اتصل بنا
 

كارل روجرز وإدارة المشاعر

كاتبة أردنية

نيسان ـ نشر في 2016-01-04 الساعة 20:31

نيسان ـ

كثيرة هي الانفعالات و المشاعر التي يمر بها الانسان أو تغزوه أحيانا. نتعلم منذ الصغر طرق لإدارة مشاعرنا وانفعالاتنا بما يتفق وأعراف المجتمع الذي نكون جزءا منه. في المجتمعات المحافظة والتي تولي أهمية كبيرة للرأي الاخر، تكون التربية أكثر صرامة في ادارة المشاعر، في هذه المجتمعات يتعلم الناس عبر المؤسسات الرئيسية مثل البيت والمدرسة كيفية "التصرف الحسن"، وأهمية الحفاظ على"وجه عام" مقبول كما يسميه علماء الاجتماع، يتعلم أفراد المجتمع ما هو المقبول وغير المقبول في الحديث وفي كمية الانفعالات المسموح اظهارها، ويرتدي الجميع هذا "الوجه الاجتماعي العام " بدقة وبشبه اتفاقية اجتماعية مشتركة ومصاغة بشكل مبطن تنتج لاحقاً الكبت.

في العقدين الأخيرين، وتحديدا في أمريكا واوروبا، بدأت تظهر الكثير من الكتب التي تدعو للتفكير الايجابي، وكيفية التدرب عليه، أخذ بعض المرشدين النفسيين يبحثون عن مكامن التفكير الايجابي والسعادة، اذ يبدو ان التعاسة بدأت تغزو الحياة، خاصة وأن عدد ونسبة المصابين بالاكتئاب اخذ يتزايد بشكل ملحوظ .

كارل روجرز أحد مؤسسي مدرسة الارشاد النقسي "الانسانية "، يعتقد أن كل وسائل التفكير الايجابي ضرورية وهامة، لكن الكثير منها سطحي جدا، أحيانا تضع هذه المقاربات المسؤولية كاملة على الشخص كونه تعيسا أو سلبيا، متغافلة المسببات الخارجية الكثيرة والضاغطة، كما أن الكثير من هذه الكتب يُسطّح التفكير الايجابي ويعتبره بسيطا، لا يتطلب من المرء سوى الابتعاد عن كل الأشياء السلبية، ويرسم وجها سعيدا و يفكر في موضوع مفرح وايجابي، وهكذا ببساطة يتحول الى كائن ايجابي .

ان مشكلة هذه الكتب برأي كارل روجرز هي أنها لا تعترف او تحترم المشاعر الانسانية ، فالشعور الانساني ان كان سلبيا او ايجابيا، شعور علينا أن نحترمه ، ابتداء بالحزن ، الفرح الغضب ،الكره ،الامتنان ..الخ كل شعور انساني له مبرراته و يعرفنا على جزء أصيل بداخلنا .

ان الدعوة لاظهار المشاعر الايجابية و كبت كل المشاعر الأخرى ، لن يجدي كثيرا ، لأن المشاعر التي نكبتها تكبر بداخلنا و تنمو وتنفجر بشكل أبشع يوما ما ، فكل شعور نكبته يتضخم .

اذا كيف نستطيع ان نتعامل مع زخم المشاعر بداخلنا ؟ برأي كارل ، ان المشاعر الايجابية عندما تخرج تكون بناءة و جميلة ، لكن ماذا عن المشاعر السلبية ، هنا على الانسان أن يتعلم كيف " يدير مشاعره " . الانسان عموما يبحث عن المتعة و يهرب من الألم .لهذا يتبع استراتيجيات في ادارة المشاعر السلبية من نوع " الانكار" و " التجنب " أو " الكبت" .

في حالة "الانكار" ينفي الشخص الشعور السلبي، بمعنى أنه لا يعترف به، مثلا قد يكون غاضبا من شيء ما لكنه لا يعترف بذلك. أو قد يكون مصابا بمرض خطير مثل السرطان، لكن يعيش في حالة انكار كامل ويتصرف ويشعر كأنه معافى .

الاستراتيجية النفسية الثانية التي يتبعها الانسان ليهرب من الألم هي" التجنب " اذ ينسحب الشخص من المواقف او الأحداث التي قد تستفز شعورا سلبيا بداخله و يتهرب منها ان أمكن .

مثل أن يتجنب الذهاب الى بيت عزاء ليهرب من شعور الفقدان و الموت .

وأخيرا يلجأ الانسان لكبت المشاعر السلبية و عدم التعبير عنها، يعتقد كارل أنه من الذكاء ان يتبع الانسان استراتيجية إنكار المشكلة أو تجنبها، اذا كانت مشكلة لا حل لها، أو اذا كان حلها خارج سيطرة الشخص أو دائرة نفوذه، بمعنى أنه لا يستطيع حلها مثل أن ينكر الانسان انه مصاب بمرض لا شفاء منه، هنا انكاره للمرض قد يكون ضرورة و قد يساعده الإنكار في العيش بسلام في الأيام المتبقية .

لكن اسوأ شيء ممكن أن يفعله الانسان هو الكبت ، لأننا في الكبت نجبر أنفسنا على تخبئة شعور ما واظهار عكسه، ما هو العمل اذا ؟

علينا هنا أن نتعلم كيفية ادارة مشاعرنا بشكل فعال، بداية بأن نعترف بالشعور الذي أصابنا،عوضا عن كبته أو الهروب منه، مثل أن نعترف أننا في حالة غضب، أو احباط، الخ واذا كان الشعور فوضويا أو قد يؤذي الغير، علينا أن نجد بيئة آمنة للتعبير عنه، مثل أن نذهب الى مكان بعيد و نصرخ بملء الوجع، أو نكتب كل ما نشعر به، حتى و ان احتوى على ابشع المشاعر ومن ثم نحرق الورقة، بعدها عندما نشعر ان هذا الشعور السلبي اخذ طريقه في التعبير، يصبح أخف، بحيث نستطيع التفكير بوضوح أعلى دون ضغط المشاعر.

هنا نبدا التفكير في اسباب الشعور ونكتبها، الكتابة تجعلنا نأخذ وقتنا لنعرف ماهية شعورنا وأسبابه، بعدها نبدأ نفكر بخطوات علمية لحل مسببات الشعور السلبي، بمعني نبحث عن حلول.

في هذه المرحلة، بالامكان الاستفادة من طرق حل المشكلات، لحل اي مشكلة علينا اولا أن نحددها، بشكل دقيق وواضح، ونبحث عن خطوات بامكاننا ان نتبعها بشكل متسلسل لايجاد حل للمشكلة .

ما يقوله كارل هو ان طرق التفكير الايجابي لا تعطي أهمية لتطوير طرق حل المشكلات ، كما انها تخجل من المشاعر الانسانية و تفترض انه علينا ان نكون دائما ايجابيين و متفائلين، و أن الكثير من هذه الكتب تساهم في تعليم الناس المزيد من الكبت و ادعاء السعادة.

نيسان ـ نشر في 2016-01-04 الساعة 20:31

الكلمات الأكثر بحثاً