اتصل بنا
 

مصداقية ضائعة

كاتب مصري

نيسان ـ نشر في 2016-02-24 الساعة 12:24

نيسان ـ

لن تستعيد الموجة الراهنة من الصخب والضجيج للسلطوية الحاكمة فى مصر مصداقيتها الضائعة، أو تحول دون تواصل انصراف قطاعات شعبية واسعة عنها وعن رموزها. فتفاصيل الظلم والقمع لم تعد غائبة إلا على من يرفضون إدراك الحقيقة، وعجز إدارة الجنرالات عن إخراج البلاد من أزماتها وتخبط سياساتها الاقتصادية والاجتماعية ووضعية الاستقطاب المجتمعى التى تعمقها جميعها إخفاقات لم تعد خافية إلا على من يرغب فى تجاهلها.

لا تختلف الموجة الراهنة من الصخب والضجيج عن موجات الجنون والهستيريا التى تتابعت خلال السنوات الماضية. تظل المكونات الأساسية هى صناعة لأعداء متخيلين، وترويج لنظريات مؤامرة متوهمة، وتبرير زائف لمظالم وانتهاكات السلطوية الحاكمة، ومشاهد عبثية لإلهاء الناس عن الإخفاقات المتراكمة. تتفاوت فقط السياقات.

اليوم بات الأعداء المتخيلون قطاعات مهنية وشعبية بأكملها، كالأطباء الذين جددوا دماء الاحتجاج السلمى بمطالب مشروعة، كأهالى الدرب الأحمر ومن قبلهم سكان مدن وأحياء أخرى أسقطت بها جرائم الأجهزة الأمنية ضحايا، وككل مدافع عن حرية التعبير عن الرأى يرفض أن يقبع وراء الأسوار من يبحثون عن وطن بلا تعذيب وكل متمسك بحرية الإبداع يرفض الحكم على الكتاب تارة بحجة ازدراء الأديان وأخرى بادعاء خدشهم للحياء العام.

أما نظريات المؤامرة المتوهمة التى يقصف بها الناس يوميا فتجاوزت صياغات «الغرب المتآمر» و«القوى الإقليمية المتآمرة» و«منظمات المجتمع المدنى المتآمرة من الغرب»، و«الإخوان الإرهابيين» باتجاه أكثر عبثية بحديث عن «مخططات أجنبية تستغل أهالى الدرب الأحمر للتآمر على الدولة وإسقاط نطام الحكم»، و«متربصين بالوطن يسيئون للشرطة وأبطالها باستغلال تجاوزات فردية»، وعن التآمر بنكران «جميل الشرطة التى يضحى أفرادها بالغالى والنفيس» فى الحرب على الإرهاب (علما بكون التقدير العام لدور الشرطة وتضحيات أفرادها يحضر شعبيا على نطاق واسع).

كذلك لا تختلف اليوم الصياغات المستخدمة لتبرير المظالم ولا مشاهد العبث المعدة لإلهاء الناس عن ما سبق ترويجه خلال السنوات الماضية إلا فى السياقات وبعض التفاصيل. لا سبيل اليوم للإنكار التام للمظالم والانتهاكات، لذا تبرر كتجاوزات فردية. ولأن مشاهد العبث المنتجة بواسطة الأذرع الإعلامية فقدت جاذبيتها المرضية وتراجعت فاعليتها فى تزييف وعى الناس أو إلهائهم وصرف أنظارهم عن الأوضاع المأساوية لبلاد، ينتقل اليوم عطاء العبث والإلهاء إلى البرلمان وسياقات أخرى.

وكما فشلت موجات الصخب والضجيج الماضية فى إنقاذ مصداقية السلطوية الحاكمة، ستفشل أيضا الموجة الراهنة.

الشروق

نيسان ـ نشر في 2016-02-24 الساعة 12:24

الكلمات الأكثر بحثاً