انت منذ الأمس ..
نيسان ـ نشر في 2025-12-29 الساعة 09:06
نيسان ـ في مسرحية “ أنت منذ الأمس ” لا يقدم تيسير سبول نصاً يُمثل بقدر ما يقدم سؤالاً يُعاش، ويأتي إعداد وإخراج الدكتور عبدالسلام قبيلات ليحول هذا السؤال من حبرٍ على ورق إلى تجربة وجودية تهز المتفرج من الداخل، وتضعه وجهاً لوجه أمام ذاته، لا أمام الخشبة فقط.
هذه المسرحية ليست حكاية تُروى، بل تحول يُفرض. عنوانها ذاته يحمل قسوة القرار.. أنت منذ الأمس ..
منذ الأمس ماذا؟
منذ الأمس مسؤول؟ حر؟ محكوم؟ معزول عن ماضيه؟
هنا تبدأ فلسفة العرض.
كتب تيسير سبول نصه بروح قلقة، مشبعة بأسئلة الحرية والاختيار والسلطة والهوية. شخصياته لا تتحرك بدافع الحدث، بل بدافع الوعي، وعيٍ مأزوم، متشظ، يبحث عن معنى في عالم يفرض عليه تعريفاً جاهزاً للذات.
النص لا يمنح أجوبة، بل يمارس ما يمكن تسميته بـ العنف الفكري النبيل: يهز المسلمات، يجرد اللغة من زخرفها، ويضع الإنسان في مواجهة السؤال الأخطر: هل نحن ما نختاره، أم ما يُفرض علينا؟
في قراءة الدكتور عبدالسلام قبيلات، لا يصبح الإخراج أداة شرح للنص، بل شريكاً فلسفياً له.
اختار قبيلات أن يخرج عن المألوف، لا شكلياً فقط، بل بنيوياً : الحركة ليست طبيعية، بل دلالية
الصمت لا يقل أهمية عن الحوار ، الجسد يتحول إلى نص مواز ، الفضاء المسرحي ليس مكاناً ، بل حالة نفسية
المخرج لا يقود المتفرج، بل يربكه عمداً . يتركه في منطقة رمادية بين الفهم واللايقين، لأن اليقين – في فلسفة العرض – وهم مريح، بينما القلق هو بداية الوعي.
أحد أجمل إنجازات هذا العرض هو تحويل الجسد المسرحي إلى كيان فلسفي.
الجسد هنا: مقيد حتى وهو واقف ... حر حتى وهو صامت
ينكسر ليكشف عن المعنى ... الحركة ليست استعراضاً ، بل تفكيراً مرئياً .
كل انحناءة، كل توقف، كل التفاتة، تحمل سؤالاً لا يُقال بالكلام.
في “ أنتَ منذ الأمس “ لا يجلس المتفرج في منطقة الأمان.
العرض لا يسأله: هل أعجبك؟
بل يسأله: أين تقف أنت من كل هذا؟
لو قيل لك: أنت منذ الأمس .... فماذا ستكون؟
وهنا يكمن العمق الحقيقي لإبداع عبدالسلام قبيلات: إنه لا يصنع عرضاً يُصفق له، بل تجربة تُحاسِب.
( أنت منذ الأمس ) ليست مسرحية تُشاهد مرة واحدة، بل تجربة تُستعاد.
وإخراج الدكتور عبدالسلام قبيلات يرفع النص من مستوى الحدث إلى مستوى الرؤية، ومن مستوى التمثيل إلى مستوى التأمل الفلسفي.
إنه مسرح: لا يهادن ... لا يزين الواقع ... لا يخشى السؤال
مسرح يؤمن أن الفن الحقيقي لا يقدم إجابات جاهزة، بل يتركك تغادر القاعة وأنت أقل يقيناً وأكثر وعياً ..
وذلك، في زمن الضجيج، هو أرقى أشكال الإبداع.
ايضا موسيقى العبقري موسى قبيلات في المسرحيه
إضافة موسيقى العبقري موسى قبيلات إلى مسرحية ( أنت منذ الأمس ) لم تكن عنصراً مكملاً للعرض، بل كانت ضميراً خفياً ينبض تحت النص والإخراج، ويمنح التجربة بعدها السمعي–الوجودي العميق. فكما اشتغل عبدالسلام قبيلات على تفكيك الصورة والحركة، اشتغل موسى قبيلات على تفكيك الصوت بوصفه معنى، لا خلفية.
موسيقى موسى قبيلات لا تأتي لتشرح الحدث أو تزينه، بل لتضع المتفرج في حالة توتر فلسفي دائم. هي موسيقى لا تُطمئن، بل تُنذر.
لا تقول: انتبه، هذا مشهد حزين
بل تقول: هناك شيء غير مكتمل... شيء مكسور... شيء يُفكر.
إنها موسيقى تعرف متى تظهر، والأهم متى تنسحب، تاركة الصمت يتكلم ببلاغة أعلى من أي لحن.
في هذا العرض، تتشابك موسيقى موسى قبيلات مع الجسد المسرحي في علاقة عضوية... أحياناً تسبق الحركة وكأنها نبوءة ... أحياناً تلحقها وكأنها أثر نفسي متأخر ... وأحياناً تتصادم معها لتخلق قلقاً مقصوداً
الصوت هنا لا يسير في خط أفقي، بل في طبقات نفسية، تعمق إحساس الاغتراب، وتحول الجسد إلى مساحة صدى داخلي.
ما يميز موسيقى موسى قبيلات أنها درامية في ذاتها، لا تحتاج إلى مشهد كي تُبرر.
نسمع فيها... شظايا لحنية غير مكتملة... إيقاعات تتقدم ثم تتراجع ... مساحات فراغ صوتي مقصودة
وكأن الموسيقى تعيش الأزمة ذاتها التي يعيشها الإنسان في النص ، بحث دائم عن انسجام مفقود.
في “ أنت منذ الأمس “ لا يمكن فصل الإخراج عن الموسيقى.
عبدالسلام قبيلات يرسم السؤال بالصورة والحركة، وموسى قبيلات يهمس به في الأذن واللاوعي.
هذا التكامل لا يبدو اتفاقاً تقنياً ، بل حواراً فكرياً بين مخرج وملحن يؤمنان بأن المسرح ليس عرضاً ، بل تجربة وعي.
موسيقى موسى قبيلات في هذه المسرحية ليست ترفاً فنياً ، بل ضرورة وجودية.
هي نبض خفي، قلق جميل، وصوت داخلي يرافق المتفرج حتى بعد انطفاء الأضواء.
وبذلك، تكتمل” أنت منذ الأمس “ كثالوث إبداعي:
نص يسأل ... إخراج يُقلق ... وموسيقى تُوقظ
وكلها تصب في مسرح لا يُستهلك، بل يُفكر فيه... انه مسرح الشمس :
إنه مسرح التعرية، مسرح الضوء القاسي الذي لا يترك للإنسان مكاناً يختبئ فيه.
وفي هذا المعنى، فإن إبداع الدكتور عبدالسلام قبيلات ومعه موسى قبيلات يقدمان نموذجاً لمسرح عربي جريء، شمسي، لا يخشى الضوء…لأنه يعرف أن الظلال لا تصنع إنساناً حراً .
“ منى مصبح القبيلات “
هذه المسرحية ليست حكاية تُروى، بل تحول يُفرض. عنوانها ذاته يحمل قسوة القرار.. أنت منذ الأمس ..
منذ الأمس ماذا؟
منذ الأمس مسؤول؟ حر؟ محكوم؟ معزول عن ماضيه؟
هنا تبدأ فلسفة العرض.
كتب تيسير سبول نصه بروح قلقة، مشبعة بأسئلة الحرية والاختيار والسلطة والهوية. شخصياته لا تتحرك بدافع الحدث، بل بدافع الوعي، وعيٍ مأزوم، متشظ، يبحث عن معنى في عالم يفرض عليه تعريفاً جاهزاً للذات.
النص لا يمنح أجوبة، بل يمارس ما يمكن تسميته بـ العنف الفكري النبيل: يهز المسلمات، يجرد اللغة من زخرفها، ويضع الإنسان في مواجهة السؤال الأخطر: هل نحن ما نختاره، أم ما يُفرض علينا؟
في قراءة الدكتور عبدالسلام قبيلات، لا يصبح الإخراج أداة شرح للنص، بل شريكاً فلسفياً له.
اختار قبيلات أن يخرج عن المألوف، لا شكلياً فقط، بل بنيوياً : الحركة ليست طبيعية، بل دلالية
الصمت لا يقل أهمية عن الحوار ، الجسد يتحول إلى نص مواز ، الفضاء المسرحي ليس مكاناً ، بل حالة نفسية
المخرج لا يقود المتفرج، بل يربكه عمداً . يتركه في منطقة رمادية بين الفهم واللايقين، لأن اليقين – في فلسفة العرض – وهم مريح، بينما القلق هو بداية الوعي.
أحد أجمل إنجازات هذا العرض هو تحويل الجسد المسرحي إلى كيان فلسفي.
الجسد هنا: مقيد حتى وهو واقف ... حر حتى وهو صامت
ينكسر ليكشف عن المعنى ... الحركة ليست استعراضاً ، بل تفكيراً مرئياً .
كل انحناءة، كل توقف، كل التفاتة، تحمل سؤالاً لا يُقال بالكلام.
في “ أنتَ منذ الأمس “ لا يجلس المتفرج في منطقة الأمان.
العرض لا يسأله: هل أعجبك؟
بل يسأله: أين تقف أنت من كل هذا؟
لو قيل لك: أنت منذ الأمس .... فماذا ستكون؟
وهنا يكمن العمق الحقيقي لإبداع عبدالسلام قبيلات: إنه لا يصنع عرضاً يُصفق له، بل تجربة تُحاسِب.
( أنت منذ الأمس ) ليست مسرحية تُشاهد مرة واحدة، بل تجربة تُستعاد.
وإخراج الدكتور عبدالسلام قبيلات يرفع النص من مستوى الحدث إلى مستوى الرؤية، ومن مستوى التمثيل إلى مستوى التأمل الفلسفي.
إنه مسرح: لا يهادن ... لا يزين الواقع ... لا يخشى السؤال
مسرح يؤمن أن الفن الحقيقي لا يقدم إجابات جاهزة، بل يتركك تغادر القاعة وأنت أقل يقيناً وأكثر وعياً ..
وذلك، في زمن الضجيج، هو أرقى أشكال الإبداع.
ايضا موسيقى العبقري موسى قبيلات في المسرحيه
إضافة موسيقى العبقري موسى قبيلات إلى مسرحية ( أنت منذ الأمس ) لم تكن عنصراً مكملاً للعرض، بل كانت ضميراً خفياً ينبض تحت النص والإخراج، ويمنح التجربة بعدها السمعي–الوجودي العميق. فكما اشتغل عبدالسلام قبيلات على تفكيك الصورة والحركة، اشتغل موسى قبيلات على تفكيك الصوت بوصفه معنى، لا خلفية.
موسيقى موسى قبيلات لا تأتي لتشرح الحدث أو تزينه، بل لتضع المتفرج في حالة توتر فلسفي دائم. هي موسيقى لا تُطمئن، بل تُنذر.
لا تقول: انتبه، هذا مشهد حزين
بل تقول: هناك شيء غير مكتمل... شيء مكسور... شيء يُفكر.
إنها موسيقى تعرف متى تظهر، والأهم متى تنسحب، تاركة الصمت يتكلم ببلاغة أعلى من أي لحن.
في هذا العرض، تتشابك موسيقى موسى قبيلات مع الجسد المسرحي في علاقة عضوية... أحياناً تسبق الحركة وكأنها نبوءة ... أحياناً تلحقها وكأنها أثر نفسي متأخر ... وأحياناً تتصادم معها لتخلق قلقاً مقصوداً
الصوت هنا لا يسير في خط أفقي، بل في طبقات نفسية، تعمق إحساس الاغتراب، وتحول الجسد إلى مساحة صدى داخلي.
ما يميز موسيقى موسى قبيلات أنها درامية في ذاتها، لا تحتاج إلى مشهد كي تُبرر.
نسمع فيها... شظايا لحنية غير مكتملة... إيقاعات تتقدم ثم تتراجع ... مساحات فراغ صوتي مقصودة
وكأن الموسيقى تعيش الأزمة ذاتها التي يعيشها الإنسان في النص ، بحث دائم عن انسجام مفقود.
في “ أنت منذ الأمس “ لا يمكن فصل الإخراج عن الموسيقى.
عبدالسلام قبيلات يرسم السؤال بالصورة والحركة، وموسى قبيلات يهمس به في الأذن واللاوعي.
هذا التكامل لا يبدو اتفاقاً تقنياً ، بل حواراً فكرياً بين مخرج وملحن يؤمنان بأن المسرح ليس عرضاً ، بل تجربة وعي.
موسيقى موسى قبيلات في هذه المسرحية ليست ترفاً فنياً ، بل ضرورة وجودية.
هي نبض خفي، قلق جميل، وصوت داخلي يرافق المتفرج حتى بعد انطفاء الأضواء.
وبذلك، تكتمل” أنت منذ الأمس “ كثالوث إبداعي:
نص يسأل ... إخراج يُقلق ... وموسيقى تُوقظ
وكلها تصب في مسرح لا يُستهلك، بل يُفكر فيه... انه مسرح الشمس :
إنه مسرح التعرية، مسرح الضوء القاسي الذي لا يترك للإنسان مكاناً يختبئ فيه.
وفي هذا المعنى، فإن إبداع الدكتور عبدالسلام قبيلات ومعه موسى قبيلات يقدمان نموذجاً لمسرح عربي جريء، شمسي، لا يخشى الضوء…لأنه يعرف أن الظلال لا تصنع إنساناً حراً .
“ منى مصبح القبيلات “
