اتصل بنا
 

طفل وشارع لـ عصام الدين محمد أحمد

نيسان ـ نشر في 2016-02-11 الساعة 16:15

x
نيسان ـ

لم تتبدل جلستي .

- ربما يكون ذهني منقوعًا فى سائل البلاهة.

أقبض ببطن يدي اليسرى على كوب زجاجي ، يقبع فى قعره تفل شاي؛ تاريخي ، رَذَاذّ الارتشاف ؛ ما تَخُطه الآن عبثٌ،محاولة للإيهام ؛ طوبة تجاورها طوبة، ويكتمل بناء القصيدة، تتلاقفها الأقلام.

- اغتراب.

- افتراس.

- انتهازية.

- ما بال القصيدة تركلني فى دهاليز الغرف المصمتة؟

- يخنقني لِبَاس الزَّيف ورابطة العُنُق.

- يتموه الكلام بالألوان ، يذهل اللفظ عن الدلالة.

- أتُفْصِح الكلمات عن المخبوء

تغمق أدخنة شيشتي، كركرة مياهها أسطوانة،مفروض عليك سَمَاعُهَا ليلًا ونهارًا، تحيك الرؤى شِبَاكُ التقوقع.

قنديل تذبل شموعه ؛ صور مُشَوَّهَة ، رسومات سريالية ، عِرَاك ونيران، جنود يمتشقون الهِرَاوَات ، طفل يجري ، يلهو ، يصرخ ، يستريح على الرصيف ، يطاردونه ، يستجير ؛ وما من مُجِيرٍ ، تجدني أتابع المَشْهَد ، الأصوات تُزَلزِلُ الأرجاء ، يرجُفُ فؤادي فجأة ، تهتز الأرض ، الطفل المُرْتَبِك تُرْديه طَلْقَة ، أتَجَلْمَدُ مكاني بُرْهَة ، أحتضِنُه مُهَرْوِلًا ، يركض الضابط في الاتجاه المعاكس .

أصيح : بأى ذنب قَتَلَك الجبناء؟

تنتفض أنفاس دابلة،أودعه أقرب مستشفى، تغادره النبضات قبل أن أفارقَه.

أصرخ: يسقط حكم العسكر.

أطفال يجرون فى الشوارع ؛ ثيابهم رثة ، مُمَزَّقَة ، يرمون الخيالات بالطوب ، الآن أنا فى مُقَدَّمة صفوفهم ، نتسلق الحوائط الخـُرَاسَانِيَّة، لا نهتف بشعارات ممجوجة،أصواتهم معركة بقاء:

- اضرب يمين .. هوش شمال .

أقول كلمات غاضبة :

- فلنذهب إلى الجحيم، أنقتل العيال؟

لا تهدأ المعارك الناشبة ، يحتمون بالحديد ، يتساقط الأولاد كأوراق الخريف ، تلقفهم الدراجات من بحار الدخان ، يتدرع الشيوخ بالصغار،يحتشدون خلفهم.

- لماذا لا يتقدمون الصفوف؟

- لماذا يدفع الهلافيت الثمن؟

- يا باشا جميعهم لا سعرَ لهم!

- مال الغُصن يا قُساة .

ألهث ، أبتعد عن دوائر الاختناق ، أتمدد فوق رصيف عمرمكرم،طفلان يأنساني، يجلسان يمينًا ويسارًا، أجفف ريالتي.

أحدهما يسأل:

- لماذا يقتلوننا؟

تجافيني الإجابة.

يسأل الثانى:

- لماذا تخافون منا؟

يرد الأول: دماؤونا رخيصة ؛ تسيل وكأنها مياه رش!

ينتحب رجل أربعيني ؛ وكأنه طفل فقد ألعابه ، يُمَسِّدُ قدميه ، تهدردموعه كالشلال، أرْبت كتفه المعروق ، يتفحم صراخه ، أرفع البلوفر عن ظهره ، يعانـي آلامًـا مبرحـة ، يئـن نغمــًا جنـائزيًـا ، يلتصق النسـيج بالجروح ؛ الدمـاء المـتخـثـرة شكـلهــا بشـع ، ظهــره خريطـة كــونيـة ؛ تتجــاور الهـضـاب والتــلال ، تنزاح بينهـمـا البحـار والسهـول.

ينطق بصعوبة: بنتي .. بنتي ..

يَحضُر طبيبُ شابُ مع الطفل الذى كان على يميني، يحاول نزع فتيل الآلام، تخرج الكلمات مغموسة بالدموع.

- تتشبث البنت بيدي، يمسكها جندي ، أتراجع ، يلتفون حولي، وكأننى شيطان.

- طاخ .. طيخ ، ألْثِم الأقدام تقبيلًا ، النجدة يا هووه ، استغاثات منثورة.

- إلى من تتوجه؟

يطرحُنِى أرضًا، يرفعون قدمي لأعلى، أشرسهم ينفض رجلي بعَصَى وكأنني وسادة قطن بيد مُنَجِّد.

- ما الذى فَعَلْتُه؟

- أليس من حقي البحث عن الكرامة؟

- ابتلعت الأرض بنتي .

يُصَفِّر أحد الأولاد بفمه، يتجمع الكثيرون منهم ، يتبخرون .

- ربما يُنَقِّبُون عن الفتاة .

ازداد المحيطون،أهمس فى أذن الرجل:

- لا تخف فالأولاد موجودون .

أصرخ فى الولية:

- ضعي الفحم على البوتجاز.

ترد منفعلة :

- هو أنا الجارية يا فلحوس؟

تغادر شاشة الكومبيوتر ولسانها يلْهَج بالتبرّم:

- روح القهوة واشخط كيفما تريد.

أعمد جاهدًا لحذف هذا المقطع من القصيدة ، أخشى الألسن اللائكة ، ويجب أن لا أفقد هيبتي ، اكسر دورق الشر ، فالبوتجاز قابع فى الركن القريب.

تمت بحمد الله

نيسان ـ نشر في 2016-02-11 الساعة 16:15

الكلمات الأكثر بحثاً