اتصل بنا
 

القراءة الإسرائيلية للحدث الكفاحي الفلسطيني ..

باحث سوري

نيسان ـ نشر في 2016-01-03 الساعة 16:38

نيسان ـ

نيسان

حاول الإسرائيليون الإجابة على رزمة أسئلة مترابطة، منها: لماذا يلجأ الفلسطينيون إلى العنف؟ وما هو المصطلح الدقيق للعنف الفلسطيني هل هو: "انتفاضة" أم "هبة شعبية" أم "إرهاب" أم "مقاومة" أم "اضطرابات"؟.

في البداية تم إنكار وصف الحدث الفلسطيني ب"الانتفاضة الثالثة" لأنه لم تبدو في الواقع دلائل انتفاضة، حيث أن الضفة الغربية ترفض الانجرار وراء التصعيد في شرقي القدس. ولكون الدافع لما جرى يتمثل في الكثير من الخطوات التي قام بها الجانب الإسرائيلي خلال شهر أيلول الماضي، ومنها: قرار مجموعة نشيطي اليمين الصهيوني برئاسة وزير الزراعة أوري أريئيل التوجه إلى الحرم القدسي الشريف المسمى صهيونياً ب"جبل البيت". وتغيير إجراءات الدخول إلى الصلاة للمسلمين، ومنع دخول قسم من المصلين في ساعات الصباح وهي خطوات لم تكن قائمة في الماضي. ومنع دخول النسوة المسلمات في الفترة التي يتواجد خلالها اليهود والأجانب ضمن الحرم، وتقييد الشرطة دخول الرجال دون سن الخمسين سنة إلى الحرم القدسي الشريف.

ولاحقاً، قال ناحوم برنياع، المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت":" هذه انتفاضة، إنها الانتفاضة الثالثة. من المهم أن نسميها باسمها لأن عدم تسميتها باسمها يسمح للساحة السياسية والعسكرية بالتملص، بالكبت، وبالهروب من المسؤولية. وفي هذه اللحظة تشبه في مزاياها الانتفاضة الأولى، التي بدأت في كانون الأول 1987 وخبت في أوائل التسعينات. وفي هذه الأثناء تجري خلف الخط الأخضر، في شرقي القدس وفي الضفة. وبقدر ما هو الماضي مؤشر للمستقبل، لن يبعد اليوم الذي تنتقل فيه إلى مدن إسرائيل الكبرى وتتحول من إرهاب سكاكين، حجارة، وزجاجات حارقة، والى إرهاب انتحاريين"(1).

وأشار برنياع إلى أنه "دحرجت الانتفاضتان السابقتان حكومات إسرائيل نحو خطوات قاسية في المرحلة الأولى، ونحو تنازلات مهمة في المرحلة الثانية. أدت الانتفاضة الأولى إلى العنف المضاد وبعد ذلك نحو اتفاق أوسلو؛ وأدت الانتفاضة الثانية إلى السور الواقي، والاحتلال العملي للضفة، وبعد ذلك إلى فك الارتباط عن غزة"(2).

ولخص برنياع، أسباب الانتفاضة الثالثة "ليس بسبب غياب الأمل السياسي، بل بسبب غياب كل أمل. لا أمل للوصول إلى دولة، وفي واقع الأمر لم تعد ثمة رغبة في الوصول إلى دولة: تبدد الإيمان في السلطة الفلسطينية وبمنافستها، حماس. لا أمل اقتصادياً: الضفة وغزة لا تنتجان شيئاً تقريباً، باستثناء أجهزة مضخمة من متلقي الرواتب على حساب الدول المانحة. لا أمل من العالم العربي، الذي ينشغل في هذه اللحظة بسورية، بالعراق وباليمن، ولا أمل من القوى العظمى الغربية. حتى الشباب الذين يهتفون الله أكبر عندما يرشقون الحجارة على سيارات المواطنين الإسرائيليين، أو عندما يطعنون مصلين في شارع الواد في البلدة القديمة، يعرفون أنهم يهتفون عبثاً. فالله لم يفعل شيئاً من أجل الفلسطينيين منذ هزيمة 1948. الله ليس هتاف الأمل لديهم؛ بل هتاف اليأس"(3).

واعتبر أنه على نتنياهو "مسؤولية لا بأس بها في اليأس، وانعدام الأمل. لقد غرق الفلسطينيون في اليأس، وحكومة إسرائيل لم تفعل شيئاً، في أي مجال يؤثر على حياتهم. لقد تركتهم يغرقون.ولقد آمن نتنياهو بأن الوضع الراهن سيستمر إلى الأبد، نحن نجففهم، نغلق عليهم، نستوطن ونتحكم، وهم سيطأطئون الرأس ويسلمون. لهذه الدرجة كان مغروراً. قالوا له إن هذا خطير. حذروه من أن إسرائيل ستدفع ثمناً باهظاً في الساحة الدولية، وأن موجة الارهاب على الطريق. دس رأسه في الرمال، ولم يخرجه إلا كي يخوض صراعاً وهمياً، مبذراً، عديم الاحتمال، ضد الاتفاق مع إيران"(4).

ورأى الصحفي يوني بن مناحم، أن "الحديث ليس عن انتفاضة ثالثة منظمة، بل إن هذه موجة من الإرهاب نابعة من التحريض، ومنظومة الكذب الفلسطينية بشأن "جبل البيت"، ولكنه أيضاً إخفاق السياسيات الأمنية وعدم فهم إمكانية الانفجار في "جبل البيت" والطريقة التي يؤثر بها الإخفاق على الوضع الأمني. ولا يحتاج "الإرهاب الإسلامي" المتطرف لأسباب خاصة من أجل قتل اليهود في كل مكان، ولكن لماذا نعطيه الذريعة للقيام بذلك وحتى السماح له بتحويل الضحايا اليهود الأبرياء إلى مذنبين؟"(5).

وحدد بن مناحم، العوامل الرئيسية التالية للوضع الأمني غير المستقر في القدس:

• أعمال الشرطة والشاباك: إن الشرطة الإسرائيلية موجودة في حالة أزمة وانهيار للروح المعنوية بشكل متزايد، بسبب الطريقة التي يقودها الوزير جلعاد أردان دون شكل محدد، فلم يقدروا على ما يبدو قدوم شهر الأعياد اليهودية وعيد الأضحى الإسلامي. لم ينشروا قوات كافية في الوقت المحدد في الأماكن الحساسة، لتتحرك بشكل غير ضروري، وإن دخول المسلمين إلى جبل البيت ليس محدداً، عندما كان ضرورياً، وإن دخول الشباب المسلمين مشكلة إلى جبل البيت. ولم يقوموا برصد معلومات استخباراتية كافية من نظام الاستخبارات الشرطية والشاباك ضد مسؤولي التحريض في الأوقاف الإسلامية في جبل البيت، التي تتعاون مع مثيري الشغب، ولم يقوموا باعتقالات وقائية. وأيضاً لم تكن الفحوصات على أبواب جبل البيت دقيقة بما فيه الكفاية. ونجح الشباب المسلمون بإدخال الصخور وقنابل المولوتوف إلى المكان.

• تعيين وزير فاشل لمنصب وزير الأمن الداخلي: عين رئيس الحكومة في المنصب الحساس وزير الأمن الداخلي الوزير جلعاد أردان الذي لم يرغب بالمنصب والذي لا يملك أي خبرة عسكرية، علاوة على ذلك فهو في جميع مناصبه السابقة كوزير قد أخفق. وفي هذه الأيام هو المسؤول أيضاً عن المواضيع الاستراتيجية وعن حرب مقاطعة إسرائيل وأيضاً هناك أخفق فيها. جلعاد أردان أبقى شرطة إسرائيل لعدة أشهر دون مفوض عام فلم يتمكن أن يقوم بعشرات التعينات في مناصب للشرطة وهو الذي أحضر إلى لجنة تيركل التعيين المثير للجدل لغال هيرش، فأردان فقط يبحث عن عناوين من أجل تمجيد اسمه، وقد خلق الروح المعنوية الصعبة في الشرطة وانخفض الدافع، الشيء الذي لن يوقف التأثير على أداء رجال ونساء الشرطة، ومع كل الانتقادات لوزير الأمن الداخلي السابق أهرونوفيتش، علينا أن نذكر أن الحديث عن ضابط شرطة هام متقاعد كانت لديه خبرة عملية.

• إهمال علاج الجناح الشمالي للحركة الإسلامية: إن الجناح الشمالي للحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح وهو بمعرفة المسؤولين الأمنيين مبعوث لحركة الأخوان المسلمين، الحركة الأم لحماس. وأقام الجناح الشمالي في جبل البيت هيئة تدعى "المرابطون"، ولديه جزء كبير من الاستفزازات والتحريض في جبل البيت وهاجم بشكل محدد الزوار اليهود في المكان. وبالإضافة إلى ذلك قام الجناح الشمالي بأعمال التحريض في أوساط عرب إسرائيل، ومن بين أمور أخرى، قام بتنظيم حافلات مليئة بالشباب من القرى العربية إلى جبل البيت. ولم ينجح مسؤولو الأمن والنظام القضائي في الأشهر الأخيرة بحظر الجناح الشمالي للحركة الإسلامية واتخاذ إجراءات فعالة ضد الشيخ رائد صلاح وتنظيم "المرابطون"، الشيء الذي كانت له آثار خطيرة على الأحداث في جبل البيت.

• إخفاق العلاج بالتحريض وإخفاق بالدعاية: لم يتخذ مسؤولو الأمن خطوات كافيه ضد المحرضين الفلسطينيين في مساجد جبل البيت والمساجد في الأحياء العربية في القدس. ومن ناحية إعلامية إن إسرائيل غافلة عن الحراسة ولم تتخذ خطوات فعالة لدحض أكاذيب السلطة الفلسطينية والإسلام المتطرف، وهي تعمل على تغيير الوضع القائم في جبل البيت. ولم يكن الجهاز السياسي على اتصال مع المملكة الأردنية، المسؤولة عن الأوقاف في جبل البيت للعمل مقدماً على الهدوء، وعندما استيقظ كان الأوان قد فات ورفض الملك عبد الله ووزير الخارجية الأردني الرد على اتصالات إسرائيل"(6).

واضاف بن مناحم، إلى الأسباب السابقة تحريض السلطة الفلسطينية وموقف رئيسها عبر وسائل الاعلام العربية. واستنتج أن "السياسات الإسرائيلية يجب أن تكون حكيمة وليست فقط عادلة"(7).

وفي مقال لاحق أكد بن مناحيم، أن "من يحقق من خلال رؤية إلى الخلف بأداء حكومة إسرائيل خلال السنة الأخيرة سيكتشف أن هناك سببين أساسيين ساهما في تفجر موجة الإرهاب والعنف الفلسطيني، الأول؛ مرتبط بالضعف السياسي لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والثاني؛ مرتبط بإخفاق الجهاز الإعلامي الإسرائيلي. وإن الضعف السياسي لنتنياهو الذي أفسح المجال لعدد من أعضاء الكنيست من المتعطشين للشهرة من حزب "البيت اليهودي" ومن "الليكود" خلال السنة الأخيرة التوجه إلى جبل البيت(الحرم القدسي) من أجل إثارة الانطباع بأن إسرائيل غيرت الوضع الراهن في المكان وساهمت في تسخين الأجواء، وبذلك مكنت الجهاز الدعائي الفلسطيني الكاذب من تضخيم أبعاد الكذب إلى أن تحول إلى تحريض سام الذي سمع أدمغة أبناء جيل الشباب الفلسطيني. وقد أخفق جهاز الإعلام الإسرائيلي بكل تفرعاته إخفاقاً استراتيجياً ذريعاً لأنه لم يكتشف في الوقت المناسب ولم يفند الأكاذيب الفلسطينية مما يجري في جبل البيت. وكان ينبغي على حكومة إسرائيل أن تخرج منذ فترة لهجوم إعلامي دولي في كل ما يتعلق بالوضع في جبل البيت وألا تخلي الساحة لآلة الدعاية الخاصة بالحركة الإسلامية والسلطة الفلسطينية. والسؤال الآن ماذا يمكن القيام به الآن؟"(8).

وخلص إلى أن "المسؤولية ملقاة على عاتق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لكي ينقذ إسرائيل من موجة الإرهاب والعنف ولكي يصد موجة التحريض والحقد الفلسطينية، ولكي يكشف أكاذيبها ولكي يعزز القدس كعاصمة موحدة لدولة إسرائيل"(9).

أما المحلل السياسي إيهود يعاري، فيعتقد أنه " رغم موجة الأعمال الإرهابية والدعوات لانتفاضة ثالثة، ليس مصادفة أن أي جهة فلسطينية لم تخلع القفازات وتعلن عن معركة من هذا النوع. في السلطة الفلسطينية يفضلون تسميتها باسم جديد "هبة" وتعني "اندفاع". وتوالي الحوادث العنيفة هو أمر لا يشد في هذه المرحلة عن الأحداث التي شهدناها في العامين الأخيرين، وهذا على الرغم من أنها أكثر فتكاً وتؤدي إلى مبادرات إرهابية من جانب أفراد. أسلوب العمل هذا هو فقط أحد مميزات "الهبة" التي فقط إذا حدث فيها تغيير حقيقي نستطيع تمييز تدهور متطرف وتسريع الانزلاق نحو الصدام"(10).

وأوضح أنه:" لا توجد حالياً زعامة مركزية أو يد موجهة لعمليات "الشغب" وللعمليات العنيفة، والعمليات هي تقريباً دائماً محلية وتقودها مجموعات شبان لا يذكرون نتائج الانتفاضة الأخيرة ويقومون بإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة بجوار أحيائهم وقراهم. ويجدر بالذكر أنه خلال الانتفاضة الأولى أقيمت خلال أيام "القيادة الموحدة" السرية التي ضمت كل المنظمات، في حين أن الانتفاضة الثانية تمت إدارة العنف بإيحاء من ياسر عرفات"(11).

واعتبر القائد السابق لسلاح البحرية الإسرائيلي، إليعزر ماروم، وفي تشويه لتسلسل الأحداث، أن "أعمال الشغب وموجة العنف التي بدأت في الضفة الغربية وامتدت إلى داخل إسرائيل نابعة بالأساس من التحريض الأرعن وأكاذيب جهات إسلامية متطرفة، نجحت في وضع ما تصفه بأنه ’النضال من أجل الأقصى’ في مركز الخطاب. هذا هو القاسم المشترك الأوسع ويركز حوله معظم الجمهور المسلم لأنه يقطع الحدود والمعسكرات"(12).

وأضاف في مقال نشره في صحيفة "معاريف"، أن "القاعدة المعروفة هي أنه في الحرب ضد الإرهاب، المطلوب هو حرب شاملة تضم عناصر قانونية واقتصادية وعسكرية ودبلوماسية، تمارس على مدى فترة طويلة بحزم بالغ"(13).

واعتبر ماروم أن حملة "السور الواقي" العسكرية التي شنتها إسرائيل في الضفة الغربية، عام 2002، هي "أبرز مثال على حرب ناجحة ضد الإرهاب"، وأنها سمحت لقوات جيش الاحتلال بحرية العمل في كافة أنحاء الضفة "بما في ذلك مناطق أ وب"(14).

وبدوره، اعتبر المراسل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، أنه في أعقاب عمليات الطعن، وبعد ذلك عمليات طعن وخطف سلاح جنود، جاءت "المرحلة الثالثة وهي عبارة عن عمليات يبدو أنه توجد من ورائها شبكة إرهابية. فمن أجل تفجير سيارة مليئة بعبوات الغاز ثمة حاجة إلى استعداد مسبق، تجنيد المخربة الانتحارية، تفخيخ السيارة، اختيار مسارها وما إلى ذلك. وهذا لم يعد منفذ العملية الوحيد"(15).

وتابع يهوشواع أن "الإرهاب في العام 2015 موجود في شبكة الانترنت. وصفحات الفيسبوك مليئة بالتحريض، وفي موقع يوتيوب بالإمكان العثور على إرشاد لإعداد سيارة مفخخة بكبسة زر"(16).

وفي الصحيفة نفسها، كتب رئيس مجلس الأمن القومي الأسبق، غيورا آيلاند، أنه "خلافا لأحداث أخرى في الشرق الأوسط التي تأثيرنا عليها محدود، مثل سوريا، فإنه بكل ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني إسرائيل هي اللاعب الأهم. وسياستنا تؤثر على الأحداث ليس أقل من أداء أبو مازن، إرهاب حماس، مصالح الأردن أو السياسة الأميركية"(17).

وأشار آيلاند إلى أن "السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين تعتمد على "إدارة الصراع" وليس على حل الصراع، معتبرا أن ثمة منطقا في اتباع هذه السياسة شريطة إدارة بشكل صحيح وأن لها تبعات وأثمان، وضرورة الامتناع عن الاحتكاكات"(18).

وبحسب آيلاند، فإنه "بإمكان إسرائيل أن تبني "أحياء يهودية"، أي مستوطنات، في القدس الشرقية ولكن لا ينبغي تشجيع اليهود على الاستيطان في قلب الأحياء الفلسطينية. كذلك لام إسرائيل لأنها رفضت، في العام 2004 وحتى اليوم، مقترحا أميركيا بأن يتم رسم حدود المستوطنات والبناء داخل هذه الحدود وعدم التوسع خارجها. ولو شرح رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، للعالم قبل سنة أنه لا يريد تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي لمنع الهبة الحالية وكذلك الأمر بالنسبة للاستيطان في الضفة. وشدد آيلاند على أنه "ليس بالإمكان إدارة الصراع وفي الوقت نفسه بناء مستوطنات جديدة"(19).

وكتب المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، "التقديرات السائدة لدى جهاز الأمن الإسرائيلي هي أن الهبة الحالية قد تستمر لفترة طويلة، لأن أجهزة الأمن الإسرائيلية تواجه صعوبة بالتوصل إلى رد فعال على ظاهرة عمليات الطعن التي ينفذها أفراد، ليس لديهم ماض أمني"(20).

ورأى هارئيل أن "صورة الوضع هي كالتالي: القدس الشرقية ما زالت تشكل صلب المواجهة، وأن حماس والحركة الإسلامية الشمالية تحرضان بينما لا يوجد حضور لأجهزة أمن السلطة الفلسطينية. كذلك فإن الحرم القدسي ما زال مصدر التوتر. وفي الضفة الغربية تعمل السلطة الفلسطينية على تهدئة الخواطر، وتأثيرها محدود بمنع مسيرات باتجاه حواجز جيش الاحتلال. ولا يوجد تأثير للسلطة على منع عمليات الطعن خاصة أن منفذيها يخرجون من القدس الشرقية. ولقطاع غزة تأثير بالغ على استمرار المواجهة الحالية. والسؤال المركزي هو ما الذي يريده قائد كتائب القسام، محمد ضيف. وبحسب هارئيل فإن هناك خلاف عميق بين القيادة السياسية لحركة حماس وبين ذراعها العسكري، وأنه في حال قرر ضيف تصعيد المواجهة فإنه لن يتشاور حول ذلك مع قيادة حماس"(21).

واعتبر هارئيل أن "الحركة الإسلامية تحرض العرب في إسرائيل، لكن أضيف إلى ذلك مؤخرا الشريط المصور لإطلاق أفراد شرطة النار على النصراوية إسراء عابد في العفولة. لكنه أشار إلى أن المواجهات في المدن والبلدات العربية داخل الخط الأخضر أقل اتساعا وعنفا من المظاهرات في أكتوبر العام 2000"(22).

ورأى هارئيل أن التطورات في الأيام المقبلة متعلقة بقدر كبير بأحداث موضعية، مثل "نجاح مخرب فلسطيني وحيد في إخراج حملة قتل دموية إلى حيز التنفيذ، ورد فعل إسرائيلي مبالغ به أو عملية عدائية دموية ينفذها متطرفون إسرائيليون. وبمفهوم معين، الهزة في العالم العربي وصلت، متأخرة، إلى المناطق (أي الضفة والقدس). وتم أخذ قسم على الأقل من قوة وتأثير القيادة وأجهزة الأمن لديهم وعادت إلى أيدي المواطن الوحيد في الشارع. ولأن هذا المواطن يائس، محبط أو أنه يتعرض أحيانا لغسيل دماغ ودعاية دينية عدوانية، فإن احتمالات استمرار التصعيد عالية"(23).

ووجد ليئور أكرمان الضابط السابق في المخابرات الإسرائيلية ان " الوضع الحالي نشأ بسبب أربعة أسباب لا تزال قائمة وتواصل إشعال الدوافع لتنفيذ الإرهاب. و أن السبب الأول هو انعدام مسيرة سياسية أو اتصالات مع السلطة الفلسطينية على تسوية ما. صحيح، في الطرف الفلسطيني أيضاً لا يوجد مع من يمكن الحديث اليوم بسبب انعدام أداء أبي مازن وتركيزه على التحريض، ونشر الأكاذيب والتوجه إلى المؤسسات الدولية؛ ولكننا ملزمون بأن نأخذ المسؤولية عن الوضع، دون أن ننتظر خطوات يقوم بها الفلسطينيون. والسبب الثاني للوضع الحالي هو انعدام استراتيجية إسرائيلية لمعالجة الفلسطينيين بشكل عام. فليس فقط لا توجد مبادرة سياسية، بل ولا توجد أيضاً خطة بعيدة المدى لشكل التصدي للإرهاب الفلسطيني، ولإدارة شؤون الحياة الفلسطينية، لحماس في قطاع غزة وللحركة الإسلامية داخل إسرائيل. ومبدأ حكومة إسرائيل هو إطفاء الحرائق المحلية على أمل منع الانفجار الكبير. هكذا هو الحال على مدى السنين.

والسبب الثالث هو انعدام كل مبادرة إسرائيلية. وهو ينبع من انعدام الاستراتيجية، والنتيجة هي أن دولة إسرائيل ترد دوماً وأبداً لا تبادر بأي خطوة – لا سياسية، لا عسكرية، لا استخبارية، لا دولية. وليس هذا فقط، بل إن رد إسرائيل هو دوماً مضبوط، محسوب، مكيف مع الضرر ومناسب للتوقعات العالمية. أما الطرف المقابل فقد تعلم كيف يقدر يعرف بالضبط أي رد عليه أن يتوقعه بعد كل خطوة يتخذها.

ومن السبب الثالث – انعدام المبادرة – ينبع السبب الرابع والأخير؛ انعدام الردع. لقد فقدنا الردع تماماً. هذا يبدأ في كل حملات الجيش الإسرائيلي حيال قطاع غزة، التي جاءت دوماً كرد، كانت محسوبة ومضبوطة، وانتهت دون حسم ساحق؛ وهذا يتواصل في الخطوات والردود العسكرية في يهودا والسامرة، في الردود الضعيفة وفي غياب العقاب حيال المشاغبين في القدس في السنوات الأخيرة، في غياب كل فعل حيال الحركة الإسلامية في إسرائيل، في التعليمات المقيدة لفتح النار في المناطق، وبالأساس في الاعتذار الذي لا يتوقف عما نفعله للدفاع عن حياتنا وعن وجودنا هنا. كل هذا مس دراماتيكياً بقدرة الردع الإسرائيلية. فالفلسطينيون يعرفون أن الجيش الإسرائيلي عظيم، قوي وفظيع، ولكنهم يعرفون أيضاً أنه مكبل"(24).

وأوضح كوبي ميخائيل وأودي ديكل، الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب أن " دافع اندلاع الهجمات مركب من شعور قومي/ ديني- وإحباط اجتماعي، وأما الشرارة التي أشعلته فكانت شعوراً دينياً تركز على الصراع على المسجد الأقصى. وفي الوقت عينه، لا ينبغي الاستخفاف بتأثير أفكار الجهاد الثورية لتنظيم داعش. وإدراكهم أن جميع السبل مسدودة في وجوههم، وأنه ليس لديهم من يعتمدون عليه، فضلا عن فقدان ثقتهم بالقيادة الفلسطينية على اختلاف مستوياتها. وذلك كله نابع من إرادة تفكيك النظام القائم من دون التزام بنظام مستقبلي محدد"(25).

واكدا أن ما يسمياه "ظاهرة الإرهاب" الحالية "لا تشبه الانتفاضة الثانية، إذ ينقصها التنظيم، ومنفذوها أفراد لا يستخدمون في معظم الأحيان أسلحة نارية. إن الأغلبية العظمى من السكان الفلسطينيين، سواء في مناطق السلطة الفلسطينية أو في القدس الشرقية لا ضلع لهم في الإرهاب. وحتى لو أمكن ملاحظة بعض التعاطف مع منفذي الهجمات، فثمة شك في ما إذا كان بالإمكان تعريف ذلك على أنه تأييد واسع من الجمهور الفلسطيني للإرهاب"(26).

واستنتجا أن "هجمات الإرهاب والرد الإسرائيلي هما ضد المصالح الأساسية لغالبية السكان الفلسطينيين وتشوش مجرى حياتهم اليومية. وتدل حقيقة أن العديد من المنفذين فتية وشبان على تفكك البنية المجتمعية والقيادية للمجتمع الفلسطيني وأجهزة الضبط التقليدية (الأسرة، والجهاز التعليمي، و"شيوخ العشيرة"، والقيادة السياسية). وفي ظل واقع تصدع البنى الاجتماعية والسياسية، وتأثير ديني سلفي- جهادي، وعلى خلفية انعدام أفق سياسي، يشكل التحريض المنهجي والمؤسساتي للقيادة الفلسطينية أرضاً خصبة للتأثير ولانتشار رسائل تشجع على تنفيذ عمليات وعلى نشر أخبارها على الشبكات الاجتماعية. والفتية الذين يعيشون الواقع الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي، يتغذون من إلهام أبطال الجيل الجدد: فتية أشهروا سكينا وآمنوا بأن طعن يهودي وقتله حتى لو كلفهم ذلك حياتهم، هو عمل سامٍ"(27).

و كعادتهم مع ظهور حالة كفاحية فلسطينية يتلعثم الإسرائيليون ويحاولون تجنب سياسة النعامة ودفن رؤوسهم في الرمال، لكنهم يؤكدون أن ذاكرتهم قصيرة المدى تشبه ذاكرة السمكة.

الهوامش:

1- ناحوم برنياع، الانتفاضة الثالثة نتنياهو يتحمل المسؤولية، يديعوت أحرونوت 5/10/2015.

2- المصدر السابق.

3- المصدر السابق.

4- المصدر السابق.

5- يوني بن مناحم، السياسة الأمنية أخفقت في القدس، نيوز ون 5/10/2015.

6- المصدر السابق.

7- المصدر السابق.

8- يوني بن مناحيم، مسؤولية نتنياهو نيوز ون 17/10/2015.

9- المصدر السابق.

10- إيهود يعاري، ليست انتفاضة حتى الآن وإنما هبّة،القناة الثانية 7/10/2015.

11- المصدر السابق.

12- بلال ضاهر، تحليلات معظم الإسرائيليين يبتعدون عن رؤية الأسباب الحقيقية للهبة، عرب 48 ، تاريخ النشر: 12/10/2015 .

13- المصدر السابق.

14- المصدر السابق.

15- المصدر السابق.

16- المصدر السابق.

17- المصدر السابق.

18- المصدر السابق.

19- المصدر السابق.

20- المصدر السابق.

21- المصدر السابق.

22- المصدر السابق.

23- المصدر السابق.

24- ليئور أكرمان، أربعة أسباب للإرهاب الفلسطيني، معريف 6/11/2015.

25- كوبي ميخائيل وأودي ديكل، لا يوجد في صندوق الأدوات القديم: رد مناسب على إرهاب الأفراد في الساحة الفلسطينية، معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب ، "نظرة عليا=مباط عال"، 26/11/2015.

26- المصدر السابق.

27- المصدر السابق.

نيسان ـ نشر في 2016-01-03 الساعة 16:38

الكلمات الأكثر بحثاً