اتصل بنا
 

الصحراء المغربية والقرار 2797: لماذا لم يعد الحياد الموريتاني كافيًا؟

نيسان ـ نشر في 2025-12-23 الساعة 10:48

نيسان ـ كتبت - لم يعد الحياد في السياسة الخارجية خيارًا مريحًا لموريتانيا كما كان في السابق. فالتطورات الأمنية المتسارعة في منطقة الساحل، خاصة في مالي، وضعت نواكشوط أمام واقع جديد، تتداخل فيه التهديدات الأمنية مع الحسابات السياسية والدبلوماسية. ومع اتساع رقعة عدم الاستقرار على حدودها، باتت موريتانيا أكثر حساسية تجاه أي ملف إقليمي يمس أمنها القومي بشكل مباشر. هذا الوضع دفع الرئيس محمد ولد الغزواني مؤخرًا إلى الدعوة لليقظة وتعزيز الوجود العسكري في المناطق الحدودية، في محاولة لضبط الحدود ومنع انتقال الفوضى من الجوار الإقليمي.
ومع توتر الأوضاع على حدودها، تواجه موريتانيا داخليًا تجاذبات سياسية وحزبية وضغوطًا اقتصادية متزايدة، ما يجعلها أمام تحديات مضاعفة إذا استمرت بإدارة ملفاتها الإقليمية بنهجها السابق، وخصوصًا في القضايا التي تمسّ أمنها القومي. وعليه، تبدو موريتانيا اليوم مطالَبة بإعادة قراءة مواقفها من الملفات الأمنية الكبرى في محيطها الإقليمي، الذي تتغير فيه خرائط التحالفات الإقليمية والدولية بوتيرة غير مسبوقة.
وفي هذا السياق، يبرز ملف الصحراء المغربية كأحد أكثر الملفات حساسية بالنسبة لموريتانيا، بحكم قربه من حدودها واعتماد نواكشوط تاريخيًا سياسة الحياد الإيجابي للحفاظ على توازن علاقتها مع المغرب والجزائر. غير أن قرار مجلس الأمن رقم 2797، الصادر في أكتوبر الماضي، والذي اعتبر مقترح الحكم الذاتي المغربي الحل الأكثر واقعية لإنهاء النزاع، ودعا إلى مفاوضات تضم المغرب والبوليساريو بمشاركة موريتانيا والجزائر، يضع موريتانيا أمام فرصة لحسم موقفها، بما يراعي أمنها الداخلي والخارجي، خاصة في ظل اعتداءات مستمرة للبوليساريو قرب حدودها وتوتر الأوضاع في الساحل ومالي.
هذا يعني أن القرار رقم 2797 يوفر لموريتانيا مرجعية دولية تساعدها على توضيح موقفها من ملف حساس يمسّ أمنها القومي، في وقت يشهد فيه الإقليم تحولات متسارعة، أبرزها تدهور الوضع الأمني في منطقة الساحل، وصعود الحكم العسكري، وتغيّر التحالفات، إلى جانب جمود الاتحاد المغاربي وتزايد التنافس الدولي الأمريكي والصيني والروسي والتركي حول الموانئ والطاقة والموارد النادرة وتشكيل خريطة سلاسل الإمداد، مع تصاعد مليشيات مسلحة مدعومة من أطراف عدة، وتصاعد وجود داعش والقاعدة، كلها تستدعي من موريتانيا نهجًا أكثر جرأة تجاه ملف الصحراء المغربية تحديدا.
وعليه، تأتي دعوة الخارجية الموريتانية لتحديث عقيدتها الخارجية، التي أعلنها وزيرها محمد سالم ولد مرزوك قبل أيام، خطوة لافتة في هذا التوقيت بالذات. فهل يعني هذا أن نواكشوط باتت تدرك ضرورة توضيح مواقفها في الملفات الحساسة مثل الصحراء المغربية، وضمان انسجام السياسة الخارجية مع التحولات الإقليمية والدولية؟
يبدو أن الإجابة تكمن في أن التصريح يعكس إدراكًا داخل مؤسسات القرار بأن السياسة القديمة لم تعد تحتمل الغموض أو التردد، في إشارة إلى أن العقيدة الدبلوماسية القديمة لم تعد مناسبة في عالم يشهد تنافسًا شديدًا بين القوى الكبرى، ما يستدعي اعتماد دبلوماسية أكثر براغماتية، تقوم على تحديد المصالح بوضوح قبل بناء التحالفات.
أعتقد أن هذه الدعوة تعكس محاولة موريتانية لإعادة ضبط بوصلتها الدبلوماسية في منطقة لم تعد تحتمل الانتظار. وهنا يبرز قرار 2797 كفرصة لنواكشوط: يمنحها غطاءً دبلوماسيًا لتوضيح موقفها من ملف الصحراء بطريقة محسوبة، ويتيح لها إعادة تعريف حيادها بشكل عملي وواقعي، بما يتوافق مع توجهها لتحديث عقيدتها الخارجية نحو براغماتية متعددة، في ظل التنافس الدولي في محيطها.
ومع ذلك، يرى آخرون أن خطوة نواكشوط نحو تحديث عقيدتها الدبلوماسية تعكس فقط انتقالها من سياسة تفادي المخاطر إلى سياسة إدارة المخاطر، وأنها ستستمر في نهج “الحياد الإيجابي” نحو ملف الصحراء، ودعم المسار الأممي كما حدده قرار 2797، بما يتيح لها الحفاظ على موقعها كدولة متوازنة واعتدالية، لتجنب كلفة الانحياز في صراع إقليمي معقّد.
يبدو أن موريتانيا مقبلة على الخروج من المنطقة الرمادية في سياستها الخارجية، خاصة مع تحولات الساحل وضغوط الواقع الإقليمي وأمن حدودها الشمالية المرتبط مباشرة بملف الصحراء المغربية. والسؤال اليوم ليس إن كانت ستغير سياستها، بل كيف ستعيد صياغة حيادها في منطقة لا تحتمل الإنتظار؟ فالساحل وتوتراته يفرض عليها اليقظة والحذر لحماية أمنها الوطني، وتحديث العقيدة لن يكون ذا جدوى دون موقف حاسم وجريء من ملف الصحراء، كأول اختبار لجدية هذا التحول.
كاتبة وصحفية اردنية

نيسان ـ نشر في 2025-12-23 الساعة 10:48


رأي: د. آمال جبور

الكلمات الأكثر بحثاً