اتصل بنا
 

حين تختلط الامور

أديب وكاتب من كردستان العراق

نيسان ـ نشر في 2016-01-29 الساعة 18:53

نيسان ـ

.

تعيش كوردستان وضعاً مغايراً عن اي وقت سابق، ليس على الصعيد السياسي فحسب، انما على جميع الاصعدة بحيث بات الامر اشبه بدراما تعددت مواضعيها، وتعدد الاشخاص الذين يؤثرون على احداثها، وبالتالي تعددت التوجهات ووجهات النظر، وتعددت الاحتمالات التي باتت تعصف بالانسان في كوردستان، هذا الوضع ليس وليد اللحظة، او وليد محصلات داخلية فقط، انما هو امتداد قسري لظروف اقليمية ودولية ساهمت اجماعاً بخلق نوع من اللااستقرار في المنطقة بصورة عامة، وفي كوردستان بصورة خاصة، هذه الظروف نفسها لبست ثوباً تعددياً اثارت زوبعة من التساؤلات حول مصداقية الكثيرين ممن يساهم بشكل فعلي في تأجيج هذه الظروف واستمراريتها.

تأتي الاحداث لتبرهن على ان انصياع البعض للامر الواقع بات امراً محسوماً فغيرت من جلدها العدائي الظاهري وابقت على المضمر كما هو، لكنه في الاخير تقبل ظاهرياً وجود الاخر بانتمائه وتلك الرمزيات التي تعنيه وتنطق باسمه حتى لو هي نفسها لم تنطق اساساً، وهذا ما رأينها في الاحداث الاخيرة من احدى الد اعداء الكورد تاريخياً قديماً ومتوسطاً وحديثاً ومعاصراً تركيا، التي لاسباب مصلحوية بلاشك انصاعت للامر مرتين خلال الاحداث الاخيرة، حيث قبلت بمرور البيشمركة رافعين علم كوردستان من اراضيها ليصلوا الى كوباني، وفي المرة الثانية حين استقبلت رئيس كوردستان البارزاني ورفعت علم كوردستان، اكيد لسنا ننخدع بهذه التكشلات الفرضية ولا المنطق الذي فرض الامر، لكننا اجمالاً ظاهرياً نرى ونلامس ذلك الانصياع الجبري للواقع الذي فرضه عليهم التصنيفات الدولية للحدث العام وليس كما قلت حباً بالكورد.

في حين نرى ونلامس بان الجانب الاخر للصراع الازلي للوجود الكوردي والمتمثل باصحاب العمامات واللحى بشطريه الشيعي الايراني والسني السعودي والخليجي، يعيش واقعا غير مرئياً وغير مفهوما مع ذاته، لذا فهو يجبر الاخرين للانصياع لمنطقهم المخصوص وغير الانساني ف ياغلب الاحيان، فالعمامات لم تزل تثير الفتن المذهبية الطائفية في اية منطقة تطئ اقدامهم عليها، ولست هنا اقوم بتصحيح افعالهم، انما فقط اشير الى انهم في طريقهم لتحقيق رؤيتهم لايبالون بالاخرين الا ضمن نطاق تحقيق غاياتهم، وهذا ما يظهر بجلاء ووضوح في حالتنا نحن في كوردستان، فايران على الصعيد التجاري لاتحارب مثل تركيا ولاتلوح بسيف قطع الامدادات والطرق، بل تمارس تجارتها بحرية تامة لانها تستفيد بالكثير الكثير، كما تستفيد تركيا، ولان الاخيرة تستفيد اكثر لذا فايران تحاول فصل التجارة عن السياسة، وهذا ما يحدث بكل وضوح، لان مواقفها السياسية لاتتناسب ومواقفها التجارية، لكونها لم تزل تثير التفرقة بين الاوساط السياسية الكوردية وتحاول من خلال التبعية لبعض الاطراف ان تمارس ضغوطاتها السياسية على الكورد، وللاسف ان بعض التيارات المحسوبة على الديمقراطية الحديثة وتنادي بها اصبحت وبالاجماع اداة بيدها تحاول اعاقة مسيرة الحكومة الكوردستنانية كما انها اصبحت بوقاً اعلامياً لاتبحث الا عن المساوئ بدلاً من تحاول ايجاد من خلال المنطق والواقع طرق وسبل للتخلص من التبعية الايرانية، لهذا نجد بان اصحاب العمامات مازالوا يمارسون لعبتهم القديمة في فرق تسد، وفي تثبيت مصالها وتصدير ثورتها الدموية ولو حساب سعي الاخرين لتحقيق مكاسب تعد حلم بالنسبة للملايين منهم.

في حين ان اصحاب اللحى اظهروا تجاوباً متفاوتاً في الاونة للقضية الكوردية وتغيرت بعض ملامح سياستهم مع الكورد وهذا ايضا ظهر جلياً في استقبالهم الحافل الودي لرئيس الاقليم، ولكن الامر مازال تحت المجهر والاختبار، لان تبعيات ذلك الاستقبال لم تظهر في هذه المحنة التي تعيشها كوردستان، سواء على المستوى السياسي مع المركز بغداد او الاقتصادي الذي نؤمن بان للسعودية الدور الابرز في انهيار اسواق النفط العالمية بلاشك لاغراض تحقق اجندات مصلحوية بينها وبين تلك الاجندات التي اصلا هي تدين لها بالتبعية، ومن جهة اخرى حباً في خلق مكانة اخرى تجعلها تساير الوجود التركي السني وتوقف المد الايراني الشيعي، وهذا بلاشك يحقق لها مصالحها.. ولايهم ايضا اذا كان الامر يقضي على حلم الملايين من الكورد الساعين بجدية الى تحقيق كيان مستقل لهم ليكونوا وبعد قرون من المعاناة شعب يحكم نفسه بنفسه بعيداً عن صراعات اللحى والعمامات والاسواق والتجارة.

فضلاً عن هذه المعضلات الاقليمية والدولية نجد بأن حكومة ما يسمى بالعراق الموحد، السنة الموحدين، الشيعة الموحدين، ونحن بعيداً عنهم في صراع من اجل التوحيد، كلنا نعيش ضمن هيكلة ومنظومة غريبة لا قوام لها، ولاصورة واضحة لها، بل هي اشبه بلعبة تم تحديثها ضمن الالعاب الالكترونية الحديثة، فالاعلام يتبنى الديمقراطية كغطاء لتحقيق مكاسب طائفية بحتة، بل الادهى والامر بان الحكومة نفسها تنصاع لمتطلبات الاعلام بالاخص اذا كان الاعلام حسينياً متشيعاً مرجعياً دون التفكير بكل المكونات الاخرى التي تشاركهم الامر، فما يصرف على اعلامياً وواقعياً من اموال ومسلتزمات مثلا على الحسينيات يعادل ميزانية كاملة لاحدى المكونات الاخرى، لكن الامر غير مهم طالما الاسياد اصحاب العمامات راضين ويربتون على اكتاف الحكومات وابواقها اصحاب اللسان والبيان بالبركة والخير.. هذه التحولات اجبرت الاخرين على المضي قدما ولو بخطوات بطيئة لتحقيق ذواتها، ولهذا نجد الملايين منا يسعون جاهدين على حمل جواز سفر لايحمل اسم هذا الخراب الطائفي المذهبي اللامجدي والغارق في الوثنيات السياسية والوثينات الاجتماعية والوثنيات الفكرية غير الممنطقة نهائياً، هذا الوحل اصبح يعيق مسيرتنا نحن ككورد لاسيما في سعينا الى تحقيق الرفاهية لشعبنا، وتحقيق حلمنا، ولايخفى على منصف كيف انهم يكيلون لنا بميزانين مبنيين على الحقد والكراهية، فقطع الميزانية امر يرجع الى ايمانهم بالثورة الحسينية، وتجويع الكورد امر نابع من تبنيهم للفكر العمامي السابق.. لكن حين يدخل مثلا الجيش التركي لمنطقة تهديد للامن القومي لهم، لهذا نجدهم ومن خلال افعالهم المشينة قد خسروا اخر رابط يجمعنا بهم، حتى لو تحقق الدولة والاستقلال للكورد فاننا في ذواتنا وعقولنا وقلوبنا لم نعد عراقيين ولن نكون ابدا كما لم نكن الا قسرا في الفترات السابقة، الحقائق تثبت باننا مختلفين عن بعض، الوقائع توضح مدى كبر الهوة بيننا وبينهم، والاحداث والواقع يؤكدان بان الافضل ان يذهب كل منا في طريقه، لعل البعض يرونها دعوة صريحة للانفصال، نعم هي كذلك.. ولم اعد افتخر بتاتاً الجواز الذي احمله اقولها صراحة.. وهناك من قول ماذنب الشعب ساقول، الجيش من الشعب وهو يقتل ويفتك ابناء الشعب نفسه والحكومات محصنة بالمرجعيات، الحشد الشعبي من الشعب وهو يقتلنا ويثير الفتن في مناطقنا، والساسة من ابناء الشعب وهم يحقدون علينا، اذا ماذا بقي من الشعب.

لم يبق لنا سوى ان نبقى متمكسين بعلمنا وبارضنا وبالبيشمركة الذي اصبحوا ايضا ضحية هولاء وضحية طموحاتهم وافعالهم المشينة، ونحن نؤمن مهما ضاقت علينا الدنيا بمن فيها، بان البيشمركة وان ثبطت عزيمتهم قليلا بسبب الاوضاع الاقتصادية السيئة اليت نمر بها جميعا الا انهم باقون في الخنادق يحمون الكورد وكوردستان ضد خطر الدواعش الارهابيين وكل من يساهم معهم بفرض مصالحه على وجودنا سواء سياسياً او اقتصادياً او اجتماعياً.. ونبقى ننادي بان كوردستان ستبقى حتى ان لم نبقى نحن ابنائها.. مع اني مؤمن بان الارض وجدت ليكون عليها الانسان.. لكن في حالتنا قد تتغير الموازيين لكوننا منذ البدء كما موجودين ولكن ارضنا سلبت منا ولم تزل مسلوبة.

نيسان ـ نشر في 2016-01-29 الساعة 18:53

الكلمات الأكثر بحثاً