اتصل بنا
 

دون يأس أو اكتفاء بالسخرية

كاتب مصري

نيسان ـ نشر في 2016-02-29 الساعة 11:26

نيسان ـ

هى أستاذة جامعية، تخصصها الأدب الأمريكى المعاصر، شاركت فى تأسيس حركة للحقوق المدنية يمكن ترجمة مسماها إما إلى «حياة السود تهم» أو إلى «لحياة السود أهمية»، تنشط فى مجالات مواجهة العنصرية والدفاع عن حقوق المجموعات السكانية غير البيضاء فى الولايات المتحدة الأمريكية، تكتب كثيرا عن المخيلة العنصرية فى الأدب وعن المفردات اللغوية والصور الرمزية التى مازالت متداولة أدبيا على الرغم من أنها ذات طبيعة عنصرية واضحة. بالأمس جلست إليها فى أعقاب محاضرة ألقتها عن الحقوق المدنية.

الأستاذة: ما بك؟ لماذا تنظر بكل هذا العبوس؟

الكاتب: لست عابسا. فقط أفكر فى سردك لتاريخ حركة الحقوق المدنية والصعوبات الكثيرة التى واجهتها وتواجهها فى انتزاع المساواة الكاملة وفى حماية حقوق الأمريكيين ذوى الأصول الإفريقية.

الأستاذة: لم نعد نخجل من استخدام عبارة الأمريكيين السود، فهذا لون بشرتنا ونحن فخورون به. التحايل بتعبيرات لغوية كالأمريكيين ذوى الأصول الإفريقية يوحى بالتخلص من العنصرية، بينما هى حية ترزق وتخطف حياة الكثير من السود الذين يسقطون ضحايا لعنف أجهزة الشرطة،لكن، فى ماذا تفكر تحديدا؟

الكاتب: فى قدرتك مع شركائك فى حركة «حياة السود تهم» على الجمع بين الدفاع عن حقوق ــ سأستخدم تعبيرك ــ السود والمطالبة بجبر الضرر عن الضحايا وبين العمل كجماعة ضغط فى الكونجرس ، وفى الإعلام التقليدى والاجتماعى لتوعية الناس بخطر الصمت على العنصرية، وفى القضاء لتحريك المساءلة القانونية للمتورطين فى قتل بعض السود . من أين لكم بالطاقات البشرية والإمكانيات المالية للقيام بكل ذلك؟

الأستاذة:هى طاقات تراكمت خلال العقود الماضية والفضل يعود إلى حركات الحقوق المدنية السابقة. من جهة أخرى، حركتنا تعتمد على تطوع المتعاطفين معها بشىء من الوقت وبشىء من المال لإدارة جهودها. أنت هنا فى مجتمع يقدس العمل التطوعى، ويديره بشكل احترافى، ويؤمن تماما أن التغير الاجتماعى الجذرى كالتخلص من العنصرية لا يتحقق إلا بالمزج بين الضغط السياسى والتشريعى والقانونى على الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات وبين تعبئة المتطوعين وتمكينهم من نقل الاقتناع بمبدأ المساواة إلى كل مكان.

الكاتب: وهل تجدون متطوعين فى جميع المجالات..فى تشريح المحتوى العنصرى لبعض الكتب المدرسية، فى المساعدة النفسية والمالية لأسر ضحايا العنف، فى متابعة أحكام المحاكم الخاصة بمساءلة المتورطين فى العنف والاستئناف على الكثير منها، فى الاحتجاجات الرمزية على الطرق السريعة للتوعية بتهميش الأمريكيين السود تعليميا وفى سوق العمل؟.

الأستاذة: نحن لا نجدهم. دعنى أُجِب على سؤالك بحكاية صغيرة عميقة المغزى. فى العديد من المدارس الابتدائية فى ولايات الجنوب الأمريكية، تستخدم كتب مدرسية بها بعض الصور والرموز العنصرية. مثلا لن تجد رائد الفضاء أو سيدة الأعمال الناجحة أو الطبيب الجراح من ذوى البشرة السوداء. لم يكن هذا اكتشافنا، بل اكتشاف تلميذة فى الصف السادس وهى التى ذهبت به إلى مكتب الحركة فى المدينة التى تعيش بها، وطلبت المساعدة فى إعداد كتب جديدة متوازنة. الآن لدينا شبكة متكاملة لتوزيع هذه الكتب ولإقناع إدارات المدارس باستخدامها، والتلميذة الشجاعة تشارك فى عملها. هم يأتون إلينا. والآن، اسمح لى أن أعود إليك، لماذا كل هذا الحزن؟

الكاتب: لن أنكر الحزن. فأخبار مصر بين مظالم وانتهاكات وضحايا للعنف الرسمى تتزايد أعدادهم، وبين إرهاب لا يتوقف، وبين حكم يريد السيطرة على كل عمل جماعى مستقل،هذه هى أسباب حزنى.

الأستاذة: وأنت تشعر بضعف من يجلسون على مقاعد بعيدة، أليس كذلك؟ فقط تذكر أن المجتمعات لا تتغير بسرعة أو فى يسر، وأن التراجع المخيف الذى تصفه سيدفع الناس إلى التفكير بوعى فيما ينشدون وسيفتح قريبا مساحات جديدة لعمل المصلحين ودعاة الحقوق والحريات. فقط تذكر ذلك، وواصل عملك اليومى للتوعية بإمكانية التغيير دون يأس أو اكتفاء بالسخرية.

الشروق

نيسان ـ نشر في 2016-02-29 الساعة 11:26

الكلمات الأكثر بحثاً