة بين السياحة والثقافة ووزارة البلديات، وهيئة تنشيط السياحة إلى بناء حلقة مهمة متكاملة من الصناعات والاقتصاديات المرتبطة بها، مثل المعارض الفنية والمسرح والسينما والصناعات الحرفية والترويج الفني- الرقمي للأردن، وربط ذلك كلّه بالهويات التراثية والثقافية في المدن.
هذا وذاك من المفترض أن ينعكس من خلال أمرين؛ الأول نشاط الترويج للسياحة من خلال هيئة تنشيط السياحة والحزم والعروض التي تقدم للسياح القادمين للأردن في أن تشمل الصناعات الثقافية والإبداعية، وهي مسألة تستدعي بدورها تطوير مهارات وقدرات القطاعات الفنية في العديد من المدن والمحافظات في مجال الصناعات الثقافية والتراثية والحرفية التي ستستفيد من تعزيز قطاع السياحة بصورة كبيرة.
الصناعات الفنية ما تزال غير مستغلة بالصورة المطلوبة وتعاني من التجاهل والضعف، في وقت ما يزال كثيرون يذكرون كيف كانت الدراما الأردنية والمسرح يستقطب أعداداً هائلة من المعجبين والمتابعين، بينما اليوم تتقدم علينا دول كثيرة لم تكن معروفة ولا مشهورة بهذا المجال المهم والرئيس ليس في الاقتصاد، بل في الهوية الوطنية والثقافة الوطنية، ومن المؤسف أن يكون لدينا سابقاً مسرح سياحي مثل مسرح نبيل وهشام ومسرح موسى حجازين وآخرين كان علامة مسجلة للأردن، في مجال النقد السياسي، وهو مختفٍ تماماً اليوم.
صافرة البداية تتمثل بإعادة ومراجعة التفكير الرسمي في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية وفي قطاع الثقافة بصورة عامة وتحويل النظر إليه من وصفه قطاعاً ثانوياً مهملاً ومهمشاً وغير مفيد للاقتصاد الوطني ويعتمد على المعونات والريع المحدود إلى قطاع واعد يحمل إمكانيات كبيرة للمساهمة الفاعلة في الناتج المحلي الإجمالي، ثم وضع خارطة طريق تتضمن نسقاً من التشريعات والسياسيات والمؤسسات المتخصصة ببناء هذا القطاع وتمكينه وتطويره..

نيسان ـ نشر في 2025-12-15 الساعة 09:49


رأي: د. محمد أبو رمان باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية ومتخصص في شؤون الفكر الإسلامي

الكلمات الأكثر بحثاً