2026: عام السعادة
نيسان ـ نشر في 2025-12-31 الساعة 10:04
نيسان ـ ليس الأمر أننا نملك وقتًا قصيرًا للعيش، بل إننا نُهدر الكثير منه - سينيكا.
الموتُ أمرٌ حتميّ، وهو جزءٌ أصيل من الحياة، ولا مهربَ منه ولا فكاك.
تُروى قصة ولا أعلم مدى صحتها أن ملكَ الموت كان يتردّد على مجلس النبي سليمان عليه السلام في هيئة رجل. وذات مرة دخل عليه فوجده جالسًا مع أحد وزرائه، فأطال النظر إليه بدهشة، ثم انصرف دون أن يتكلم. سأل الوزير سليمان عن الرجل، فأجابه: ذاك ملك الموت. عندها ارتعدت فرائص الوزير، واشتدّ خوفه، وتوسّل إلى سليمان أن يأمر الرياح فتحمله إلى الهند، فلبّى له سليمان طلبه. وبعد حين عاد ملك الموت، فسأله سليمان عن سرّ نظره المتعجّب، فقال: إن الله أمرني أن أقبض روح هذا الوزير في الهند، فلما وجدته عندك تعجّبت، وقلت في نفسي: كيف يبلغ الهند وقد حان أجله؟ غير أنني أيقنت بقضاء الله. وما إن وصلت إلى الهند حتى وجدته هناك ينتظرني.
إن أردتَ السكينة والسعادة في هذا العام، فاجعل على لسانك جملةً من أربع كلمات تختصر الحقيقة كلّها في الآية الكريمة: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ).
لقد غرس العظماء في وعيهم يقينَ الفناء، فاتخذ بعضهم رموزًا دائمة تُذكِّرهم بالموت؛ ساعاتٍ وخواتمَ ونقوشًا على الجدران، كي لا تغويهم السلطة ولا يُسكرهم المجد. فالرسول صلى الله عليه وسلم، يوم فتح مكة، دخلها متواضعًا مطأطئَ الرأس. وعلى النقيض من مظاهر الغرور، كان أحد قادة الرومان، في مواكب النصر، يسير مختالًا، وخلفه عبدٌ يهمس في أذنه مذكّرًا إيّاه بالموت. ويُروى أن من هذا المعنى وُلدت العبارة الشهيرة «ممنتو موري»؛ أي: تذكّر أنك فانٍ.
تذكَّر أن الحياة، مهما كانت جميلة، فإن هذا الجمال مهما طال ينتهي بالموت. وفي المزمور 90:12 ورد: «علِّمنا إحصاء أيّامنا لكي نُؤتى قلبَ حكمة»، هي دعوةٌ صريحة لإدراك قِصر الحياة وتعلّم فنّ عيشها بوعي. وعن سيدنا عليّ رضي الله عنه: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا»، ميزانٌ دقيق بين الحضور في الدنيا والاستعداد للآخرة. وتلتقي هذه الحكمة مع التعاليم البوذية التي تجعل وعي الفناء أساسًا للصفاء، ومع طريق الساموراي في «هاكاغوري»، حيث تتكرر الوصية: «صباحًا بعد صباح نمارس الموت» لا تمجيدًا له، بل تهذيبًا للحياة.
إن استحضار هذه الحقيقة البسيطة (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) كفيلٌ بأن ينقل حياتك إلى مسارٍ أهدأ وأصفى، ويقودها بثباتٍ نحو الأفضل. ستعيش لحظتك لأن المستقبل غير مضمون، ولأن الماضي قد مضى، (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم). ستتعلّم الامتنان، فالوقت ينفد سريعًا، وكل لحظة هِبة، وستدرك أن الفشل جزءٌ من الطريق، وأن الحياة أقصر من أن تُقضى في الجحود. «من أصبح منكم آمنًا في سِرْبه، معافًى في بدنه، عنده قوتُ يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها».
سيُخفِّف هذا الوعي من غرورك، فالتواضع ثمرةٌ طبيعية لمصالحة النفس مع الموت، (إن الله لا يحب كل مختالٍ فخور). وستسمو روحك بالابتعاد عن شهوة التملّك، فتستخدم ما لديك أدواتٍ لخدمة الناس. وحين أُسرت شقيقةُ عديّ بن حاتم الطائي، أُشير عليه أن يذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لسموّ أخلاقه، فلما دخل عليه في منزله قدّم له وسادةً ليقعد عليها، فردّها عديّ، فلم يكن غيرُها، فأصرّ الرسول وجلس هو على الأرض صلى الله عليه وسلم.
وسيمنحك هذا الإدراك وضوحًا حاسمًا، حين تسأل نفسك: لو لم يبقَ من عمري إلا شهر، كيف سأعيشه؟ وقد طرحت ممرضةٌ أسترالية هذا السؤال على مرضاها الذين كانوا على وشك الموت، فجاءت إجاباتهم كلّها عن مواقف إنسانية ندموا عليها، ولم يذكر أحدٌ مالًا أو جاهًا.
وإن لم تُصدّق ذلك، فانظر إلى مملكة بوتان؛ دولة فقيرة في جبال الهيمالايا، ومع ذلك تُوصَف بأنها أسعد دولة في العالم. ويُقال إن سكانها يتذكّرون الموت بمعدّل خمس مرات يوميًا.
ردِّد الآيةَ الكريمة، وامنح الراحلين حقَّهم في التكريم؛ بحضور جنائزهم، والصلاة عليهم، ومواراتهم الثرى. زُر المقابر، وواجه نفسك بالسؤال الصادق: هل أعيش اليوم بوعي من يعلم أنه سيموت؟ وهل ستبقى البذور التي غرستُها حيّةً بعد رحيلي؟
فالحياةُ فرصةٌ واحدة لا تتكرّر، فلا تدعها تنفلت من بين يديك؛ ففيها تُصاغ آخرتك.
الموتُ أمرٌ حتميّ، وهو جزءٌ أصيل من الحياة، ولا مهربَ منه ولا فكاك.
تُروى قصة ولا أعلم مدى صحتها أن ملكَ الموت كان يتردّد على مجلس النبي سليمان عليه السلام في هيئة رجل. وذات مرة دخل عليه فوجده جالسًا مع أحد وزرائه، فأطال النظر إليه بدهشة، ثم انصرف دون أن يتكلم. سأل الوزير سليمان عن الرجل، فأجابه: ذاك ملك الموت. عندها ارتعدت فرائص الوزير، واشتدّ خوفه، وتوسّل إلى سليمان أن يأمر الرياح فتحمله إلى الهند، فلبّى له سليمان طلبه. وبعد حين عاد ملك الموت، فسأله سليمان عن سرّ نظره المتعجّب، فقال: إن الله أمرني أن أقبض روح هذا الوزير في الهند، فلما وجدته عندك تعجّبت، وقلت في نفسي: كيف يبلغ الهند وقد حان أجله؟ غير أنني أيقنت بقضاء الله. وما إن وصلت إلى الهند حتى وجدته هناك ينتظرني.
إن أردتَ السكينة والسعادة في هذا العام، فاجعل على لسانك جملةً من أربع كلمات تختصر الحقيقة كلّها في الآية الكريمة: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ).
لقد غرس العظماء في وعيهم يقينَ الفناء، فاتخذ بعضهم رموزًا دائمة تُذكِّرهم بالموت؛ ساعاتٍ وخواتمَ ونقوشًا على الجدران، كي لا تغويهم السلطة ولا يُسكرهم المجد. فالرسول صلى الله عليه وسلم، يوم فتح مكة، دخلها متواضعًا مطأطئَ الرأس. وعلى النقيض من مظاهر الغرور، كان أحد قادة الرومان، في مواكب النصر، يسير مختالًا، وخلفه عبدٌ يهمس في أذنه مذكّرًا إيّاه بالموت. ويُروى أن من هذا المعنى وُلدت العبارة الشهيرة «ممنتو موري»؛ أي: تذكّر أنك فانٍ.
تذكَّر أن الحياة، مهما كانت جميلة، فإن هذا الجمال مهما طال ينتهي بالموت. وفي المزمور 90:12 ورد: «علِّمنا إحصاء أيّامنا لكي نُؤتى قلبَ حكمة»، هي دعوةٌ صريحة لإدراك قِصر الحياة وتعلّم فنّ عيشها بوعي. وعن سيدنا عليّ رضي الله عنه: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا»، ميزانٌ دقيق بين الحضور في الدنيا والاستعداد للآخرة. وتلتقي هذه الحكمة مع التعاليم البوذية التي تجعل وعي الفناء أساسًا للصفاء، ومع طريق الساموراي في «هاكاغوري»، حيث تتكرر الوصية: «صباحًا بعد صباح نمارس الموت» لا تمجيدًا له، بل تهذيبًا للحياة.
إن استحضار هذه الحقيقة البسيطة (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) كفيلٌ بأن ينقل حياتك إلى مسارٍ أهدأ وأصفى، ويقودها بثباتٍ نحو الأفضل. ستعيش لحظتك لأن المستقبل غير مضمون، ولأن الماضي قد مضى، (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم). ستتعلّم الامتنان، فالوقت ينفد سريعًا، وكل لحظة هِبة، وستدرك أن الفشل جزءٌ من الطريق، وأن الحياة أقصر من أن تُقضى في الجحود. «من أصبح منكم آمنًا في سِرْبه، معافًى في بدنه، عنده قوتُ يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها».
سيُخفِّف هذا الوعي من غرورك، فالتواضع ثمرةٌ طبيعية لمصالحة النفس مع الموت، (إن الله لا يحب كل مختالٍ فخور). وستسمو روحك بالابتعاد عن شهوة التملّك، فتستخدم ما لديك أدواتٍ لخدمة الناس. وحين أُسرت شقيقةُ عديّ بن حاتم الطائي، أُشير عليه أن يذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لسموّ أخلاقه، فلما دخل عليه في منزله قدّم له وسادةً ليقعد عليها، فردّها عديّ، فلم يكن غيرُها، فأصرّ الرسول وجلس هو على الأرض صلى الله عليه وسلم.
وسيمنحك هذا الإدراك وضوحًا حاسمًا، حين تسأل نفسك: لو لم يبقَ من عمري إلا شهر، كيف سأعيشه؟ وقد طرحت ممرضةٌ أسترالية هذا السؤال على مرضاها الذين كانوا على وشك الموت، فجاءت إجاباتهم كلّها عن مواقف إنسانية ندموا عليها، ولم يذكر أحدٌ مالًا أو جاهًا.
وإن لم تُصدّق ذلك، فانظر إلى مملكة بوتان؛ دولة فقيرة في جبال الهيمالايا، ومع ذلك تُوصَف بأنها أسعد دولة في العالم. ويُقال إن سكانها يتذكّرون الموت بمعدّل خمس مرات يوميًا.
ردِّد الآيةَ الكريمة، وامنح الراحلين حقَّهم في التكريم؛ بحضور جنائزهم، والصلاة عليهم، ومواراتهم الثرى. زُر المقابر، وواجه نفسك بالسؤال الصادق: هل أعيش اليوم بوعي من يعلم أنه سيموت؟ وهل ستبقى البذور التي غرستُها حيّةً بعد رحيلي؟
فالحياةُ فرصةٌ واحدة لا تتكرّر، فلا تدعها تنفلت من بين يديك؛ ففيها تُصاغ آخرتك.
نيسان ـ نشر في 2025-12-31 الساعة 10:04
رأي: اسماعيل الشريف


