اتصل بنا
 

مستعمرات بكتيريا النقود .. تهديد صامت للصحة

نيسان ـ نشر في 2016-02-03 الساعة 16:53

x
نيسان ـ

في إحدى محلات الصرافة في أبوظبي كان الازدحام قد بلغ أشده على ثلاثة أو أربعة »كاونترات«، كل يريد أن ينهي مهمته في تحويل النقود إلى أهله أو ذويه، من دون تفكير انتقلت إلى الطابور الثاني هرباً من الشخص الذي كان يقف خلفي، الذي حقق ـ في ظني ـ رقماً قياسياً في سرعة العطس، إذ عطس في إحدى المرات ما يزيد على 10 عطسات متواصلة في أقل من 5 ثوان، أنهيت معاملتي المالية وانتظرت في الخلف أراقب المريض، الذي وقف أمام الصراف ممسكاً بمناديل ورقية عدة تبللت من كثرة الإفرازات..

وأخذ في عد مبلغ من المال، ثم أعطاه للصراف ليضعها الصراف في آلة عد النقود، ثم يعاود عدها مرة أخرى، وكأنه لا يثق في الآلة، عدها مرتين وفي كل مرة كان يبلل إصبعه، وما إن انتهى من العد حتى بدأ بالعطس مبتسماً إلى الزبون ولسان حاله يقول: شكراً العدوى وصلت.

هنا برز من الفضول الصحافي تساؤل غفل عنه الكثيرون: هل تداول النقود بين الناس يعد مصدراً من مصادر انتقال البكتيريا والفيروسات ومن ثم انتقال الأمراض؟ وإن كان الأمر كذلك فما هو الحل حتى وإن كان حلاً لا يمنع انتقال العدوى كلياً، بل يخفف من حدة انتقالها.

السلوك الصحي للوقاية

في لقاء مع الدكتور رامي عبد اللطيف في المستشفى الوطني في أبوظبي أكد بالإيجاب بقوله: نعم النقود الورقية والمعدنية مصدر مهم من مصادر انتقال العدوى والأمراض مثلها في ذلك مثل العديد من المصادر الأخرى، التي تتداول بين أيدي الناس في المنزل والمؤسسات ومراكز التسوق والمطارات.

ويتساءل عن البديل، ثم يسترسل ضاحكاً: هل تعتقد أن مريضاً ذهب إلى الصيدلية لصرف أدويته ومد يده بالنقود إلى الصيدلي سيمتنع عن استلام النقود؟! ويجيب: بلى سيأخذ النقود ولكنه بعد ذلك سيغسل يديه بالمطهر الذي يقضي على الفيروسات والبكتيريا.

ويعتقد الدكتور رامي أن السلوك الشخصي للإنسان هو العامل الحاسم في تجنب أو تسهيل الإصابة، فمن يواظب على النظافة الشخصية وغسل اليدين باستمرار سواء بعد ملامسة النقود أو غيرها فإنه لا شك سيبتعد عن العدوى والعكس صحيح.

الأخطر في سوق السمك

ويشير الدكتور عبد اللطيف الطيب إلى أنه لا توجد أي دراسة في الدولة تقيّم مدى انتقال الأمراض من تداول النقود، ولكن بعض الدراسات أجريت في بريطانيا والهند ونيبال وبنغلاديش وإيرلندا..

وجميعها أكدت أن تداول النقود يعد مصدراً نشطاً لنقل العدوى وبخاصة البكتيريا التي تتعايش مدداً طويلة في الخارج..

فهي متواجدة حتى في التراب بعكس أشرس الفيروسات التي لا يمكن أن تعيش خارج بيئتها أكثر من خمس دقائق، غير أن هذه الدراسات ـ والكلام لا يزال للدكتور الطيب ـ أشارت إلى خطورة العدوى المنقولة في محيط معين مثل أسواق الخضار واللحوم التي تتكاثر وتنشط فيها البكتيريا والفيروسات في محيطها إلا أن النقود المتداولة في سوق السمك هي الأكثر خطورة وفق تلك الدراسات.

الخطورة قليلة في الإمارات

ويرى الدكتور شكري مبيض استشاري الأمراض الباطنية في مستشفى النور من جهته، أن تداول العملات النقدية بين الناس وبخاصة إذا لامست الفم قد تسبب الإصابة ببعض الأمراض الفيروسية أو البكتيرية، لافتاً إلى أن الأمراض التي تسببها البكتيريا ربما تكون بسيطة لأن الأدوية والعلاجات المختلفة تقضي عليها، ولكن الأمر مختلف في الأمراض الفيروسية، التي لم يتوفر لها أدوية حتى الآن.

ويعتقد الدكتور شكري أن انتقال الأمراض عن طريق العملات في الدول المتقدمة ومنها دولة الإمارات يقل كثيراً عن الدول الفقيرة، وذلك يعود إلى قلة استخدام النقود في المعاملات المالية..

حيث توجد بطاقات الائتمان والشراء عن طريق الإنترنت أو الشبكات، حيث تنعدم فرصة انتقال العدوى في مثل هذه الحالات. ويشدد الدكتور شكري على أنه لا حل عملياً وواقعياً في هذا الأمر إلا من خلال المحافظة على النظافة الشخصية عند التعامل مع النقود أو الأطعمة..

وكذلك غسل اليدين بالصابون أو المطهر قبل وبعد ملامسة النقود أو الأطعمة، وكذلك منع الأطفال من وضع العملات المعدنية أو الورقية في أفواههم.

أمراض تنقلها النقود

وعن أكثر الأمراض التي يمكن انتقالها من شخص إلى آخر عبر النقود، يتحدث الدكتور محمد صالح في أبوظبي عن أن النقود إلى جانب تسببها في نقل فيروسات الإنفلونزا بجميع أنواعها بما فيها إنفلونزا الطيور والخنازير وكورونا، فيمكن أن تنقل أيضاً الأمراض التنفسية مثل مرض السل وهو مرض معد ينتشر عبر الهواء شأنه شأن الإنفلونزا العادية..

ولا ينقل السل إلا الأشخاص الذين يصيبهم المرض في الرئتين فحينما يسعل هؤلاء الأشخاص أو يعطسون أو يتحدثون أو يبصقون، فهم يفرزون في الهواء الجراثيم المسببة للسل والمعروفة »بالعصيات« ويكفي أن يستنشق الإنسان قليلاً من تلك العصيات ليصاب بالعدوى..

كما يمكن أن تتسبب في نقل فيروسات التهاب الكبد خاصة فيروس »بي« الذي ينتقل من شخص لآخر عبر ملامسة الأشياء بخلاف فيروس »سي« الذي لا ينتقل إلا عن طريق الدم.

اقتراح صناديق التعقيم

بالتأكيد أكثر الناس عرضة للإصابة ببكتيريا أو فيروسات النقود هم أولئك العاملون في محال الصرافة والبنوك، الذي يتعاملون يومياً مع العملات الورقية والمعدنية.

وعلى الرغم من حالة الوسواس القهري، التي تتملك غريب الصغير، ويعمل محاسباً في إحدى شركات الصرافة في أبوظبي، عندما يتعامل مع النقود القادمة من الخارج حتى من الزبائن التي لا تظهر عليهم أي أعراض، ما جعله يضع المطهر أمامه واستخدامه بعد كل معاملة، إلا أنه كثيراً ما يصاب بالإنفلونزا وقد تستمر معه أكثر من أربعة أيام.

مجدي إبراهيم يعمل في إحدى الشركات الخاصة يقترح حلاً للتقليل والحد من انتقال العدوى بين الناس بقوله، هناك طريقة سهلة ومضمونة وعملية وغير مكلفة للتقليل من »بكتيريا النقود« كما يطلق عليها .

وهي أن تقوم الجهات المعنية في الدولة بإلزام المؤسسات المالية مثل البنوك والمصارف وحتى محلات البقالة والجمعيات التعاونية أو أي جهة تتراكم فيها النقود بما فيها سيارات نقل الأموال بوضع النقود في صناديق معقمة مزودة بأشعة تقوم بقتل البكتيريا والفيروسات العالقة بالنقود مثل تلك المتواجدة في محلات الحلاقة، لافتاً إلى أنه بهذه الطريقة يتم تنظيف النقود من أي عدوي محتملة وبصورة متواصلة ومتجددة.

البكتيريا والفيروسات

الفيروسات والبكتيريا كلاهما يسبب الأمراض، إلا أن هناك اختلافاً كبيراً بينهما من الناحية البيولوجية، فالفيروسات ليست كائنات حية، ولا يمكن القضاء عليها بواسطة المضادات الحيوية.

أما البكتيريا فهي كائنات حية دقيقة وحيدة الخلية تحتوي على كل ما تحتاج إليه للقيام بجميع وظائف الحياة الأساسية، إذ تحتوي على المادة الوراثية المسؤولة عن تحديد صفات وسلوك البكتيريا إلى جانب أجهزة خلوية لصناعة البروتينات التي تحتاج إليها من أجل حياتها فخلية البكتريا مثلنا تتغذى وتقوم بالاستقلاب الذاتي وتتكاثر بالانقسام ومن بين الأمراض التي تسببها، الدفتيريا والكوليرا والسعال الديكي والسل علماً بأن ليست كل أنواع البكتيريا مضرة بالصحة..

بل على العكس فجسم الإنسان بحاجة ماسة لبعض أنواع البكتيريا للبقاء بصحة جيدة فالبكتيريا المعوية على سبيل المثال تساعد الجسم على الهضم وفق موقع »دي دبليو«، وخلافاً للبكتيريا فإن الفيروسات عبارة عن جزيئات معدية وليست خلايا وتتألف من مواد وراثية محاطة بغشاء واق من البروتينات ولا تمتلك أجهزة خلوية لتوليد الطاقة وإنتاج البروتينات أو للتكاثر..

ولا يمكن للفيروسات أن تتكاثر من دون مساعدة خارجية إذ تدخل مكونات الحمض النووي والغلاف البروتيني للفيروس إلى الخلية المضيفة، ليتم تثبيط وإيقاف كل المعلومات الجينية الموجودة في الخلية المضيفة، ويسخر الفيروس الخلية المضيفة لتكوين فيروسات جديدة إلى أن تنفجر الخلية وتتحرر فيروسات جديدة، وتسبب الفيروسات للإنسان أمراضاً مثل الإيدز والهربس والتهاب الكبد والإنفلونزا والحصبة والحمى الصفراء.

" العملة الذكية"

تقرير طبي نشرته مجلة »ساذرن ميديكال« الأميركية المتخصصة ذكرت فيه بحسب منتديات »ستارتايمز« أن النقود يمكن أن تكون ناقلاً لأكثر الأنواع من الأمراض الخطرة، وتبين للباحثين إثر جمع أوراق نقدية وفحصها أن 94 في المئة منها تحمل فيروسات لالتهابات خطرة تصيب الجهاز التنفسي، وتسبب أنواعاً مختلفة من الحساسية..

ولقد اعتبر مثل ذلك الاكتشاف أساساً لاقتراح باعتماد (العملة الذكية) عبر مجموعة من الإضافات تجعل الأوراق النقدية أكثر مقاومة للميكروبات.

92 % من العملة ملوثة

في المملكة العربية السعودية أطلق الأطباء المتخصصون في الفيروسات تحذيراً من ضرورة تطهير الأيادي، بعد التعامل مع العملات الورقية، بعدما كشف باحثون من جامعة الملك سعود في الرياض، وجامعة الملك عبد العزيز في جدة مؤخراً عن تلوث 92 في المئة من العملات الورقية المتداولة بين عامة أفراد المجتمع في محلات المواد الغذائية وخاصة اللحوم والأسماك وغيرها ببعض أنواع البكتيريا الممرضة.

دراسة بريطانية: الجيوب.. بيئة مثالية لتكاثر بكتيريا النقود

في أبريل الماضي، نشرت صحيفة »الرياض« دراسة أجراها باحثون من طلبة جامعة »سري« البريطانية، تضمنت صوراً صادمة لما وصفوه بمستعمرات للبكتيريا في العملات، إذ تضمنت التجارب التي أجروها معالجة القطع المعدنية وأوراق النقد بمادة تجعلها تنمو وتتكاثر بسرعة، لتبيان كيف يمكن أن تكون العملة المتداولة قذرة للغاية.

وتم غمر العملة في »الأغرة«، وهي مادة هلامية تجعل البكتيريا تنمو بسرعة، ثم أخضعت للمراقبة لمدة تراوحت بين ثلاثة وأربعة أيام، ووجد الطلاب أن الآلاف من مستعمرات البكتيريا تعيش في العملة.

وفي حين أن معظم أنواع البكتيريا في البقع الخضراء في الصور المرصودة لم تكن ضارة، إلا أن الباحثين يؤكدون أن العملة يمكن أن تنقل العديد من الأمراض الخطيرة.

وقال الدكتور سايمون بارك، كبير المحاضرين بشعبة الأحياء الجزيئية بالجامعة: »أكثر أنواع البكتيريا شيوعاً التي تم العثور عليها كانت البكتيريا الجلدية، إلا أن دراسات أخرى أثبتت أن المال يمكن أن يحتوي أيضاً على بكتيريا (إم آر إس إيه)، وبكتيريا تسبب تسمم الطعام، وبكتيريا (ستافيلوكوكس أوريوس) المسببة للحبوب الجلدية«.

ويمكن أن تلحق هذه البكتيريا أضراراً صحية بليغة بأصحاب الأجهزة المناعية الضعيفة، مثل الأشخاص المنومين في المستشفيات. ويحمل نحو 20 في المئة من الأشخاص هذه البكتيريا في أنوفهم، ما يشير إلى أنهم لمسوا أنوفهم قبل تعاملهم بالمال.

وخلص د. بارك إلى القول: »وجدنا أن العملة، ورقية كانت أم معدنية تحتضن أعداداً كبيرة للغاية من البكتيريا ونحن نتعرض لها وهي تمر من يد إلى أخرى مغسولة وغير مغسولة. كما أن العملة تحفظ داخل الجيوب الدافئة الرطبة الأمر الذي يوفر لها الظروف المثالية للنمو والتكاثر«. وبالنتيجة فإن مستعمرات البكتيريا في العملة كبيرة للغاية ومتنوعة، كما تحمل البكتيريا المسببة للأمراض.

بانتظار الدراسات المحلية

نقلت صحيفة »عكاظ« قول الدكتور سايمون بارك أن »كثيراً من الدول العالمية ومنها الولايات المتحدة ألزمت جميع البنوك ومحلات الصرافة بضرورة تطهير الأيدي بعد كل عملية عد للنقود لتقليل نسبة التعرض لأي نوع من أنواع البكتيريا، وهو ما ينعكس أيضاً في عدم تعرض العملات للتلوث«. والآن بانتظار الجامعات الوطنية لإجراء بحوث تثبت ضرر تداول العملة وأهمية النظافة كي لا تنتقل العدوى بين الناس.

البيان

نيسان ـ نشر في 2016-02-03 الساعة 16:53

الكلمات الأكثر بحثاً