اتصل بنا
 

دفاترنا العتيقة في مواجهة فقرنا وعجز ميزانياتنا

كاتب أردني وخبير مياه

نيسان ـ نشر في 2016-01-01 الساعة 13:59

نيسان ـ


لا تقلقني كثيرا قصة عجز الميزانيات في الدول العربية إجمالا بل المقلق هو أسلوب المواجهة ولا سيما من قبل دول الخليج العربي فأمر شعوب هذه الدول وأمر ملايين من القوى البشرية العربية العاملة في هذه الدول يجب أن يكون الشغل الشاغل لنا جميعا كأمة عربية للأهمية المطلقة لحصانة اقتصاديات هذه الدول.
مما يؤسف له كثيرا أن موازنات الدول العربية في مجملها تقوم على نقيضين. أما دول النفط الثرية فاقتصاديات رفاه تقوم على ريع النفط في المجمل مع تفاوت هذه الدول في تنويع مصادر دخلها في مقابل دول فقيرة تقوم اقتصادتها على جيوب مواطنيها حيث تمثل نسبة الضرائب في بعض هذه الدول ما يزيد على ثمانين في المائة من موازناتها.
لا يهمنا هنا قراءات جهابذة الاقتصاد ولا مختصيه فهم للأسف إما مختصون في تقديم النصح للأثرياءليزدادو ثراء على حساب الفقراء أو بائعو نظريات لم تسمن ولم تغن من جوع في واقعنا العربي.
ما يهمني هو المواجهة بوسائل من كنزنا العربي الثمين (دفاترنا العتيقة) ونعت هذه الدفاتر بالعتيقة هو على سبيل الإجلال والإكبار حيث أنه بهذا النعت وصف عظيمنا أبو بكر الصديق فهو العتيق تعظيما وإجلالا لخليفة أعظم من عرفت الدنيا وجريا على مثلنا الشعبي (من يفتقر يبحث في دفاتره العتيقة).
تقول دفاترنا العتيقة لواضعي ميزانياتنا : (الاقتصاد نصف العيش) وقد استنبط هذا المبدأ الاقتصادي العظيم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: طعام الواحد يكفي الإثنين وطعام الإثنين يكفي الأربعة). إذن حين تقول دولة من دولنا أن ميزانيتها على سبيل المثال عشرة مليارت بعجز مقداره مليار أو ملياران أو ثلاثة, ينبغي أن نستنبط أنه بإمكان هذه الدولة أن تؤدي جميع ما تخطط لإنفاقه دون عجز ولا سيما أن كثيرا من الدول العربية وإن لم يكن معظمها يستهلك الفساد من ميزانيتها أكثر بكثير من نسب العجز, هذا إن أغفلنا كفاءة الإنفاق والاعتماد على المنتج المحلي وتحفيز كفاءة الفرد وزيادة ساعات الإنتاج وتقليل الإنفاق الاستهلاكي غير المنتج والبعد عن الرفاهية غير الضرورية وتحضرني هنا إحصائية مرعبة تقول بأن العالم العربي ينفق على السجائر ما مقداره خمسون مليار دولار سنويا. ألا يساوي هذا الرقم ربما ميزانية عشر دول عربية.
تقول دفاترنا العتيقة: مر عمر بن الخطاب بأرض بور كان قد منحها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة فاسترجعها منه فاشتكى الصحابي الى عمر قائلا: قد أعطانيها رسول الله فرد عليه العبقري عمر: قد أعطاك إياها رسول الله لتأكل وتطعم. من هنا نقول كم يمتلك أثرياء هذه الأمة أموالا مكنوزة مجمدة لا يستفيد منها حتى أصحابها وكم من أراضي الأمة التي تترك بورا والتي لو تستغل بأموال مجمدة في بنوك سويسرا فستطعم العالم وليس الأمة فقط.
ونعطف على المبدأ السابق مبدأ عظيما لم تستطع كل نظريات الرأسمالية المتوحشة أن تصوغ حرفا منه وللأسف لا تتنبه له لا الدول ولا الأفراد في وطننا العربي, تقول دفاترنا العتيقة: يقول الإنسان مالي مالي وما له في الدنيا إلا ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى. بكل بساطة هناك فرق عظيم بين الكسب والرزق فقد يكسب بعض الأفراد في أوطاننا يوميا ألوفا أو ملايين وهم لا ينتبهون أن رزقهم فيها لا يتعدى جزءا يسيرا منها. ما حاجة ثري الى ألف دينار في اليوم إن كان سينفق منها عشرة دنانير. لا تقع المسؤولية هنا على ذات الفرد الجشع ولكن على الدولة التي تسمح لمن يحتاج في اليوم عشرة دنانير أن يكسب ألفا في حين أن من يحتاج العشرة دنانير لا يستطيع تحصيلها. هذا التشوه الاقتصادي الشنيع في بلداننا العربية والذي يتم تحت سمع وبصر الدولة العربية هو سبب ما أسموه لنا ربيعا عربيا ففي حين صفع محمد البوعزيزي لأنه يريد أن يحصل على ما يحتاج له قوتا , يخزن أثرياؤنا أموالا لا يعرفون منها سوى أرقام حسابات. وهل أبالغ إن قلت أن صفعة البوعزيزي فجرت غضبا شعبيا مكتوما في بلداننا كلف حكوماتنا الموقرة لغاية الآن ما يزيد على تريليون دولار علاوة على فوضى وعنف وإرهاب صنعه أعداؤنا من ضحايا فقرنا لا نعرف الى الآن الى أين سيأخذنا. لو استقبل العرب من أمرهم ما استدبروا أكانوا سيضنون ببضعة مليارات ينفقونها على فقراء هذه الأمة فيتجنبون ما يدفعونه الآن أضعافا مضاعفة مع فارق أنهم كانوا سيدفعون بالأمس وهم مطمئنون أما الآن فهم يدفعون أضعافا مضاعفة في حين لا يغمض لهم جفن.
تقول دفاترنا العتيقة: أيما أهل عرصة باتوا وفيهم امرؤ جائع فقد برأت منهم ذمة الله. هذا مبدأ اقتصادي عظيم جدا طبقته للأسف الدول الغربية ولم تنتبه له معظم الدول العربية. ستندهشون إن قلت لكم أنه ليس فقط يضمن الفقراء أساسياتهم من مطعم وملبس ومسكن في الدول الغربية الرأسمالية التي انتبهت لمخاطر الرأسمالية المتوحشة على الفقراء بل وبما يحفظ كرامتهم فهناك ببساطة موعد في اليوم يلتقط فيه الفقراء طعامهم بأبخس الأثمان. لقد رأيت بأم عيني متاجر تبيع أساسيات الطعام بأقل من 20% من ثمنها في المتاجر العامة أما أيام الآحاد فأنت تبتاع كل ما تحتاجه الأسرة وكذلك بأبخس الأثمان هذا علاوة على مستحقات الأطفال وتوفير منزل لكل من تنجب طفلا. بكل بساطة تخاطب الدولة المتحضرة هناك مواطنيها بعبارة: ادفعوا للفقراء حتى تناموا مطمأنين.
قلبوا دفاترنا العتيقة يا أصحاب الميزانيات العاجزة ففيها ما يسد عجز ميزانياتكم بل وأكثر من ذلك بكثير.

نيسان ـ نشر في 2016-01-01 الساعة 13:59

الكلمات الأكثر بحثاً