في الرأي والرأي الآخر
نيسان ـ نشر في 2016-02-04 الساعة 10:39
محمد قبيلات
باختصار شديد، نحن نقبل بـ (الرأي الآخر) فقط في حال كان متطابقا مع رأينا. وغير ذلك، لا نتعامل مع أية أطروحات تتنافى مع ما نقول إلا من باب أنها هجوم يقصد ذواتنا لا آراءنا.
ليس من مجال في بنية العقل العربي للتعامل مع الآخر من باب صح وخطأ، بل المقياس الوحيد هو (معي أم ضدي)، (حليفي أم عدوي) .. وحتى الحلفاء بينهم ما بينهم من سوء الفهم.
إنها ببساطة ثقافة الصحراء المسكونة بالترصد وانتظار أخطاء وهفوات الآخرين، والمبنية على الخوف من ترصد الآخر، والخوف من الطعنات من الخلف، لا على التأمل والتفكر والتدبر.
حتى المفكر محمد الجابري الذي ملأ الكتب نقدا للعقل العربي، والعهدة على صديقي محمود منير، لم يكلف نفسه الرد، بل ربما لم تقبل نفسه النقد الذي وجهه له جورج طرابيشي الذي قضى خمسة وعشرين عاما وهو يبحث في منهجية ومصادر الجابري، ومات الجابري دون أن يرد على نقد الطرابيشي له على وجاهته.
من أسباب عدم قبول الآخر، أنها تفاعلات داخلية مُضخِمة للذات، توصل صاحبها للشعور الكامل بالرضا عن النفس، والشعور الزائف بامتلاك الحقيقة، والنظر الى باقي الآراء على أنها آراء "أغيار" لا تمت للحقيقة بصلة لا من قريب ولا من بعيد، فأحكامنا المسبقة جاهزة لوصم الآخرين بالخيانة للفكرة المطلقة الصحة التي نمتلكها.
ربما كان من أهم أسباب هذا التشوه، هو الاطمئنان الزائف لما يشبه المنظومات الأيديولوجية التي نركن إليها، وليس التوتر والقلق الناتج عن الشك، وإعادة التدقيق بالنتائج التي توصلنا إلى الحقيقة، ولا ننظر لهذه الأدوات (الشك والقلق والتوتر) كأدوات فعالة ودافعة ومحفزة للبحث عن الحقيقة.
لذلك نظل ندور في نفس الحلقة، ونعيد اجترار وإنتاج الأفكار ذاتها. وفي النهاية نخوّن الآخرين، ولا نعطي فرصة للتأمل بما يطرحون من أفكار جديدة، ونعتبر أن الفكرة الصحيحة هي تلك التي نؤمن بها ويؤمن بها السواد الأعظم (ظلامية)، التي تحوز رأي وتأييد أغلب الناس (مُحافِظة).
ربما كانت هذه من نقاط سوء فهمنا الرئيسية للديمقراطية، أو ربما هي من عيوب الديمقراطية ذاتها، لأن الأفكار الجديدة، وعلى مر التاريخ، كانت أفكار تتبناها جماعة الأقلية وليست أفكارا حصرية للأكثرية.
يجب أن يكون معيار فحص الديمقراطية القوي هو احترام الأغلبية لرأي الأقلية، والاستعداد للقبول بهذا الرأي في الجولات القادمة، إذا ما ثبتت صحته، وكمحاولة أخرى للفهم.
الجانب الآخر المهم، هو التطبيق، أي بمعنى التغيير، علينا أن نبدأ بتطبيق وفرض أفكارنا على أنفسنا بداية، لفحصها، ثم ندعو الآخرين لتطبيقها أو تبنيها، ولا نفرضها عليهم، إذا ما مارسنا هذا السلوك الإنساني السوي، حينها تحديدا، سنقتلع شأفة الإرهاب الساكن بنات أفكارنا.