جمال زهران .. صعقة كهربائية تقلب حياة (صحافي) الى بائع بسطة
نيسان ـ نشر في 2016-01-03 الساعة 21:10
ابراهيم قبيلات
لا يعتقد أصدقاء جمال زهران أن عام 1994 سيُمحى من ذاكرته. في إحدى سهرات زهران مع أصدقاء عرب في مقهى صغير، تشاجر مع ألماني، قبل أن يتطور الشجار الى عراك شعر خلاله بأثر تموجات كهربائية على أعصاب رأسه من جهاز اتصال في المقهى. وهنا بدأت القصة.
يجلس اليوم الصحافي جمال عبد الله محمود زهران إلى جانب بسطته في قاع المدينة، مستبدلاً أدوات الكتابة والرأي بسلة من الأدوات المنزلية بعد أن ألّم به مرض الأعصاب قبل عقد من الزمان.
كان زهران يرتبط بعلاقات دافئة مع زملائه الصحافيين من الرعيل الأول، لكنهم يكتفون اليوم بالسلام عليه وتقديم بعض المساعدات المالية له، من دون أن يحاولوا إيجاد حلول جذرية لزميلهم الذي يدخل عامه الخمسين بلا مأوى أو مصدر دخل.
يعترف الصحافي رداد القرالة بالقصور تجاه زميله زهران، مستذكراً تجاربه الغنية في أسبوعية "الهلال" التي جمعته بزهران وآخرين.
يقول القرالة : "لدى زهران طاقة كبيرة في الإنتاج الصحافي، لكن المرض حرمه فرصاً كثيرة".
لم يعتقد زهران الحاصل على بكالوريوس صحافة وإعلام عام 1989 من جامعة اليرموك، أن مقالاً سيكتبه عن الحصار العراقي سيذهب به إلى برلين، أوائل تسعينيات القرن الماضي وسيجلب له متاعب كثيرة. حسبما يرى زميله الصحافي محمود منير الذي يرى أن "زهران شاعر حالم ظنّ لحظة دخوله الصحافة عبر بوابتها الحزبية أنه سيغير الكون".
كانت بدايات تجربة زهران في جريدة "آخر خبر" الأسبوعية، يومها كتب مقالاً عن العراق إبان فترة الحصار بعنوان "حصار السفر والقمح والحب"، فتلقى اتصالاً من السفارة الألمانية في العاصمة عمان تخبره بإمكانية حصوله على تأشيرة سفر لبرلين.
حمل المثقف اليساري حقائبه وغادر إلى فرانكفورت، حيث ضفاف نهر الماين عام 1992؛ ليتزوج بفتاة ألمانية تعمل ممرضة.
عراك في برلين
"في ألمانيا عملت في خمس مجلات ثقافية"، يقول زهران الذي ساعد في التأسيس لحالة ثقافية عربية مع أخرين عرب، لكن ذلك لم يحقق له الاستقرار المالي، فجرب نصيبه في أعمال الإنشاءات والطوبار والمطاعم وحتى في توزيع الصحف والمجلات.
لأسباب ستبدو اليوم غير مهمة يتعارك زهران مع احد الالمان، وفجأة سيتغير كل شيء، بعد أن يُصعق بأداة كهربائية في رأسه، يفقد معها الوعي ثم الادراك شبه التام لاحقا بعد ان وصل تأثير الصعقة الكهربائية الى دماغه واعصابه.
تلك الحادثة يراها منير سببا وراء دخول الرجل في معاناة مع الأعصاب والدماغ استمرت فصولها حتى اليوم، وربما – بحسب منير - كان الوجه الآخر للمعاناة أن زهران طفل أبى أن يكبر في زمن الانهيارات والتحولات الكبرى.
ما زاد الأمور سوءا، أنه أصبح يميل للعنف وغير متكيف مع الألمان الذين واصل اتهامهم بدعم الصهيونية أينما حل وارتحل؛ ليجد نفسه ذات تهمه في أحد مراكز الشرطة الذين بعثوا به إلى مصحات نفسية أمضى فيها قرابة الشهر بقرار قضائي.
في المصحة النفسية جدد اتهامه للألمان فقابلوه بإبرة في الرقبة، فقد ما تبقى له من توازن، يؤكد زهران أن حالته الصحية أصبحت تداد سوءا.
اضطر الرجل لاحقاً إلى ترك زوجته في ألمانيا، والعودة إلى الأردن عام 1996، لعدة شهور، قبل أن يستأنف مشواره مجددا إلى ألمانيا.
صحافي يستبدل قلمه بالبسطة
زهران اليوم يستبدل الجريدة والقلم ببسطة في وسط البلد، وتسيطر عليه الفاقة، لكنه، يتمسك بأمل ما، ويصر على إيصال رسالة للشاب الأردني، :"الحذر الحذر.. في الغرب لا توجد جنة بل هناك تمييز عنصري".
لا ينكر زميله رداد القرالة غزارة إنتاج زهران وعمق طرحه، "لكن ذلك لم يسعفه عند إدارات أغلب الصحف التي عمل بها في الأردن، إذ سرعان ما ينهون خدماته بعد أن يكتشفوا مرضه".
ويكثف منير رأيه عن تجربة زميله زهران بقوله: "مثقف وصحافي استثنائي، يكتنز الكثير من الأدوات والإمكانيات، لكنه لم يوفق بفرصة عمل تعكس قدراته"، مشدداً على ضرورة أن يحظى برعاية صحية وراتب تقاعدي يضمن له الحد الأدنى من العيش الكريم.
"حياة" يراها جاره مراد نافع "مليئة بالمحطات القاسية لكنها لم تترك ندباً على سيرة جمال"، واصفا جاره بـ"المثقف الكبير قليل الحظ".
لا يمكن لأحد من مجالسي زهران أن يكتشف مرضه لجزالة مفرادته وسلاسة حديثه في مجمل المواضيع الثقافية والسياسية المطروحة في الساحة المحلية والإقليمية والعالمية.
زهران طوى خمسين سنة من عمره، وما يزال يحلم بأن يلتفت إليه أحد من شارع الصحافة، ويأخذ بيده في تحقيق حلمه بأسرة يعود لها في المساء من عمله، يرطب بها ليالي المرض والفاقة.