اتصل بنا
 

لكى تتوقف محاكمة الخيال

كاتب مصري

نيسان ـ نشر في 2016-02-28 الساعة 11:52

نيسان ـ

فى مادته رقم 19، ينص العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية (بدء سريانه فى 1976) الذى وقعت وصدقت عليه مصر على أن لكل إنسان الحق فى اعتناق الآراء دون تدخل من أحد، والحق فى التعبير الحر عن الرأى وهو ما يشتمل على حرية البحث عن المعلومات والأفكار وحرية الحصول عليها وحرية نشرها. تنص المادة 19 أيضا على أن ممارسة الأفراد لهذه الحقوق ترتبط بواجبات ومسئوليات خاصة تلقى على عاتقهم، وقد تعنى فرض بعض القيود القانونية المتعلقة «على وجه الحصر» باحترام «حقوق الآخرين» وبحماية «الأمن القومى والنظام العام والسلامة العامة والأخلاق» وغيرها.

تتناقض عبارة «على وجه الحصر» بوضوح مع المفاهيم الفضفاضة كالنظام العام والسلامة العامة والأخلاق، وتتناقض أيضا مع نزوع حكومات عديدة إلى توظيف «مقتضيات حماية الأمن القومى» للانتقاص من حق الناس فى التعبير الحر عن الرأى ومن حقهم فى الحصول على المعلومات والتعرف على الأفكار المتنوعة وفى تداولها دون خوف.

وسبق العهد الأوروبى لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية (1950) العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية فى السقوط فى نفس التناقض، ومن ثم فى تفريغ حرية التعبير عن الرأى من بعض من مضمونها بصياغات احتوت على ذات المفاهيم الفضفاضة.

فجاء نص العهد الأوروبى فى مادته رقم 10 على النحو التالى:


«1. لكل فرد الحق فى التعبير الحر عن الرأى. ويشتمل هذا الحق على حرية اعتناق الآراء، والحصول على المعلومات والأفكار، ونشرها دون تدخل من السلطات العامة وبمعزل عن الحدود الفاصلة بين الدول. ولا تمنع هذه المادة الدول من اشتراط الترخيص الرسمى لمؤسسات الإعلام والتليفزيون أو السينما.

2. ولأن ممارسة هذه الحريات ترتبط بواجبات ومسئوليات، فإنها قد تخضع لإجراءات رسمية أو شروط أو قيود أو عقوبات ينص عليها القانون، وتعد ضرورية فى مجتمع ديمقراطى، وتصب فى مصلحة الأمن القومى أو السلامة الإقليمية أو الأمان العام، أو تأتى من أجل منع الفوضى أو الجريمة، أو من أجل حماية الصحة العامة أو الأخلاق، أو من أجل حماية سمعة الأفراد الأخرى وحقوقهم، أو من أجل الحيلولة دون الإفصاح عن معلومات ذات طبيعة سرية، أو بغرض الحفاظ على سلطة وحياد القضاء».

إلا أن استخدام ذات المفاهيم الفضفاضة مثل النظام العام والسلامة العامة والأخلاق، أوقع الدول الأوروبية وحكوماتها منذ خمسينيات القرن العشرين فى أزمات متكررة.

هنا اضطلعت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عبر عدد من الأحكام التى أصدرتها وتناولت بالشرح القانونى جوهر ومضمون القيود المقبول ورودها على حرية التعبير عن الرأى.

تعرّف المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الحرية كشرط أساسى لتقدم المجتمعات البشرية ولتطور الإنسان، ومن ثم يتعين أن تبقى القيود المفروضة عليها فى أضيق الحدود. تقر المحكمة أن تدخل الدول لتقييد الحق فى حرية التعبير عن الرأى وتداول المعلومات ينبغى أن يرتبط باحتياجات مجتمعية ماسة، ثم تلزم الدول بالإفصاح القانونى والتنظيم القانونى لما تراه احتياجات مجتمعية ماسة على «نحو يسهل إدراكه».

تقر المحكمة أيضا بوجوب حضور الإفصاح والتنظيم القانونيين حين تتذرع الدول بمقتضيات الأمن القومى، أى أن مسئولية الدول وحكوماتها هى التحديد الدقيق للمقصود من «المفاهيم الفضفاضة» .

وفى مصر، لدينا ولاية الميثاق الإفريقى لحقوق الإنسان والمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. والأخيرة تستطيع بأحكام مشابهة لأحكام المحكمة الأوروبية التأثير على القوانين والممارسات المصرية فى مجال حرية التعبير عن الرأى.

الشروق

نيسان ـ نشر في 2016-02-28 الساعة 11:52

الكلمات الأكثر بحثاً