اتصل بنا
 

أقتلُ طفلاً

نيسان ـ نشر في 2025-12-24 الساعة 08:41

نيسان ـ في الولايات المتحدة، يمكن التبرّع بأموال تُعفى من الضرائب لجمعيات تصف نفسها بـ«الخيرية»، بينما هي في واقع الأمر تساهم مباشرة في تمويل الإبادة في غزة. جمعيات تعرض بوضوح ثمانية آلاف دولار لشراء طائرةٍ مسيّرة تُستخدم في اغتيال الأطفال والنساء، أو ستمائة دولار لاقتناء خوذة أو درعٍ واقٍ من الرصاص لجندي صهيوني يشارك في ارتكاب المجازر بحقّ أهل غزة.
هل يُعقل هذا؟ هل يُصدَّق؟
تُدار هذه الحملات من قِبل جمعيات خيرية مسجَّلة رسميًا في الولايات المتحدة، من بينها جمعية تُدعى «يهودا والسامرة». ومع اندلاع المجزرة، سارعت هذه الجمعية إلى جمع التبرعات لتوفير معدات عسكرية للجيش الصهيوني، في وقتٍ تُعلن فيه، بلا خجل، أن من بين أهدافها دعم مشروع ضمّ الضفة الغربية، في تحدٍّ سافر لكل القوانين والمواثيق الدولية.
وجاء في إحدى حملاتها نصٌّ يقول: «مع تقدّم الحرب نحو نصرٍ كامل للجيش على حماس، نسعى إلى تزويد الجنود بالمعدات الأساسية التي يحتاجونها لتحقيق هذا النصر. تبلغ كلفة كل طائرة مسيّرة 8000 دولار، وتبرعاتكم معفاة من الضرائب!». ولم تكتفِ الجمعية بالترويج لأعمالها عبر النصوص المكتوبة، بل نشرت على حساباتها مقاطع فيديو تُظهرها وهي تُسلِّم هذه المعدات للجيش الصهيوني، إلى جانب مقاطع أخرى لقيادات عسكرية يصرّحون فيها بوضوح أنّ هذه المعدات تُستخدم في غزة ضمن واحدة من أضخم العمليات، ويضيفون بوقاحةٍ مثيرة للاشمئزاز: شكرًا لكم من غزة.
وفي مقطعٍ آخر، ظهر تسليم معدات إلى المقدَّم بن ياكوف سابو من لواء المظلّيين 646، وهو ضابط غرد: في غزة لا يوجد شخص بريء قنبلة نووية على غزة عقوبة كافية لهذه البكتيريا.
وفي تقريرها الضريبي، تُقِرّ الجمعية نفسها بأنها وفّرت معدات واقية، وأدوات إسعاف، وطائرات مسيّرة، بزعم حماية ما تسميه «القرى الصهيونية» في كامل فلسطين المحتلة. كما تشير إلى تنظيمها جولات تثقيفية داخل الولايات المتحدة، وتؤكد أنها تلقت تبرعات بلغت 137,525 دولارًا، حوّلت منها 132,481 دولارًا إلى مؤسسة صهيونية أخرى، تولّت بدورها تسليم هذه المعدات مباشرة إلى الجيش.
وليست هذه الجمعية حالة استثنائية؛ إذ تنشط في الولايات المتحدة عشرات الجمعيات المماثلة. فعلى سبيل المثال، جمعت جمعية تُدعى «أصدقاء وحدة القنّاصة 202» أكثر من ثلاثمائة ألف دولار، ونشرت مقاطع فيديو تُظهر عمليات قتلٍ متعمّدة لمدنيين عُزّل في غزة. كما جمعت جمعية أخرى تُدعى «أصدقاء إسرائيل»، والمسجَّلة باسم «مؤسسة أصدقاء العالم»، ما يزيد على اثني عشر مليون دولار، خُصِّص جزء منها لشراء طائرات مسيّرة، ونشرت مقطعًا دعائيًا بعنوان «العيون في السماء» يوثّق عملية اغتيال الشهيد يحيى السنوار.
وإلى جانب ذلك، تنشط جمعيات أمريكية أخرى في دعم ما يُعرف ببرنامج «الجنود الوحيدين»، وهو برنامج يهدف إلى إرسال مواطنين أمريكيين للقتال في صفوف الجيش الصهيوني داخل غزة، في انتهاكٍ صارخ لكل ادّعاءات الحياد أو العمل الإنساني.
ويقف خلف هذه الشبكة شخصيات تُعَدّ من بين الأكثر نفوذًا في الولايات المتحدة؛ من بينهم مرشّحون للكونغرس، ومستشارون للكيان الصهيوني، أو للحكومة الأمريكية نفسها. وهم لا يُخفون صهيونيتهم، بل يفاخرون علنًا بمساهمتهم في الإبادة الجماعية الجارية. وقد كشفت تحقيقات صحفية أنّ جمعيات أمريكية حوّلت ما يزيد على 220 مليون دولار بين عامي 2009 و2023 لدعم المستوطنين وتمويل مشاريعهم في الأراضي المحتلة.
ولكي تتمكّن هذه الجمعيات من جمع الأموال، تلجأ إلى تقديم معلومات كاذبة تستدرّ بها عاطفة المتبرعين. فقد كشف تحقيق مطوّل أنّ أول من روّج لكذبة قطع رؤوس الأطفال وحرق بعضهم أحياء داخل أفران، ونسبها إلى المقاومة الفلسطينية، كانت إحدى المنظمات الصهيونية الناشطة في الولايات المتحدة، بهدف إثارة التعاطف وجمع مبالغ طائلة من التبرعات. وقد تلقّف هذه الأكذوبة الساسة ووسائل الإعلام على حدّ سواء، إلى حدّ أنّ الرئيس الأمريكي السابق ردّدها مرتين، إحداهما بعد أن ثبت بالدليل القاطع أنها محض افتراء.
وبحسب القانون الأمريكي، يمكن للجمعيات الخيرية المسجَّلة أن تجمع تبرعات معفاة من الضرائب ما دامت تُصنَّف على أنها تقدّم خدمات خيرية أو تعليمية، ولا تتعارض مع السياسة الأمريكية. وبما أنّ الكيان الصهيوني يُعَدّ حليفًا استراتيجيًا، فإن السلطات تغضّ الطرف عن الجمعيات التي تدعم جيشه أو مستوطنيه، حتى عندما يصبّ نشاطها مباشرة في خدمة الإبادة.
في المقابل، لا يُسمَح بحالٍ من الأحوال بجمع تبرعات لفلسطين، بذريعة أنّ هذه الأموال قد تصل إلى منظمات تُصنَّف «إرهابية»، استنادًا إلى القوانين «الوطنية» التي أُقِرّت عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ونتيجةً لذلك، أُغلقت معظم المنظمات الإنسانية التي كانت تدعم الفلسطينيين، واقتصر مسار التبرعات على المنظمات الدولية أو الحكومية فقط، فيما نشهد اليوم تضييقًا إضافيًا ومتزايدًا على المنظمات الخيرية الإسلامية.
ولا تختلف أوروبا كثيرًا عن الولايات المتحدة؛ فالجمعيات التي تنشط علنًا في جمع الأموال للمستوطنين أو لدعم الجيش الصهيوني تعمل بحرّية تامة، بينما تُحظَر المنظمات الخيرية الفلسطينية ويُضيَّق عليها تحت شتّى الذرائع.
إنه زمن الشَّقلبة، زمن الأعور الدجّال؛ زمنٌ تُحرَّم فيه الأموال على أصحاب الأرض الجائعين المقموعين، فيما تُساق بسخاءٍ إلى المحتلّين الغاصبين.

نيسان ـ نشر في 2025-12-24 الساعة 08:41


رأي: اسماعيل الشريف

الكلمات الأكثر بحثاً