اتصل بنا
 

حين ينهزم الحزن… وتنتصر الحياة

نيسان ـ نشر في 2025-12-26 الساعة 14:08

نيسان ـ ليست هذه اللوحة مرثية، ولا نشيد وداع، بل إعلان فرحٍ هادئ يخرج من تحت الركام.
إنها لحظة انتصار صامت للحياة، حين تكتشف أن الحزن—مهما كان عميقًا—ليس قدرًا أبديًا، بل محطة عابرة في مسيرة لا تتوقف.
في المشهد، لا شيء صارخ، ومع ذلك كل شيء يحتفل.
أرضٌ صخرية كانت كفيلة بأن تمنع الولادة، لكنها فشلت. بين الحجارة القاسية، خرج العشب أخضرَ طريًّا، وتفتّحت الزهور بألوان مختلفة، كأنها تقول: نحن هنا… رغم كل شيء.
الزهرة البنفسجية في المقدّمة تشبه حزنًا قديمًا استقرّ في القلب، لم يعد يوجع، لكنه لا يُنسى. لم تُقتل الذكرى، بل تهذّبت. إلى جوارها زهرة وردية، أخفّ ظلًا، أقرب إلى الضوء، تمشي بثقة نحو التوازن. أما الزهرة الحمراء، المرتفعة في الأعلى، فهي ذروة المعنى: فرحٌ ناضج، لا يخجل من نفسه، ولا يطلب الإذن من الألم.
هذا التدرّج اللوني ليس صدفة؛ إنه مسار إنساني كامل:
من وجعٍ مكتوم، إلى قبولٍ هادئ، إلى فرحٍ يعرف لماذا وُلد.
العشب الذي يتسلّل بين الصخور ليس مجرد تفصيل طبيعي، بل فلسفة حياة. إنه إعلان بأن الحزن يمكن حبسه في الداخل دون أن يتحوّل إلى سجن. نضعه في مكانه الصحيح: في الذاكرة، لا في الطريق؛ في القلب، لا في الملامح؛ في العمق، لا في الواجهة.
أما السماء الزرقاء، فهي لا تعد بمعجزات، لكنها تمنح ما هو أهم: الطمأنينة. طمأنينة أن الحياة مستمرة، وأن الضوء لا يحتاج إلى إذن كي يدخل، وأن الفرح ليس خيانةً لمن رحلوا، بل استمرارٌ لهم فينا.
بهذا الحسّ الوجداني العميق، يقدّم الفنان محمد الدغليس لوحة تشبه الرحلة الأولى بعد الفقد: رحلة لا تُنكر الحزن، لكنها ترفض الخضوع له. لوحة تقول إننا لا ننسى، لكننا نختار أن نعيش؛ لا نمحو الألم، لكننا نزرع فوقه أزهارًا؛ لا نقتل الذاكرة، بل نُحيي المستقبل.
إنها لوحة عن الفرح الذي ينتصر بهدوء،
عن الحياة التي تمشي بلا ضجيج،
عن القلب الذي تعلّم أن يقول للحزن:
مكانك محفوظ… لكن القيادة للحياة.

نيسان ـ نشر في 2025-12-26 الساعة 14:08


رأي: د. وليد العريض

الكلمات الأكثر بحثاً