كبريتة وباكيت دخان
شاهر الشريدة
كاتب أردني
نيسان ـ نشر في 2015-12-31 الساعة 12:51
وأنا بفتش بخزانتي وجدت رسائل قديمة من أيام الجامعة، رسائل اخذتني للماضي لاكثر من 17 سنة.
كنا كل فترة نغير السكن ونرحل من منطقة لمنطقة ومن حارة لحارة، كنا هاديين، لكن هدوء ممزوج بشيطنة عفوية كعادة اولاد القرى، وطبعا ما كان فيه خلويات لنحكي مع المعجبات من بنات الحارة، فكنا نتواصل بالرسائل.
كنت نتبادل الرسائل بعلبة كبريت او باكيت دخان، ومرات نلفها بحبة علكة نرميها بطريق بعض.
ايام جميلة، برغم صعوبتها النا كشباب عايشين بعيد عن اهالينا، أيام طفر ومعاناة، لكن كنا مبسوطين، لأن احلامنا كانت كبيرة، احلام بمستقبل وحياة افضل.
ايامنا الصعبة كان يحليها بنات الحارة، واحلام كبيرة كنا نشعلها بعلبة كبريت، ونستلذ فيها مع كل سيجارة، ونحس بنكهتها مع حبات العلكة.
رسائل عمرها اكثر من 17 سنة، رسائل مليانة احلام بمستقبل كنا نشوفه موجود، احلام كبيرة بحجم الوطن اللي حاوينا، رسائل فيها اكثر من مجرد ذكريات، فيها معاني ما كنا نتوقع يجي يوم ونحاول نفسرها.
رسائل كنا نكتبها بحارات ما بتعرف جنسية، وما بتعرف طبقية وطائفية، وما كنا بحاجة رقم وطني لنتراسل، وما كان فيها اي اشارات عنصرية.
خربشات شوق وعلاقات عفوية، فضحت المستقبل الجميل اللي كنا نؤمن بوجوده، وفضحت زيف احلام كنا نوقعها بحروف سريّة.
رحلنا من حارة لحارة، وخلصنا جامعة، وتركنا بكل حارة بعمان أثار ابتسامات خجولة وقلوب حائرة، واثار للحظات طيش مجنونة، وبكل حارة تنفسنا روائح مختلفة من نسيج الوطن، روائح زرعت فينا حب ما بنتهي لكل اصوله واطيافه.
سرقوك يا وطني، وسرقوا كل ذكرياتنا الجميلة فيك، وقتلوا كل احلامنا وحرقوها بعلبة كبريت، وغيروا طعم الدخان والعلكة، وصارت بطعم الفتن، ليقتلوا كل شيئ جميل عشناه فيك.