اتصل بنا
 

مدينة الهاشمية تستغيث

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2016-01-06 الساعة 19:47

نيسان ـ

تجلس مدينة الهاشمية على كتف الزرقاء التي تمددت بجانب أثر لنهر كان يداعب خاصرتها بانتظار صباح نقي علّه يأتي ولو بعد حين. تجلس بانتظار هواءاً مفعما تستنشقه ملئ رئتيها بعد أعوام من ضيق التنفس والاختناق.
من أي جهة سيأتي الصباح! من تلك الجهة التي تطل على محطة تنقية الخربة السمراء أم من تلك التي تطل على مصفاة البترول أم من جهة المحطة الحرارية...يا لنقاء الهواء! ويا لمسائك إن كان الصباح بتلك الحال.
تستهوي النسمة صيفا كل سكان الأرض إلا سكان الهاشمية وما التصق بها من مدينة الزرقاء "البتراوي" فإنهم يشعرون بالضيق إذا باغتتهم نسمة لأنها محملة بالغازات السامة المنبعثة من كل الجهات، لكن لا مفر من استنشاقها بصمت ودون شكوى أو ضجيج.
المزروعات تتوق لغيث يروي الظمأ ويدفق الدم في العروق إلا هناك حيث النباتات تتثنى أوراقها على نفسها لاتقاء قطرات ماء حملت بالأحماض التي تلهو في أجواء المدينة على علو منخفض.
السكان يؤكدون والحكومة تتغافل
حكومة عاجزة وفي أحسن الأحوال ليست مدينة الهاشمية وسكانها على أولوياتها، فقررت أن تتعامل مع الوضع بسياسة التغافل فهم لا ينفون ولا يقرون بأن المدينة ملوثة في الوقت الذي اعتبرت منظمة الصحة العالمية المدينة بؤرة بيئية ساخنة بسبب شدة التلوث الذي تعاني منه.
السكان أنفسهم يؤكدون أنهم معرضون أكثر من غيرهم لأمراض السرطان والربو وتصلب الشرايين والأوردة والأزمات القلبية علاوة على التشوهات الخَلقية وأن المئات منهم بحوزتهم تقارير طبية تثبت إصابتهم بأمراض ناتجة عن التلوث الثلاثي كالطفح الجلدي بسبب البعوض المنتشر جراء محطة التنقية "الخربة السمراء" والربو الناتج عن الغازات المنبعثة من المصفاة والمحطة الحرارية وأمراض الحساسية الكثيرة الناتجة عن انتشار ثاني أكسيد الكربون.
السكان وفي معرض الحديث عن التلوث المحيط بهم، يضربون كفا بكف متندرين كيف أن مياه الصرف الصحي تجتاز المدن لتصب في الهاشمية لتنقيتها فيما سكان المدينة يعانون من فيضانات المجاري! وطبعا بدراية ورعاية حكومية.

وزارة البيئة المعني الأول بالتلوث والأضرار الناتجة عنه لهم عذرهم في عدم إعطاء المدينة أهمية لانشغالهم بتوزيع أكياس صديقة للبيئة لأثرها السلبي على الحيوانات! وخوفا على التشوه البصري للسياح! ولأجل ذلك وضعوا آلية تسمى "تقيم الأثر القانوني" مما يستوجب فرض ضريبة بيئية على المستهلك للأكياس البلاستيكية، توضع في صندوق حماية البيئة!.
مديرية بيئة الزرقاء ليسوا بأحسن حالا من الوزارة التي يتبعونها، فأغلقوا على أنفسهم الأبواب والنوافذ بشكل محكم خوفا من دخول الغازات الضارة والروائح الكريهة، ولا يخرجون إلى للمشاركة في ندوة عن الواقع البيئي أو لتوزيع ذات الأكياس صديقة البيئة!.
موظفو وزارة الصحة أيضا تركوا كل هذا الضرر وراحوا يجوبون الشوارع بحثا عن عامل في مطعم لم يحصل على شهادة خلو أمراض ليحرروا له مخالفة خوفاً على صحة المواطنين! ويحررون مخالفة أخرى لأن ذبابة شعرت بالاختناق فهربت داخل مطعم أو دكان! وأيضا بحجة الحفاظ على صحة المواطنين! وهل بقي أمراض لم تصب سكان الهاشمية ومن خلفها الزرقاء؟!.

نواب الهاشمية والزرقاء
نواب الهاشمية والزرقاء يذهبون إلى مجلس النواب لتبادل الابتسامات والقبلات مع مسئولي الحكومة وأكبر همهم نيل الرضي الحكومي! فمن غير المعقول أن يُعكَر مزاجهم بالحديث عن التلوث والروائح الكريهة والدخان.
نواب الزرقاء والهاشمية الذين صوتوا مع قانون منع التدخين في الأماكن العامة لو أنهم ربطوا القانون باستثناء سكان الهاشمية والزرقاء لأنهم مجبرين على تدخين ما تزفره المصفاة والمحطة الحرارية والخربة السمراء من دخان وروائح. هؤلاء النواب الذين وصلوا لمقاعدهم النيابية كممثلين عن السكان هم من بين السكان وهم مثلنا، طينتهم من طينتنا، لكنهم بعد وصولهم البرلمان حدثت لهم طفرة أثرت على أدمغتهم فتحولوا لنواب عن الحكومة ومهمتهم الدفاع عن الحكومة وليس السكان، لذلك لا نعرف هل مخاطبتهم ستجدي نفعا! ولا ندري في حال طالبناهم بتحرك جماعي وموحد ليكون فاعلاً لحل أهم معضلة من معضلات الزرقاء هل سيلقى الطلب تجاوب أم نحن ننفخ في رماد.

تعويض الشركات
سكان الهاشمية ومنطقة الزرقاء الجديدة يستغيثون ولا نملك إلا أن نكتب، محاولين لفت الأنظار إلى هذا الألم، لعلّ بعض الدماء تتحرك في عروق مسئولي الدولة وأعيانها ونوابها ونأمل أن يتحرك الإعلام كواجب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
نعترف أن لا حلول سحرية موجودة وأن والوضع ليس سهلا ولكن يمكن إيجاد بعض الحلول التي تسهم في تخفيف الأضرار الناتجة عن التلوث وذلك من خلال إيجاد تشريعات وقوانين تجبر تلك الشركات على مراعاة الوضع البيئي والتزود بأجهزة ومعدات صديقة للبيئة تقلل من انبعاث الغازات السامة
والعمل على إقرار قانون يفرض نسبة من أرباح شركة مصفاة البترول والمحطة الحرارية لصالح المدينتين لتنميتهما ومعالجة الآثار والأضرار الصحية والبيئية الناتجة عن التلوث.

ففي كل دول العالم يعوض أو يحصل سكان المنطقة على دعم من قبل الشركات الكبيرة التي تتسبب في تلوث المدن والإضرار بالسكان القاطنين قربها، فأين حقوق أهل الزرقاء والهاشمية جراء الأضرار التي لحقت بهم وجلبت وما زالت تجلب لهم الويلات والنوائب؟.
فعلى الرغم من الأرباح الخيالية التي تجنيها المصانع والشركات التي هي المصدر الرئيسي للتلوث وما ينتجع عنه إلا أن المدينتان ما زالتا تعانيان من ضعف وحتى انعدام مستوى الخدمات الصحية والتعليمية المقدمة للأهالي من قبل تلك الشركات!
فلم يذكر أن مصفاة البترول قامت ببناء مركزا صحياً واحداً أو أنشأت مدرسة أو حتى قدمت دعما مالياً للبلديات التي تقوم على خدمة المدينتين.

نيسان ـ نشر في 2016-01-06 الساعة 19:47

الكلمات الأكثر بحثاً