عن مسلخٍ بشري هو العالم..!
علي سفر
كاتب سوري
نيسان ـ نشر في 2016-02-08 الساعة 10:14
فجأة ودون سابق مقدمات حاضرة في الإعلام العربي والدولي وقبله المحلي، تكشّف المشهدُ عن خطة للتدخل العسكري السعودي في سوريا، بالاشتراك مع قوات التحالف الإسلامي، وبترحيب أمريكي، مع تحفظٍ على التفاصيل، بانتظار مناقشتها مع القوى الدولية قريباً.
يبدو الأمرُ أقرب لمشهد غير محسوب في مسرحية تراجيدية، فبعد وقوع البطل في تجويف الخسارة المركزة، تهبطُ من السماء جنيةٌ تمد له يدها مُحاولةً إنقاذه، بينما يتفرج الجمهور على ما يحدث بسعادة، تلخصها الفكرة التالية: لا يمكن للبطل أن يموت، هكذا عودتنا أفلام “الأكشن”، وحتى لو جاءت نجاته على يد قوى غامضة، ولا علاقة لها بتسلسل الحبكة التراجيدية!!.
تركيز الإعلام على حكاية التدخل العسكري السعودي، هو الحدث، لا التدخل ذاته، فهو لم يحدثْ سوى في مناقشة احتماله، عبر نشرات الأخبار، وفي المؤتمرات الصحفية، وفي تحليلات المحللين الذين أسقط في يدهم، وهم يرون الواقع الميداني ينجلي عن حرقٍ للأرض السورية على يد الطيران الروسي، ولا يبقي على أية إمكانية لمقاومة غزاة ريف حلب الشمالي، حرقٌ يؤدي إلى سقوط القرى والمدن بشكل دراماتيكي.
وبينما كان من الافتراضات الطبيعية في سياق العمل الصحفي والإعلامي أن يتم التركيز على الأمواج البشرية من النازحين، الذين توجهوا شمالاً صوب تركيا، فوجدوا أبواب حدودها مغلقة، تحولتِ الكاميراتُ التي عادت بالخيبة من “جنيف3” لتركز على كاميرات درون “drone camera” الروسية، وهي تقوم بتصوير المناطق التي استعاد النظام السيطرة عليها بدقة عالية، وبمشهدية سينمائية متقنة!.
كنا في السنوات السابقة نتحدث عن تحول خطير في الإعلام، قوامه تركيز الكاميرات التلفزيونية على مشاهد القتل، وإظهارها لصور الضحايا، وكأنهم إكسسوارات لنجاح الحصص الإخبارية، يتم التباري بين المحطات على البراعة في صناعتها، فالشاطرُ هو من يزرقُ المشاهدين الحقنة الدموية بسلاسة وإتقان!.
وها نحن اليوم ننتقلُ مع سياق “البراعة” في الصناعة الإعلامية، من جعل موت الضحايا المادة الأكثر حضوراً، إلى جعل موتهم هامشياً، والتسابق في التركيز على هوامش الحكاية التراجيدية!.
ولنجعل الأمر أكثر قابلية للفهم، تعالوا لنحدد من هم أبطال المشهد الإعلامي السوري: غباء ديمستورا وهو يسأل عمن يقصف السوريين بالبراميل!، “قرآن” بشار الجعفري!، كاميرات درون الروسية وهي تجول في المدن المدمرة!، الفرق الموسيقية التي ترقص وتغني في مطار حميميم!، توسل دريد لحام للخامنئي!، طلب الأمن السويسري وفود المعارضة مغادرة جنيف!، إلخ إلخ. أخيراً وليس آخراً خطة التدخل السعودي، وقد تفجرت بين ليلة وضحاها! نتحدث هنا على الإعلام الاحترافي، ولا ننتبه إلى إعلام صفحات التواصل الاجتماعي، ففي هذه الأخيرة مهازل أشدُّ فجيعة، وأكثر دحضاً لأية فكرة نزيهة في عالم الصحافة ومواثيق شرفها.
أي خواء إعلامي هذا الذي يرافق مآسينا الكبرى نحن السوريين؟ كيف أمكننا تصديق بأننا نعيش في عالم يلتفت إلى دمنا؟ هل كنا من السذاجة حقاً حين صدقنا؟ أم أن العالم انقلب فجأة دون أن ندري، متحولاً إلى مسلخٍ كبير؟.
سوريتنا