اتصل بنا
 

يسار الأئمة

نيسان ـ نشر في 2016-01-12 الساعة 21:44

نيسان ـ

هل عاد من يسار؟ هل بالفعل ما زال يقف في جهة اليسار؟!
كشفت ثورات الربيع العربي وجها قاتما للتيار اليساري العربي الذي تحوّل من متصدر "أو على الأقل مشارك" في الاحتجاجات الثورية الشعبية،إلى أحد حوائط صد هذه الاحتجاجات الثورية متماهيا مع الأنظمة الدكتاتورية ومتنكرا لكل المبادىء الثورية التي يدّعي انطلاقه منها،يتفق كثيرا هذا التيار مع القوميين المتطرفين في استخدام ذات الأساليب في الدعاية الديماغوجية المعادية للثورة والداعمة لبقاء الوضع على ما هو عليه، بغية منع العدو "الإسلامي" من الوصول إلى السلطة أو احتكارها في ظل سقوط شعبية اليسار في العالم العربي إلى الحضيض.
يحاول اليساري إقناع نفسه ببقائه في ذات الصفّ الثوري الذي يستقي منه مبادئ أيديولوجيته "الافتراضية"، يبنما يتغاضى ولو ظاهريا عن تناقض وقوفه ضد أغلب ثورات الربيع العربي التي بات ينعتها بالثورات المدعومة إمبرياليا، التي ترتكز إلى قوى رجعية بترودولارية أحيانا وصهيونية في أحيان أخرى، فمن وقوف هذا التيار ضد التحركات الثورية ضد نظام الأسد في سوريا وعدها مؤامرة على محور المقاومة والممانعة "الافتراضي"، إلى الانقلاب على مخرجات الثورة المصرية والوقوف في صف الرجعية العسكرية الانقلابية، إلى إلحاق اليمن بذات تصنيفات الصراع الطائفي الذي يخوضه محور المقاومة في سوريا، إلى السخرية من التجربة الثورية في ليبيا ونعت ثوارها بثوار الناتو، إلى الأردن التي خالف هذا التيار فيها توجهات المعارضة السياسية والقوى الوطنية الثورية وزحف لاهثا خلف فتات وعود رسمية بإلقائه إليه.
وبعد هذا يأتي اليساري طارحا نفسه كمحتكر للفكر الثوري ليثبط أي تحرك ثوري ويصفه بالرجعي تارة وبالمتآمر تارة أخرى!
أود هنا الانتقال إلى بعض المرجعيات اليسارية المهمة التي يتمترس عندها هذا التيار ويعدها دينه الأيديولوجي الخاص.
وأود أن أركز على المرجعيات الماركسية كونها تعد المثال المحتذى للشريحة الأوسع في إطار هذا التيار، بالعودة إلى المعلم الأول كارل ماركس بإمكان المعتنق لأفكار ماركس أو حتى المؤيد لجزء منها أو حتى لبعضها، بإمكانه استشفاف القيم العليا الإنسانية التي كان ماركس يسعى إليها عند شروعه في النضال إلى جانب رفيقه فردريك انجلز من أجل إنتاج وعي ثوري يمهد لثورة البروليتاريا التي تقيم النظام الاشتراكي الذي يلغي الطبقات تمهيدا لبناء المجتمع الشيوعي الذي يؤدي بالتالي إلى اضمحلال الدولة "على حد تعبير ماركس".
فماذا نجد لدى يساريينا اليوم سوى التقديس اللامتناهي للدولة ويبرر كل شيء حتى وإن تطلب الأمر التضحية بالشعب.
لم يقل ماركس كما لم يقل لينين باضمحلال الدولة فور انتصار الثورة ولكنهما لم يتشبثا بمؤسسات الدولة الرجعية.
فهل هو فهم مشوه لمبتغيات ماركس ولينين وغيرهما من الثورة أم هو الاحتذاء بتجربة ستالين في احتكار السلطة ومنافسة الرأسمالية "عبر تعزيز دور الدولة" عوضا عن السير في خطوات الاشتراكية العلمية التي دعا إليها ماركس؟!
بالانتقال إلى لينين الذي دعا بوضوح في كتابه "مرض الطفولية اليساري لدى الشيوعية" إلى عقد المساومات والاشتراك في البرلمانات البرجوازية، محددا غاية نشر الدعاية الاشتراكية الممهدة للشيوعية كهدف لذلك، قد يعتبر البعض خطاب لينين مناقضا للرسالة الثورية الماركسية المعادية مباشرة للبرجوازية الرأسمالية، ولكن علينا أن نمعن النظر في تجربة لينين حيث يتحدث هنا من وجهة نظر براغماتية ساهمت أيما مساهمة في إنجاح الثورة الروسية عبر نشر الدعاية البلشفية من خلال النواب البلاشف.
وهو ما كان لينين يعده خطوة لا أكثر في إطار الانبعاث الثوري، إضافة إلى التحالفات التي كان البلاشفة يعقدونها مع تيارات مختلفة معادية بشكل من الأشكال للحكم القيصري.
ولكن هل انحدر لينين في براغماتيته نحو عقد تحالفات مع التيار الديني أو مع الكنيسة في روسيا وهي التي تعد أحد قلاع الحكم الإقطاعي الدكتاتوري في روسيا؟ اترك الإجابة للرفاق الذين يفاخرون اليوم بعقدهم تحالف هو أقرب إلى رعاية بقرة كبيرة "ايران" لفأر صغير "الشتات اليساري".
لا يتلفت هؤلاء اليساريون للغايات الأيديولوجية المعلنة لهذه الدولة خصوصا أو للتيار الذي تتبعه عموما "التيار الديني الطائفي"، مبررين الأمر تارة من ناحية وجود تحالف متكافئ معها فعليا وهو أمر يثير الضحك الهستيري أكثر مما يثير السخرية، ونازعين تارة أخرى إلى دعايتهم الدوغمائية المصورة لهذا التيار كرأس حربة في محور المقاومة ضد الإمبريالية والصهيونية، على الرغم من كل التقاربات الأخيرة التي تدحض دعايتهم الموجهة كما هي الحال لدى القوميين لاستغلال آخر قطرة في الجسد الدامي لفلسطين الرازحة تحت البطش الفاشي الصهيوني من جهة و المحاصرة من قبل الأنظمة العميلة الدكتاتورية التي يدافع عنها هؤلاء اليساريون من جهة أخرى،يصر هؤلاء على أن روسيا هي الوريث الشرعي الملائم للدفاع عن الحلم الاشتراكي رغم تخليها عن الاشتراكية و اتخاذها للرأسمالية منهاجا عاما،ناهيك عن نزعتها الإمبريالية المتنامية التي عدها لينين نفسه أعلى مراحل الرأسمالية،لا الاشتراكية أيها الرفاق!
يستخلص الشهيد الماركسي انتونيو غرامشي الفارق بين المثقف التقليدي والمثقف العضوي قائلا: "يعيش المثقف التقليدي في برجه العاجي ويعتقد انه أعلى من كل الناس، في حين إن المثقف العضوي يحمل هموم كل الطبقات وكل الجماهير وكل الفقراء والمحرومين والكادحين .. وعليه ، فان المثقف الحقيقي هو المثقف العضوي الذي يعيش هموم عصره ويرتبط بقضايا أمته .. إن أي مثقف لا يتحسس الآم شعبه لا يستحق لقب المثقف حتى وان كان يحمل أرقى الشهادات الجامعية".
ينزع المثقف اليساري اليوم للانطواء في إطار مفاهيمه القيمية التي امتلأ رأسه بها لتشكل حاجزا بينه وبين حاجات وظروف مجتمعه وهو ما يجعله يتخلى شيئا فشيئا عن التفاعل مع جماهير شعبه وتلمس آلامها، فيفقد أي ارتباط عضوي يمكنه من نشر فكره الثوري في المجتمع الذي يدّعي محاولة تغييره.
فنجده بدلا عن هذا يهرب من واقعه الاجتماعي ليعقد تحالفا مع مجتمع آخر لا يمت لبيئته و واقعه الاجتماعي بصلات كثيرة، كما هو الحال في إتباع اليسار للتيار الديني الطائفي الذي تترأسه إيران الدولة التي قضى الفكر الكهنوتي الطائفي على محاولة التغيير الاجتماعي الثوري للمفكر العضوي "علي شريعتي" فيها، ليقوض أركان ثورة كانت تعد بالكثير محولة المجتمع الإيراني إلى مجتمع محافظ تسيطر الأفكار الدينية الطائفية على أحكامه القيمية وتجعله تابعا لحفنة من الأئمة مثلما هو هذا اليسار تابع لهم بالضرورة أيضا، نفس هذا التيار يرفض التحالف مع التيار الديني في مجتمعه ويعده تيارا عميلا مدعوما من الخارج من أجل تمرير مشروع ديني متطرف، وبينما تبعد الشقة بين معتنقي اليسار وبين باقي الساعين للتغيير الثوري يبتعد هذا اليسار مسافات شاسعة عن دور فاعل حقيقي في إيجاد تواصل بينه وبين مجتمعه الذي بات يعده غريبا عنه، فكيف لمجتمع يرى هذا اليسار مساندا للقوى التي تبتزه وتستغله وتسحق آماله أن يثق في أي وعود أو ارتباط عضوي يدّعيه هذا اليسار مع هذا المجتمع؟!
قد يفسّر موقف اليسار الرجعي هذا بتحطم آماله العريضة في امتداد الثورة الاشتراكية وتوسعها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، ولكن هذا اليسار لا ينظر بعين ثاقبة تجاه تجارب أخرى قد لا تكون ماركسية ولكنها تحمل في طياتها مشاريع اشتراكية مضادة للرأسمالية المتوحشة ورأس حربتها الإمبريالية، كما هو الحال في الثورة البوليفارية التي تحاول جاهدة الصمود قبل الوقوف على قدميها في أمريكا اللاتينية، التي تسعى إلى إنتاج اشتراكيتها الخاصة بها وبثقافتها وبحضارتها، فيما يأبى يسارنا إلا الارتكاز على ماركسية غربية الهوى والهوية اعتمد ماركس في إنتاجها على فلسفة ألمانية واقتصاد سياسي إنجليزي واشتراكية فرنسية.
فهل يخشى هذا اليسار إنتاج مشروعه الاشتراكي الخاص أم أنه لا يملك المقومات اللازمة لذلك؟!

نيسان ـ نشر في 2016-01-12 الساعة 21:44

الكلمات الأكثر بحثاً