اتصل بنا
 

ملبـّس ومقهى لـ ماجد شاهين

نيسان ـ نشر في 2016-02-03 الساعة 16:23

x
نيسان ـ

(1) رائحة الدهشة !

الأماكن ، الحارات والأرصفة والشوارع و الدكاكين و المتاجر و محالّ الحبوب والخضروات والمقاهي ومحال الملابس والخياطة والمكتبات ومحال القصـّابين والدواجن ومحال الأحذية وكوخ الإسكافيّ و"بيت درج" السمكريّ و المطاعم.

هذه وتلك وأكثر، كلها أماكن نعرفها.

ليست لنا لوحدنا، ولا نعرفها منفردين ، لكنـّنا نحاول أن نتمايز ونصنع عندها فرقا ً أو منجَـزَا ًً أو موقفا ً.

نحاول أن نترك عندها شيئا ً من رائحتنا وملامحنا ومواقفنا، و نجتهد لكي نحمل شيئا ً منها في الذاكرة !

الأماكن المدهشة يصنعها رواة حكمة وشعراء وصعاليك وساخرون وبائعو بن ّ مشتهى ً و يصنعها كذلك حارسو الورد والشبابيك .

...

الأماكن التي لنا ، يصنعها حالمون ! ومن دون الحلم لا تصعد رائحة الدهشة .

( 2 ) ملبـّس على قضامة !

من السكاكر القديمة ، التي كنّا نفرح لتناولها و تقديمها للضيوف في الأعياد والمناسبات ، كانت سكاكر أو حلوى " الملبس على قضامة " !

القضامة مغطسة بالملبس الملوّن (سكاكر ملوّنة) بالأبيض والأحمر أو بلون الزهر.

وكانت توزّع على الناس في صرر أثناء الأعراس والمناسبات. لا أزال تنتابني ضحكة استرجاعيّة، أعود معها إلى صديق من الزمن الجميل، كان يريد دائما ً أن يعرف: كيف استطاعوا وضع القضامة بداخل الملبّس؟

... أود ّ لو يعود بنا الزمان إلى الوراء، وأجد من يدس ّ في جيبي كمشة ملبس على قضامة أو من يبيعني كمشة منها بقرش ٍ أو قرشين في متجر عتيق ليس فيه بضاعة مترفة .

...

السكاكر القديمة ، لها طعم لا يتكرّر، تماما ً مثل الحبّ القديم، والغناء القديم والوجوه المبتهجة القديمة والشوارع القديمة وأباريق الشاي القديمة وطناجر الجدّات القديمة وأرغفة الخبز في الطوابين القديمة وعيون الماء وعيون النساء .

...

لا تزال لدينا فرص ٌ عريضة لكي نزرع الورد و نعتني بالأصص و نغرف من قوارير المحبّة.

لا نزال نملك الوقت لكي نحضن أحلامنا و حاراتنا تماماً مثلما يحتضن الملبّس حبّات القضامة ، وأكثر !

...

والخطوة الأولى ، دائما ً تنجح بالمحاولة .

(3) في المقهى !

لم أجلس إلى طاولة في المقهى منذ زمن ٍ بعيد .. إبريق الشاي شَحُب َ لونه أكثر ممّا ينبغي أو أكثر ممّا تفعله النار في الأباريق .. و ركوة البن تاهت ملامح وجهي في بطنها ولم أعد أراني فيها ، والرصيف قليل!

وحده حارس حجارة النرد، لا يزال يحفظ صورتي حين هزمت النرد و هزمني لاعب في الجوار ، و وحده النادل ما تبدّل منذ ألف سنة و أزيد ، أعد ّ لي ركوة قهوة بلا سكر ٍ على غير ما كنت أشتهي!

النادل ، نقص عنده الكلام و فقد ثلاثة أرباع نظره و صار يلهج بحكاية في الذاكرة ، و حين رآني آخر مرة أشار إلى طاولة النرد التي دلقت ُ فيها كأس الشاي غضبا ً على هزيمة مُنيت ُ بها في اللعبة!

لم أكن أتقبـّل الهزيمة في لعبة الطاولة، رغم أنها مجرد لعبة أو محاولة للعب .. كنت ُ أملأ الشارع ضجيجا ً حين أحقـّق انتصارا ً في اللعبة ، و كنت أملأ المقهى صراخاً حين يهزمني خصم ساذَج أو لاعب طاريء أو صديق ٌ يتكيء على المصادفة.

النادل ُ وقف إلى جانبي وقال: هل لا تزال تلعب طاولة النرد؟

قلت للنادل و أشحت بوجهي بعيدا ً: وهل لا يزال الأصدقاء يحضرون هنا بفوضاهم المحبّبة وانتظاراتهم المرتبكة؟

النادل مال إلى قلبي وبكى!

النادل فقد كثيرا ً من بنات لسانه حين لم يجد أحدا ً يشرب شايه أو أحدا ً يـُعلي من قيمة الصراخ في المكان!

لم أجلس إلى طاولة هناك، لكنـّي أسترجع و أبحث عن أصدقاء أتعبتهم اللعبة، فغادروا إلى أرصفة أخرى أو إلى صمت ٍ أو إلى تيه ٍ في الزحام.

النادل لم يسألني عن موعد ٍ آخر أجيء فيه إليه حاملا ً سلّة الكلام.

نيسان ـ نشر في 2016-02-03 الساعة 16:23

الكلمات الأكثر بحثاً